مسألة مستعجلة
في الذكرى الـ(62) لاستقلال البرلمان من داخل المجلس
نجل الدين ادم
صادف يوم أمس التاسع عشر من ديسمبر الذكرى الـ(62) لاستقلال السودان من داخل البرلمان ومياه كثيرة جرت تحت الجسر، انقسم السودان الذي اخرجنا منه المستعمر عنوة، إلى شطرين ولم تعد المساحة كما كانت بعد انفصال دولة جنوب السودان.
مجاهدات كبيرة قام بها الرعيل الأول أجدادنا من أجل بلوغ الاستقلال الكامل، وتحقيق الإرادة الوطنية وليست الأجنبية، خرج الانجليز من البلاد غير مأسوف على خروجهم، لأن بقاءهم كان فيه انتهاك لموارد البلد وسرقة لثرواته.
انقسم الحزبان الرئيسان الأمة والوطني الاتحادي، حول مصير البلد التي حكم الاستعمار بالكراهة، انقسما ما بين خيار الاستقلال الكامل تحت شعار السودان للسودانيين، وكان يتبناها حزب الأمة والأحزاب الاستقلالية، ما بين الوحدة مع مصر والذي كان يتبناه الحزب الوطني الاتحادي، ولكن غلب في نهاية الأمر خيار الدعوة للاستقلال الكامل حيث اجتمعت كل القوى السياسية ومكونات المجتمع السوداني على ذلك، فجاءت الدعوة على لسان رئيس الوزراء لدولتي الحُكم الثنائي بريطانيا ومصر أن اخرجوا من بلدنا، لوحة من التلاحم عجلت بتحقيق مطالب قطاعات الشعب السوداني، بما في ذلك الأحزاب الجنوبية التي كانت تنادي بالفيدرالية كشرط لتحقيق خيار الاجماع على خيار الاستقلال، إلا أن النواب الجنوبيين وقتها غلبوا في نهاية الأمر إجماع الناس، عندما حصلوا على وعود بتحقيق ما يريدون، لذلك حق للزعيم “إسماعيل الأزهري” أن يقول في كلمته الشهيرة أن الاستقلال جاء ناصعاً مثل صحن الصيني لا فيه شق أو طق.
(61) عاماً مضت وحكومات متعاقبة حاولت أن ترسم ملامح الاستقلال الحقيقي والاستفادة من مواردنا وتسخيرها لمصلحة الشعب السوداني، لكن هذا القطار ما يزال يمضي في محطات شائكة وفي مساحات نائبة وبعيدة بين القوى الحية التي قادت الفرقة بينهم إلى الرجوع إلى الوراء، خلافات سياسية وأطماع شخصية، فسحت المجال للحروب والاقتتال بين أبناء الوطن الواحد، فقدنا الملايين من الأرواح في حرب الجنوب قبل الانفصال والملايين في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، فكأن ما فقدته البلاد من أرواح في هذه الحروب أكثر مما فقدته في المعركة مع المستعمر، ليطرأ السؤال المهم نفسه، هل بالفعل نال السودان استقلاله الحقيقي؟
معاني عميقة للاستقلال والانعتاق من قبضة المستعمر فقدتها الأجيال اللاحقة، فلم تعد الأجيال تستشعر عظم المسؤولية ومعاني حُب البلد، كل يغني لليلاه، والبلاد تضيع بين صراعات المصالح والذات.
ضاع الحس الوطني للشباب القادم إلا من قليل لا يذكر اختفت معالم حُب الوطن، وجاءت معالم المصالح.
التحية في مثل هذا اليوم للرعيل الأول الذين ما فتأوا يقدموا الغالي والنفيس، حتى الوصول إلى ما نحن عليه اليوم والله المستعان..