زيادة الأوكسجين فصلت "الشفيع خضر" من الحزب الشيوعي!
بقلم – عادل عبده
الدكتور “الشفيع خضر”، القيادي المفصول من الحزب الشيوعي السوداني، حاول إحداث متغيرات خاطفة للأبصار على شكل بيريسترويكا بوجه إنساني وعقلاني، وذلك من موقعه كشيوعي لا خصم من تنظيم آخر، حيث لم يطالب “الشفيع” بانتقال ثقيل وكاسح في مسارات الحزب العجوز، فقد كان يقدّر تغلغل الأفكار القديمة في ذهنية الحرس القديم وما يمكن أن تفعله في وجه المنهج القائم على التحديث والمواكبة وزحزحة المخلفات الستالينية من محاربة شرسة وقتال عنيف لا يعرف المهادنة والتأجيل.. وضع “الشفيع” تصوراته على قالب مرن يتساقط على شكل حبيبات تضرب البقرة المقدسة في العمق، لكن بحسابات مبنية على التدرج والتمهل واستنهاض الشباب والجيل الصاعد بمخاطبة العقل والوجدان.
كانت خطوة الحرس القديم صادمة وقاسية حيث استخدموا في مواجهة “الشفيع” العديد من التهم، أبرزها قيامه بتأسيس منفستو مضاد لخط الحزب التاريخي والأيديولوجي وتنظيم اجتماعات مكثفة خارج الأطر التنظيمية وتبني أفكار تم حسمها في اللائحة والمعبد الحزبي، فكان فصله الذي وضع على قالب مطبوخ وسيناريو معد، وبعد ذلك خاطب “الشفيع” مؤتمر الحزب السادس برسالة مؤثرة جاء فيها أنه لن يفارق خط اليسار الطامح إلى تحقيق المساواة والحرية في البلاد، وأنه سوف يواصل إسهامه في مقاومة الاستبداد والشمولية والانقسامات العرقية ومخاطر الحروب، وقال بصورة شفافة إنه سوف يمد يده لعضوية اللجنة المركزية لمقاومة أي مخطط تصفوي ضد الحزب الشيوعي.
في الصورة المقطعية، أن الطلاق الدامي بين الدكتور “الشفيع” وحزبه يعيد إلى الأذهان صورة طبق الأصل من مأساة ربيع براغ التي حدثت في تشيكوسلوفاكيا عام 68 فقد حاول الزعيم التشيكي “ألكسندر دوبيتشيك” يومذاك أن يرفع شعاراً تجديدياً في بلاده حمل اسم الاشتراكية بوجه آخر، فقد حاول الرجل من موقعه الماركسي فتح كوة صغيرة على النوافذ وقليلاً من الحرية، فكان الرد القاسي من الزعيم السوفيتي “برجينيف” يتمثل في قيامه بإرسال دبابات حلف وارسو على مدينة براغ عاصمة التشيك بقوة السلاح وقد فعل “برجينيف” تلك الخطوة الحاسمة بوصفه القيّم على الأحزاب الشيوعية في العالم يومذاك.
والآن يعيد التاريخ دورته من جديد من خلال المشهد التراجيدي بين “الشفيع” والحزب الشيوعي مع اختلاف المآلات، فالعقل الصلب في الحزب الشيوعي السوداني خشي أن تتحول نسائم “الشفيع” إلى عاصفة هوجاء تقتلع الأيديولوجية القديمة المعتقة، فهؤلاء لم ينظروا إلى مشهد سقوط النظام الشيوعي العالمي في موسكو، معقل الفكر الماركسي ولم يستوعبوا سقوط جدار برلين حجراً ورمزاً فكان قرارهم بفصل “الشفيع” من الحزب، حيث دفع الرجل ثمن محاولة سمكرة النظرية العتيقة.. فالشاهد أن ما قام به “الشفيع” هو مطالبته بزيادة كمية الأوكسجين وفتح كوة صغيرة على جدار الحزب، وقليل من المرونة وتحريك العقل والخروج من الغرفة المظلمة.
الآن يمارس دكتور “الشفيع” ما ذكره في رسالته الشهيرة بمؤتمر الحزب الشيوعي السادس، فهو يتجاوب مع المتطلبات الوطنية ويدخل في أتون القضايا التي تهم المواطنين، ويرسل الأفكار والتصورات عبر الوسائل الإعلامية، ويمارس حياته الاجتماعية في أروقة المجتمع ومناسبات القوى السياسية المختلفة.. تارة مع الاتحاديين وتارة مع حزب الأمة القومي.
وقد لا ينسى دفتر التاريخ أن “الشفيع خضر” فُصل من الحزب الشيوعي عندما طالب بزيادة الأوكسجين في أوصال حزبه القديم!!