حوارات

حوار مع سفير دولة جنوب السودان "ميان دوت وول" حول الملفات الشائكة (1- 2)

كثيرون ينظرون بشفقة إلى سفير دولة جنوب السودان بالخرطوم “ميان دوت وول” بسبب المهام الجسام التي تنتظره هنا في الخرطوم، فهو يمثل دولة جديدة ومتحمسة تنظر إليها (الخرطوم) بكثير من الريبة والشكوك حول نواياها وطريقة تفكيرها، خاصة بعد أن احتل الجيش الشعبي لتحرير السودان منطقة (هجليج) في أعقاب توقيع البلدين لاتفاقية الحريات الأربعة، والتي وصفت وقتها بأنها خطوة كبيرة في اتجاه تطبيع العلاقات بين (جوبا) و(الخرطوم). كما أنه مطالب برعاية مصالح الجنوبيين في السودان، والذين يعيشون في أوضاعاً قاسية ومعظمهم في الميادين العامة بولاية الخرطوم بعد أن سارعت الدولة الجديدة إلى الانفصال دون أن توفق أوضاعهم، غير أن “وول” يبدو واثقاً من نفسه وخبرته، وقال خلال هذا الحوار الذي أجريناه معه بمقر سفارة الجنوب بضاحية الرياض، إنه سيبذل كل ما في وسعه من انجاز لتجاوز كل الملفات التي جاء من أجلها. وبدا متفائلاً بإمكانية عودة العلاقات إلى طبيعتها بين بلدين كانا لوقت قريب دولة واحدة. وأجمل “وول” – الذي كان وزيراً وعضو مجلس تشريعي قبل الانفصال –  أسباب التفاؤل في جدية قيادات الطرفين وخاصة الرئيسين “عمر البشير” و”سلفاكير ميارديت” في إعادة الأمور إلى نصابها، مشيراً في هذا الصدد إلى أن الإجراءات المتعلقة بقبوله سفيراً تم انجازها في وقت قياسي، فضلاً عن صداقاته الخاصة مع عدد كبير من المسؤولين في الدولة. 

{ سعادة السفير نبدأ هذا الحوار بسؤال يتبادر إلى أذهان الكثيرين وهو.. ماذا أعددت لمواجهة الملفات الصعبة والشائكة لمهمتكم.. وخاصة أنت أول سفير للجنوب الذي تشهد علاقاته مع الشمال توتراً مستمراً بعدما كان جزءاً من هذا البلد؟
– نعم، هذا سؤال مهم جداً، وبطبيعة الحال أنا جئت وفق خطة واستراتيجية متكاملة للتعامل مع الوضع هنا في الخرطوم، وهذه الخطة هي جزء من خطة شاملة لوزارة التعاون الدولي في بلادي للتعامل مع كل بلاد العالم، وهذه الإستراتيجية تقوم على فكرة تبادل المصالح والمنافع مع بقية شعوب العالم عبر الأطر الدبلوماسية المعروفة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، ولكن العلاقة بين الشمال والجنوب علاقة لها خصوصيتها المعروفة والمفهومة، وأنا أريد أن أبني هذه العلاقة التي تقوم على التاريخ المشترك والمصالح المشتركة.
{ ……………؟
– كما لاحظتم، فإن معظم وسائل الإعلام قد اهتمت بأمر تقديم أوراق اعتمادي للسيد رئيس الجمهورية، ولم تهتم بتقديم أوراق بقية السفراء والبالغ عددهم ستة سفراء، لأنني أول سفير لجنوب السودان والذي كان جزءاً من الشمال، أقول إنني وجدت كل الاحترام والتسهيلات الممكنة للقيام بمهمتي كسفير، وأعتقد أن العلاقة بيننا كبيرة وهي أقرب من أية علاقة تجمع بين الجنوب وغيرها من دول الجوار، مثل (أوغندا وكينيا وأثيوبيا وإفريقيا الوسطى)، فاللغة العربية هي اللغة التي تربطنا، بل أن كل الجنوبيين يستخدمون (عربي جوبا) للتواصل بينهم، وهذا يعني أن الذي يربطنا أكثر من الذي يفرقنا، كما أن قبائل (البقارة) يمكثون فترة أطول في الجنوب مع (الدينكا)، وهي أكثر من الفترة التي يقضونها في الشمال.
{ كيف ستستفيد من هذا القرب؟
– نعم، في خطتي وضعت شقين للدبلوماسية الشعبية، أحدهما دبلوماسية حضرية، وهي معنية بأمر الحراك الذي يحدث في الحضر، مثل تبادل المنافع وتكوين الأجسام الثقافية والفنية والرياضية والإعلامية وغيرها، كما أنني وضعت دبلوماسية شعبية ريفية وهي موجودة في الريف والمناطق الحدودية التي لا تتحرك عادة بالأوراق والوثائق، وهي دبلوماسية مهمة جداً في نظري لأنها مفتاح لحلول المشاكل الحدودية بين البلدين، ولهذا كنت حريصاً على الالتقاء بولاة الولايات الحدودية الخمسة في جنوب السودان، وناقشت معهم سبل تفعيل هذه الدبلوماسية المهمة، والتي يمكننا عبرها أن نطور كثيراً بين علاقاتنا المستقبلية، صحيح أن الانفصال كان نتاجاً لإرادة سياسية، ولكن جاء الوقت للنظر إلى الأمام بصورة مختلفة.
{ ولكن هل لديك آليات محددة.. وأزمان محددة لتنفيذ هذه الخطة أو الإستراتيجية خاصة.. ونحن نعلم أن هنالك تعقيدات كبيرة على الأرض.. وأن الأمر ليس كما صورته لنا بمثل هذه السهولة؟
– هنالك قبول كبير من قبل قيادات حكومة جنوب السودان وعلى رأسهم الرئيس “سلفاكير ميارديت” لهذه الخطة والإستراتيجية، وهو أمر في اعتقادي مهم جداً لإنجاحها، كما أنني لاحظت أن هنالك جدية شديدة في (الخرطوم) هنا لتسهيل مهمتي وهو أمر أيضاً مهم.
{ سعادة السفير لديك العديد من الملفات الشائكة والمعقدة إن لم نقل شبه المستحيلة.. فأنت أمام دولة مازالت تنظر بكثير من الشك لنواياكم في ظل انعدام الثقة.. كما أن أوضاع مواطني الجنوب في السودان لا تسر أحداً.. ما هي أولوياتك تجاه هذه القضايا؟
– أولوياتي تبدأ بتحسين أوضاع العلاقات بين البلدين وإعادة التطبيع بينهما، ثانياً المواطن الجنوبي في الشمال وعودة الجنوبيين العالقين في الميادين العامة ومن يريد العودة إلى الجنوب، وولاية الخرطوم لوحدها فيها نحو (91) ألف عالق غير العالقين والموجودين في الولايات الأخرى، وأنتم تعلمون أن الحدود مغلقة في الوقت الحالي، وهم يعيشون في ظروف قاسية ولأوقات طويلة، كما أن الطلاب الجنوبيين هنا في السودان يعانون من مشكلات كثيرة لا تبدأ بمسائل توفيق الأوضاع ولا تنتهي بمشكلة الرسوم الدراسية والتحويلات المالية، وهم بالمناسبة، الأكثر عدداً من بين الطلاب الجنوبيين الذين يدرسون في الخارج.
{ ……….؟
– هنالك مشاكل أمنية تواجه بعض الجنوبيين هنا بالرغم من امتلاكهم لوثائق ثبوتية، ولقد تلقينا تقارير بتعرض بعض الجنوبيين لمضايقات من سودانيين خاصة في مناطق الحاج يوسف، كما توجد مليشيات مسلحة جنوبية تقوم بمضايقة الجنوبيين.
{ هل هنالك مساجين جنوبيين في السجون السودانية؟
– نعم، هنالك نحو عشرة آلاف أو أحد عشر ألف سجين جنوبي في السجون السودانية، وهنالك مذكرة تفاهم بين وزيري داخلية البلدين لتبادل السجناء، وهذه المذكرة تم توقيعها في وقت سابق من هذا العام، ولم يتم تنفيذها، وأنا سأعمل وبالتعاون مع السلطات هنا وهنالك من أجل يتم ترحيل النزلاء إلى الجنوب وترحيل السودانيين المسجونين في الجنوب إلى الخرطوم، لأن نفس القوانين المطبقة هنا مطبقة هناك، لأننا مازلنا نتعامل بالقانون الجنائي السوداني، ويمكن للنزيل أن يتم فترة سجنه في بلده.
{ كم عدد المساجين السودانيين في الجنوب؟
– عددهم ليس كبيراً في حدود (300) شخص فقط.
{ هل من بينهم سجناء سياسيون؟
– لا، ليس هنالك سجيناً سياسياً من السودان في سجون أو معتقلات جنوب السودان.
{ وماذا عن “تلفون كوكو”؟
– “تلفون كوكو” ليس سياسياً، وإنما هو ضابط برتبة لواء في الجيش الشعبي، وهو معتقل لأسباب متعلقة بعمله في الجيش.
{ ولماذا لم تتم محاكمته حتى الآن؟
– لأنه تم اعتقاله في ملابسات مختلفة لها علاقة بالجيش الشعبي، وإذا بدأت المحاكمة ستتم محاكمته عسكرياً، وبالمناسبة ما حدث لـ”كوكو” هو نفس ما حدث لأحد المواطنين الجنوبيين وهو “إبراهيم الماظ” والذي كان أحد قيادات حركة (العدل والمساواة) وتم اعتقاله ومحاكمته هنا في الخرطوم.
{ لاحظ أنك قلت أنه تم اعتقاله ومحاكمته.. ولكن “تلفون” لم تتم محاكمته ولم يتم إطلاق سراحه أيضاً؟
– نعم هذا أمر يخص الجيش الشعبي، وهو أحد ضباطه وهو من سيقرر بأمره، وعموماً، فإن مسألة “الماظ” و”كوكو” سينظر إليها قادة البلدين وسيجدون حلاً سياسياً لهذه القضايا.
{ لنذهب إلى ملف المفاوضات التي تشهد جموداً هذه الأيام.. وهنالك ترتيبات لعقد قمة بين الرئيسين “عمر البشير” و”سلفاكير ميارديت” في نهايتها.. كسفير لجنوب السودان هل أنت جزء من هذه الترتيبات؟
– الوساطة الإفريقية بقيادة “ثامبو امبيكي” هي من ترتب لهذه القمة، وهو يريد رفع مستوى المفاوضات لأن مجلس الأمن وضع يوماً محدداً لنهاية التفاوض وهو نهاية الشهر الجاري، ويريد أيضاً من الرئيسين أن يوقعا على الاتفاقيات التي تم انجازها مثل النفط والحريات الأربعة وتجارة الحدود والترتيبات الأمنية حتى يكون ملزماً للرئيسين عندما يقدم تقريره إلى مجلس الأمن الدولي.
{ أنت قلت أن كل الملفات تم تجاوزها وحتى الملف الأمني.. مع أننا نعرف أن الملف الأمني لم يتم تجاوزه حتى الآن وهي العقبة الرئيسية في المفاوضات؟
– نعم كل القضايا الأمنية شبه محسومة، ماعدا منطقة الميل 14، وأنا أعتقد أن عودة رئيسي الوفدين للشؤون الأمنية والسياسية ووزيري الدفاع بالبلدين إلى كل من (جوبا) و(الخرطوم) للتشاور هو بمثابة منح الضوء الأخضر للاتفاق.
{ هل تم الاتفاق على المنطقة العازلة؟
– ليست هنالك مشكلة سوي الميل 14 وكل الأمور شبه محسومة، وأنا أعتقد أن البلدين ليسا في حاجة للعودة إلى الحرب وإنما يودان السلام، وبالتالي فإن رئيسي البلدين سيوقعان على جملة من الاتفاقيات بنهاية الفترة التي حددها مجلس الأمن الدولي، ليكونا شاهدين على ذلك، لأن بعد انتهاء أجل التفاوض لن يكون هنالك وجود للوساطة، وسيكون الرئيسان هما مسؤولان أمام مجلس الأمن إذا حدث أي شيء آخر، باعتبار أن الوساطة سينتهي دورها بنهاية الشهر الجاري.
{ بالنسبة لاتفاقية الحريات الأربعة.. والتي ثار جدل بشأنها بعد أن دخلت قوات الجيش الشعبي إلى منطقة (هجليج).. هل تعتقد أن الأجواء ملائمة لتطبيق مثل هذه الاتفاقية؟
– والله أتمنى أن تطبق هذه الاتفاقية بشكل جيد، والآن هنالك لجنة حدود تتكون من فنيين أفارقة تمت إضافتهم للجنة الفنية القديمة، والخلاف أصلاً حول (20%) من أصل الحدود بعد أن تم الاتفاق حول (80%)، وأعتقد أن هذه اللجنة ستساعد الطرفين للوصول إلى اتفاق، وبالتالي فإن اتفاقية الحريات الأربعة يمكن أن تجد لها أرضية خصبة للتنفيذ.
{ قلت خلال المؤتمر الصحافي الذي عقدته عقب اعتمادك بشكل رسمي إن الحكومة السودانية وافقت على استئناف حركة الطيران بين البلدين…هل هنالك جديد فيما يخص هذا الموضوع؟
– نعم، بعد أن قابلت رئيس الجمهورية “عمر البشير”، طلبت منه المساعدة لكي يتم استئناف الطيران من أجل مصلحة شعبي البلدين، ولقد وافق الرئيس على ذلك، ووجه السلطات المختصة بتنفيذ هذا الطلب فوراً بتسهيل وإزالة العقبات أمام هذا الأمر، والآن لا توجد مشكلة، وكل الأمر يتعلق بأمور فنية تحددها سلطات الطيران في البلدين، وكما تعلمون، فإن حركة الطيران بين (الخرطوم) و(جوبا) أصبحت دولية وليست محلية كما كانت في السابق، وهذا يحتاج إلى ترتيبات جديدة تتعلق بشروط الطائرات ومدى صلاحياتها، بالإضافة إلى ترتيبات أخرى. وبالفعل ناقش وكيل وزارة الخارجية “رحمة الله محمد عثمان” هذا الملف خلال زيارته الأخيرة إلى (جوبا) مع المسؤولين هنالك، وتم الاتفاق على كل شيء، وأؤكد لكم أن حركة الطيران ستستأنف قريباً. 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية