رأي

مسامرات

ضحايا الغرور
محمد إبراهيم الحاج

{ عشرات الأسماء الفنية والإبداعية التي يحفل بها سفر الإبداع السوداني تتساقط يومياً بعد كل فترة وأخرى من ذاكرة الناس.. يتساقطون رغم أنهم شغلوا بال الناس كثيراً خلال فترات محددة وكانوا ملء السمع و(الشوف).
{ أسماء صارت الآن في مجاهيل النسيان.. وأخرى مرشحة لذات المصير.. لأنهم لم يعرفوا كيف يقيمون في قلوب وعقول الناس.
{ أعمتهم رؤيتهم لذواتهم التي ضخمت لهم أنهم (بشر ما عاديين) عن رؤية ما يحبه عامة الناس.
{ كثير من هذه الأسماء التي سقطت.. وتتساقط بشكل متتابع من عقول الناس، جمعت بينها صفة (الغرور) الذي أحالهم ليكونوا جزءاً من التاريخ الإبداعي رغم أن كثيرين منهم لا يزالون في بدايات حياتهم.. لكنهم لا يملكون الوعي الكافي بمطلوبات نجوميتهم التي نالوها.
{ كان الغرور سبباً في (قضم) موهبة كثيرين.. وإحالتها إلى مثواها الأخير.
{ الغرور هو المسمار الأول والأخير الذي يحيل المبدع إلى منتهاه بأسرع مما كان يتوقع.
{ يعتقد (المغرور) أنه قد ملك مواهب لم تتأت لآخرين غيره.. يتحول هذا المعتل بغروره تلقائياً من مبدع ناطق بأحلام وآمال مجتمعه إلى (مسخ مشوه)، لا يسمع سوى صدى صوته الداخلي.. ولا يرى إلا ما تزينه له عيناه.. يعتقد أن حركاته وسكونه.. مجيئه وذهابه.. حديثه وصمته.. تجذب الناس وتجعلهم يعشقون كل تفصيلاته.
{ يعيشون في متاهة التيه لمدة طويلة حتى يتصيدهم قدر أن يكونوا مجرد (سقط متاع).. لا يأبه لهم أحد.
{ وهذا الاعتقاد يصبح تلقائياً سبباً في أن يتحولوا إلى مجرد أشباح اجتماعية لا يأبه لهم أحد ولا يستمع لهم أحد ولا يتفاعل مع ما يقدمونه أحد.
{ قد يتمظهر الغرور في أشكال عدة.. فقد يكون المبدع مغتراً بما يقدمه فينعكس ذلك في تعامله مع من حوله بكبرياء وصلف، ويرى سواه أدنى منه رتبة.. وقد يظهر في شكل إعجابه بنفسه حد الوله وتصيبه لوثة (نرجسية) يقضي معها حتفه الفني.. أو أن يكون قد طفر في عقله أنه صار في مرحلة لا تتطلب منه أن يعمل لتقوية إبداعه.. فيصبح بالتالي (لقمة) سائغة للنسيان.
{ وقتها تكون النهاية المنطقية لهؤلاء المغرورين.
{ قبل سنوات طويلة كان الفنان “عماد أحمد الطيب” يمثل أيقونة الشباب في الغناء السوداني.. وكانت تحتفي به المنتديات والحفلات.. يولع به الجنس اللطيف إلى الحد الذي تم منعه في الظهور بالتلفزيون لأن الفتيات كدن أن يفتن به- حسب ما راج وقتها- وركن “عماد” إلى ما حققه من نجاح جزئي في مشواره الفني.. لم يفتح الله عليه سوى بأغانٍ ضئيلة.. لم يعمل على تثبيت دعائم مشروعه الغنائي باستثمار حالة القبول الكبير الذي وجده.. ولكن (عسل النجومية) أغراه، حتى وجد نفسه الآن خارج مضمار الوجود.. ولو جزئياً.
{ ثم كان الفنان “محيي الدين أركويت” الذي صعد نجمه في بداية الألفية.. وظن أنه أصبح النجم الغنائي الأول، حتى بات الآن يعرض ملصقاته على (أعمدة الكهرباء) بوجود تخفيضات كبيرة في تعاقدات حفلاته وكأنه يعمل (سمسار أراضي).
{ في التقديم البرامجي تزامن “الطيب عبد الماجد” مع د. “حمزة عوض الله”.. ووقتها كان البون شاسعاً بين الاثنين على مستوى الثقافة العامة والقبول لدى الناس، فبينما كان “حمزة عوض الله” مستنيراً ومطلعاً على كثير من الثقافات الغربية والعربية، كانت ثقافة “الطيب عبد الماجد” (على قدرو)، لكنه بالمقابل كان يحظى بقبول لتلقائيته وحضوره وظهوره للناس كواحد منهم.. وعلى العكس منه كان “حمزة” الذي كان حريصاً على الظهور على الناس بتعالٍ بائن، ودائماً ما يعمد إلى استعراض مهاراته اللغوية ومعلوماته العامة التي قد لا تتفق مع سياق الحديث في كثير من الأوقات.
{ فبقي “الطيب عبد الماجد” رغم ثقافته العامة الضئيلة.. وذهب “حمزة عوض الله” إلى مجاهيل النسيان.. وكانت كلمة السر الفاصلة بين الاثنين هي (ما أبداه “حمزة” من غرور في مخاطبة الناس.. وما ظهر به “الطيب” من تواضع وتلقائية).
{ كثير من الأصوات الغنائية التي لمعت مؤخراً مرشحة بقوة لكي تنتهي إلى (مقبرة النجومية) ورغم أن بعضهم لا يملك عملاً غنائياً واحداً.. لكنهم مغرورون.. وأعني هنا “مهاب عثمان” و”مكارم بشير”.. ومؤخراً “مأمون سوار الدهب”.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية