القيادي بالحركة الشعبية شمال دكتور "محمد يوسف مصطفى" في حوار مع المجهر (1-2
الذين استولوا على الحركة الشعبية بعد موت “قرنق” غير مؤمنين برؤية السودان الجديد
قطاع الشمال تياران أحدهما يرى استحالة اقتلاع النظام والآخر يعتقد بإمكان هزيمته
الذين استلموا السلطة في دولة الجنوب خانوا رؤية الحركة الشعبية وحديثهم عن الانتصار للمهمَّشين وتحريرهم من “المندكورو” (طلع بيش)
بعد انفصال جنوب السودان تناقل المراقبون حديث لدكتور “محمد يوسف مصطفى” ومفاده أن الحركة الشعبية خانت خيار الوحدة، لذلك لم تترك له خياراً للاستمرارية، ومنذ ذلك الحين اعتبر المتابعون للمشهد السياسي أن الدكتور قال كلمته وابتعد، لكن في حوار أجرته معه (المجهر) أكد دكتور “محمد يوسف مصطفى” أنه لازال (حركة شعبية قطاع –الشمال) ، وأبدى مناصرته لرؤية “عبد العزيز الحلو”، واعتبرها هي الرؤية التي تعبِّر عن الحركة الشعبية الأصلية، وقال إنه متمسك برؤية السودان الجديد رغم خيانة الحركة الشعبية لهذه الرؤية، وفي الجزء الثاني تحدَّث عن تجربته التنفيذية والتشريعية أيام مشاركة الحركة الشعبية في السلطة قبل انفصال الجنوب ،وعن أسباب عدم الكشف عن تقرير وفاة “قرنق” حتى الآن. فماذا قال؟
حوار – فاطمة مبارك
بعد الانفصال قلت إن الحركة الشعبية خانت خيار الوحدة، لذلك ابتعدت عن المشهد السياسي .هل لا زلت تقف في هذه المحطة؟
الحديث الذي قلته أكرره الآن، حتى يكون واضحاً، قلت إن الحركة الشعبية خيارها لحل المشاكل التي تواجه السودان أن يؤسس سودان جديد غير السودان القديم ،الذي نعرفه، والسودان الذي تدعو له الحركة الشعبية لحل مشاكل كل السودانيين والسودانيات ،هو نقيض للسودان الذي نراه الآن.
كذلك لابد من سودان يتوفَّر فيه السلام والرخاء ، ويكون هناك ترابط بين مكوِّناته وهذا لا يتوفَّر إلا بزوال بعض الأشياء الموجودة في السودان القديم ..
*تقود لكل المشاكل التي ذكرناها و
أي مشاكل؟
مشاكل عدم الاعتراف بالحقيقة الأساسية في السودان ،التي تتمثل في أن السودان بلد مكوَّن من مجموعات متعدِّدة جاءت وتوطَّنت وانتمت للسودان بالمواطنة وهي الأساس.
الآن المواطنة هي الأساس حسب الدستور؟
أبداً، هناك مجموعة قالت: السودان حقنا وباقي الناس أقليات، وإضافات وهوية السودان وتاريخه ومستقبله مرتبطة بنا .وهذا فيه إلغاء لتاريخ السودان الطويل والحقائق الموضوعية، وهذا كان سبباً في الحروب، لأن بقية الأطراف التي لم تعترف بها لا تتوقع أن تستقبلك بالورود.
نحن نريد أن يعترف الناس بالتعدُّد وكل شخص يأخذ حقوقه بغض النظر عن عددهم وزمن مجيئهم للسودان وأديانهم، لابد أن نحترم ونعترف ببعضنا البعض ويُقسَّم الموجود بعدالة، وهذا هو الطريق الوحيد لإنهاء الحرب وتحقيق السلام وهذا هو موقف الحركة الشعبية.
* الحركة الشعبية رفعت شعار السودان الجديد، لكن فشلت في تطبيقه في الجنوب، كما انقسم قطاع الشمال الآن لماذا إذاً أنت متمسك به طالما فشل عملياً؟
اعتقد أن الحركة الشعبية بعد وفاة دكتور “جون قرنق” استولى عليها ناس غير مؤمنين أصلاً برؤية السودان الجديد الذي يدعو للمساواة بين الناس والسلام ويفتكروا ان هذا تحقيقه مستحيل ويزيد من أمد الحرب وبالتالي أفضل حل هو الانفصال، وساهموا مع المؤتمر الوطني في دعم هذه الفكرة ، الذي كانت لديه أجندة مختلفة ويريد التخلص من الحركة الشعبية وتمدداتها وشعاراتها وبتواطؤ الحركة الشعبية مع المؤتمر الوطني في الفترة الانتقالية عمدوا إلى عدم تطبيق الاتفاقية.
ألم يطبِّقونها؟
إذا قرأتي الاتفاقية قراءة صحيحة تجدين أنها لن تقود إلا لوحدة السودان .الاتفاقية لم ينفذ منها إلا الجزء الخاص بالجنوب وأبرزه الاستفتاء على الوحدة أو الانفصال عدا ذلك لم تنفَّذ.
أي جزء لم ينفَّذ برأيك؟
الجزء الخاص بالحريات والرخاء والتعليم المجاني والصحة والأراضي لم ينفَّذ وكلها كانت عرقلة. الانفصاليون لم يكن لديهم مصلحة في تنفيذها، وكذلك المؤتمر الوطني ليس لديه مصلحة، لذلك النتيجة كانت منطقية بأن يصدق الجنوبيون الكلام ويصوِّتوا للانفصال، وهذه كانت خيانة لرؤية السودان الجديد، وهؤلاء أصلاً ليس لديهم علاقة بالسودان الجديد ولا حصل آمنوا بالفكرة، كل همهم أن ينفصل السودان ولا يكون هناك (مندوكورو).
كيف نظرت للصراع في دولة الجنوب بين الحكومة والمعارضة؟
اعتقد أن الانفصاليين لما استلموا السلطة لم تكن لديهم رؤية أو مشروع، لذلك تحوَّل الموضوع إلى صراع حول السلطة، فكل الذين استولوا على السلطة في الحركة الشعبية باستثناء أقلية من القيادات باشروا الصراع حول السلطة وهذا ما كانوا يريدونه أن تكون لهم سلطة وثروة مفصولة عن الشمال و تصارعوا عليها، لأن ليس لديهم برنامج تنمية أو تحديث أو نهضة، بالتالي الصراع حول السلطة كان منطقياً، كل طرف يرى نفسه أحق بالسلطة من الآخر من دون هدى، وأنا أقول هؤلاء خانوا رؤية الحركة الشعبية المتفق عليها وطوَّرها “جون قرنق”، وكانت تقود لوحدة السودان والسودان الجديد هو ليس الانفصال، لذلك ما حدث يجعلني أتمسَّك أكثر برؤية السودان الجديد.
#الذين فصلوا الجنوب يعتقدون أنه ليس هناك فرق بين السودان الجديد والانفصال؟
الانفصال كان الرؤية البديلة، الخيار كان أما سودان جديد أو انفصال، وهم اختاروا الانفصال وعملوا له وقالوا سيجلب لهم الرخاء والسلام ويوقف الحرب مع الشمال وكانت النتيجة حروب وعدم سلام وبالتجربة اتضح أن الانفصال بما لا يدع مجالاً للشك أنه صيغة فاشلة، ونحن حتى داخل الحركة الشعبية كان عندنا تياران تيار انفصالي وتيار السودان الجديد، والانفصال فشل والسودان الجديد لم يجرب.
لكن عملياً الحركة الشعبية الآن أصبحت بعيدة عن هذا التفكير ما يعني أنه فشل؟
صحيح تم رفع الشعار، لكن لم يجد فرصة للتطبيق حتى نحكم أنه فاشل أو ناجح، لكن تجربة الانفصال وما ترتب عليها من تكوين سلطة في الجنوب قالت إنها تريد الانتصار للمهمَّشين ورفع الفقر وتحرير المهمَّشين من “المندوكرو” طلعت بيش، وبالعكس حالتهم أصبحت أسوأ بكل المعايير، مما كانوا عليه في سلطة “المندوكورو”، فالسودان الجديد هو المشروع الوحيد الممكن تطبيقه .كل المشاريع الأخرى لا يمكن تطبيقها، ليس لأنها غير منطقية أو غير علمية، وإنما لأنها مستحيلة التطبيق، المشروع الحضاري الذي تبنَّته الإنقاذ ثبت بالتجربة بعد 28 سنة مستحيل التطبيق.
كيف فهمت ونظرت إلى الخلاف بين مجموعة “مالك عقار” و”ياسر عرمان” ومجموعة “عبد العزيز الحلو”؟
الخلافات واردة في كل تنظيم وليس بالضرورة أن تقود إلى انقسام بين مجموعتين أو تنشئ حركتين متوازيتين نتيجة لاختلاف في الرأي لكن الحصل هناك خلاف في التقديرات السياسية بين القيادات.
حدِّثنا تفصيلياً عن هذه الخلافات؟
هناك قيادات يبدو أنها لازالت ترى أن نظام المؤتمر الوطني لديه أسباب قوية وكروت ضغط كثيرة، وهناك صعوبة أن لم يكن استحالة في إزالته وبالتالي أفضل طريقة أن يضغط الناس عليه لاحتوائه (نظرية الاحتواء بدل الإزالة والاقتلاع من الجذور).
برأيك ما هي آلية الضغط والاحتواء التي اعتمدتها هذه المجموعة؟
الاحتواء من خلال الضغوط الداخلية والعسكرية والدولية حتى يأتي النظام بخارطة طريق عبر الحوار متفق عليها تسمح ببعض الإصلاحات والتغيًّرات وهذه التغييرات لو الناس متفقين على ديناميكية التغيير أي تغيير يأتي بتغيير، والموضوع يمضي في هذا الاتجاه دون الاعتماد على شعار اقتلاع النظام نهائياً ،حتى يتم خلخلته ويعملوا فيه تغيير بطريقة سلمية ، ووفق التغيير، يأتي نظام ديمقراطي تعددي يسمح للحركة الشعبية بنضال ديمقراطي سلمي من أجل مشروع السودان الجديد، هذه كانت رؤية لكن عملياً تقود لبعض الإشكالات.
فيما تتمثَّل هذه الإشكالات؟
عملياً التفاوض يقود لبعض الإشكالات فأنت عندما تعمل حوار مع النظام لابد أن تصل معه لاتفاق والاتفاق يولد مشاكل .أحد هذه المشاكل يتعلَّق بالمحاربين والعائد بالنسبة لهم حتى تقف الحرب نهائياً وكان المطروح من هذه المجموعة أن يعطوا الحكم الذاتي للمنطقتين وفي تقديرهم أن هذا بمثابة مكسب مناسب على ضوء تعقيد الوضع في السودان والإقليم والعالم، عملاً بمفهوم السياسة فن الممكن.
هل هناك مخاوف أخرى؟
الشيء الثاني أنت إذا وقعت اتفاق سلام ماذا ستفعل في جيشك الشعبي وحسب الرؤية سيكون هناك ترتيبات أمنية وسيدمج في الجيش القومي مع تغييرات ستطرأ على الجيش القومي حتى يصبح قومياً وتغيير في هياكل الدولة. هذه رؤية.
على ماذا اشتملت الرؤية الثانية؟
أصحاب الرؤية الثانية كانوا يرون حاجة مختلفة هناك ناس داخل الحركة الشعبية يتصوَّرن أو يعتقدون أن هذا النظام يمكن هزيمته ،وأن اقتلاعه ليس شيئاً مستحيلاً، فقط الأمر يحتاج لمزيد من الصمود وتعبئة وحشد جبهة واسعة ضده تعمل بكل السبل السلمية والعسكرية والدبلوماسية في سبيل ذهاب النظام ويعتقدون انه لا يوجد مبرر لبقائه، ارتكب أخطاء وتجاربه كانت فاشلة، وهذا يستدعي أن تخلف النظام فترة انتقالية بحكومة ديمقراطية والحركة الشعبية تتفاوض مع النظام الديمقراطي الجديد حتى تكون هناك أساسيات لنظام السودان الجديد والحد الأدنى أن يعترف بالتعددية والمساواة والعدالة ويتم تطبيق بروتوكول المنطقتين الذي ورد في اتفاقية نيفاشا والاتفاقية هي قانون وأي حكومة ملزمة بها وإذا تغيَّرت هذه الحكومة، الحكومة التي تخلفها ملزمة، وكذلك الحركة الشعبية وجنوب كردفان والنيل الأزرق ملزمين بالتنفيذ، لأنها نص قانوني
وبروتوكول يقول إن الشعبين الموجودين في المنطقة تتم مشاورتهم في نوع العلاقة التي يريدونها مع بقية أطراف السودان يعني هم الذين يحدِّدون مصيرهم والحركة الشعبية تحت أي قيادة، “مالك عقار” أو “عبد العزيز الحلو” ، ليس لها حق أن تقرِّر نيابة عن شعب جبال النوبة.
الرؤية الثانية هي رؤية “عبد العزيز الحلو” أليس كذلك؟
نعم، هي رؤية “عبد العزيز الحلو”.