بعد ومسافة
“موسى هلال” و(صوت العرب)!
مصطفى أبو العزائم
إذا أردت الاستدلال على أهمية خبر ما، ومدى اهتمام الناس به فأبحث عن الصحف الصادرة صبيحة اليوم التالي لوقوعه، خاصة إذا ما اتصل هذا الخبر بالأمن الوطني العام وارتبط بشخصٍ ذي شهرة أو مكانة ووزن.. ستبحث عن الصحف ولن تجدها إلا إذا كنت من المبكِّرين، لأن أيادي الناس ستتخطف كل المنتج الصحفي في ذلك الصباح، وهذا ما حدث صبيحة يوم أمس، إذ نفدت تقريباً غالبية الصحف الصادرة بالأمس، خاصة تلك التي اشتهرت بالتغطية الشاملة للأحداث.
معارك (مستريحة) واعتقال الشيخ “موسى هلال” واستشهاد مجموعة خيَّرة من قوات الدعم السريع، تقدَّمها العميد “عبد الرحيم جمعة دقلو” وتسعة من رفاقه الأبرار، لم تكن بالأمر الهيِّن، وقد تناقل الناس من خلال وسائط التواصل الاجتماعي مجموعة من الأخبار الصحيحة والكاذبة مع استغلال البعض لمجموعة من صور لقتلى في معارك لا علاقة لها بما حدث بالأمس، ولا علاقة لها بالسودان حتى، وظلت الحقيقة تائهة بين الرسائل الزائفة والحقيقية، حيث تنشر مجموعة ما، نعياً مؤثراً للشيخ “موسى هلال” فيه تحريض مكشوف على الدولة، ويتناقل الناس منشورات عن أخبار ما أنزل الله بها من سلطان على أرض الواقع، رغم أن هناك بيانات رسمية وأخبار ترد من جهات رسمية ومن ناطقين رسميين، لكن الآن ومثلما كان في السابق فإن آفة الأخبار رواتها و(مؤلفيها) وموظفيها الذين يوظفونها لخدمة أجندة وأغراض سياسية لا علاقة لها بالحقائق أو الواقع.
عموماً الناس يثقون في الصحف، ويسعون لمعرفة الحقائق منها، وهنا تبين وتظهر أهميتها حتى للحكومة التي لا تساعد حتى الآن هذه الصحافة في أن تنطلق نحو آفاق أكثر تأثيراً عبر المزيد من الحريات وإرخاء القيود المفروضة عليها بأكثر من قانون.
كانت أيادي الناس تتخطف الصحف الصادرة صباح أمس، وإدارات التحرير الذكية هي التي توجه بزيادة الطبعة في مثل هذه الأحداث الكبرى، وقد شهدت بلادنا أحداثاً عديدة ضاعفت فيها الصحف مطبوعاتها مثل متابعة مباحثات السلام إلى أن تم التوقيع على اتفاقية السلام الشامل، ثم عودة الراحل “جون قرنق” ثم حادثة وفاته، ثم انفصال جنوب السودان، وغير ذلك من أحداث كبرى تشغل كل المهتمين بالشأن السياسي أو العام.
لم يهتم السودانيون وحدهم بما جرى، وقد تابعت تغطيات بعض الفضائيات العربية والأجنبية للحدث، وقد التزم أكثرها بالبيِّانات الرسمية والصور التي تم نشرها أو بثها حول الوقائع الدامية ونتائجها المحزنة.. وقد تلقيت محادثة هاتفية من إذاعة (صوت العرب).. في القاهرة سألتني المذيعة الفاضلة والتي تعد تقريراً عن هذا الحدث الكبير، سألتني عن تفاصيل ما حدث، وعن توجيهات السيد رئيس الجمهورية المشير “عمر حسن أحمد البشير” الخاصة للأجهزة الرسمية بالاستمرار في العمل لبسط هيبة الدولة في دارفور، على خلفية اعتقال الشيخ “موسى هلال”، فتحدثت عن الاجتماع الأمني الرفيع الذي ترأسه السيد الرئيس بالقصر الجمهوري يوم أمس، وذكرت أنه ناقش أمرين هما: العمل على إنزال توجيهات الرئيس الخاصة ببسط هيبة الدولة إلى الأرض تنفيذاً ومتابعة.. من خلال حملة جمع السلاح في دارفور وولايتَيْ جنوب دارفور والنيل الأزرق، كما ناقش الاجتماع تسريع الخطوات الخاصة بإكمال إستراتيجية خروج اليوناميد.
تحدَّثت حول تفاصيل أحداث منطقة (مستريحة) وعن موقع الشيخ “موسى هلال” من الأحداث، وذكرت أن قوات الدعم السريع والحكومة بصورة عامة وكامل أجهزتها تصرَّفت بحكمة ومسؤولية تحسب لها عندما لم تتعرَّض للشيخ “موسى هلال” أو أيٍ من أفراد أسرته بأذى كان من الممكن أن يزيد نار الخصومات والعداوات أواراً واشتعالاً، على الرغم مما تناقلته الوسائط الإلكترونية من تدخلات لسلاح الطيران أو المدفعية الثقيلة في المعركة.
شعرت أنني أديت واجبي كصحفي يملك قدراً من المعلومات رغم اختلافي مع المواقف الأخيرة للشيخ “موسى هلال” وتهجُّمه غير المبرَّر على السيد نائب رئيس الجمهورية الأستاذ “حسبو محمد عبد الرحمن” بداية تنفيذ حملة جمع السلاح، إذ أن قناعاتي وقناعات كل الحادبين على أمن وسلامة الوطن هي أنه ليس هناك من أحد فوق القانون.
ختاماً أرجو أن أسجِّل صوت شكر للسيد رئيس الجمهورية على موقفه من وضعية الشيخ “موسى هلال” وهو رهن الاعتقال، وصوت شكر لقوات الدعم السريع وقائدها الفريق “حميدتي” على ضبط النفس دون تعامل بردة فعل كان يمكن أن تشعل النار في كل شمال دارفور.. بل وفي كل الإقليم.