تقارير

تفاصيل الاجتماع العاصف بشأن مسببات الانفلات في سعر صرف العملة الأجنبية

فرض عقوبات صارمة على المتعاملين والمضاربين في العملة الأجنبية
الخرطوم ـ رقية أبو شوك
مشهد غريب كان مسرحه سوق النقد الأجنبي بالبلاد مؤخراً، حيث ظل يرتفع بوتيرة سريعة وكأنه يحاول الوصول إلى أعلى الأرقام حتى يضاف إلى قائمة الأرقام العالمية العالية، بدأ بهبوط سعر صرف الدولار إلى (17) جنيهاً فور إعلان رفع العقوبات الاقتصادية عن البلاد، لينعكس الهبوط إلى ارتفاع يومي حتى وصل سعر الصرف (28) جنيهاً، وانخفض مرة أخرى فور الإعلان عن الاجتماع الرئاسى ووصل أمس (21) جنيهاً، الأمر الذي يؤكد أن قرار الصعود والهبوط في أيدي تجار وسماسرة العملة، حتى وصف عدد كبير من الخبراء هذه الحالة بـ(الصدمة النفسية).. نعم، إنها الصدمة النفسية التي تسبب فيها تجار الدولار لأنفسهم.
البنك المركزي يعلن حصوله على تسهيلات وتعاقدات فينخفض الدولار، لكنه ما يلبث أن يرتفع مرة أخرى.. ولولا تدخل الرئاسة لوصل (50) جنيهاً، كما أكد أحد الخبراء، حتى توقع البعض تعويم الجنيه السوداني ليُترك أمر تحديد سعر الدولار لتجاره وسماسرته.. يحددونه حسب أمزجتهم وأهوائهم.
{ قرارات صارمة في اجتماع فوق العادة
أفضى اجتماع برئاسة رئيس الجمهورية ومسؤولي الملف الاقتصادي والعدلي من الوزراء إلى فرض إجراءات صارمة بشأن سعر الصرف الذي تجاوز خلال الفترة الماضية (28) جنيهاً، واتُخذت في الاجتماع الذي التأم، أمس (الاثنين)،  بالقصر الجمهوري برئاسة رئيس الجمهورية المشير “عمر البشير”، بحضور النائب الأول لرئيس الجمهورية رئيس الوزراء القومي الفريق أول ركن “بكري حسن صالح” ووزير المالية والتخطيط الاقتصادي د. “محمد عثمان الركابي” ومدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني الفريق أول “محمد عطا” والنائب العام لجمهورية السودان “عمر أحمد محمد” ومحافظ بنك السودان المركزى “حازم عبد القادر”، اتُخذت قرارات كان أهمهما (سيُعامل كل من يتعامل بالنقد الأجنبي معاملة تمويل الإرهاب وغسيل الأموال وتخريب الاقتصاد الوطني من قبل النيابة).
وأكد النائب العام لجمهورية السودان “عمر أحمد محمد” أن الإجراءات التي اتُخذت، أمس، عاجلة لضبط سعر الصرف وإزالة التشوهات فيه، كما أكد أنه ستُتخذ الإجراءات القانونية في مواجهة المتعاملين بالنقد الأجنبي باعتبار أن هذا السلوك يمثل تخريباً للاقتصاد القومي، لذلك ستعمل النيابات على توجيه تهم تخريب الاقتصاد القومي وغسيل الأموال وتمويل الإرهاب لتجار العملة والسماسرة والمتعاملين فيها بمختلف مستوياتهم، بجانب المشتركين في تهريب الذهب والمتهربين من سداد عائدات الصادر، وأضاف إن هذه الإجراءات ستتخذ فوراً من خلال النيابات العامة والنيابات المتخصصة وكذلك في نيابة مكافحة التهريب.
{ وزير الملية يوضح
وزير المالية والاقتصاد الوطني د. “محمد عثمان الركابي” وصف الاجتماع الذي انعقد أمس بالمهم، خاصة وأنه ناقش الموقف الاقتصادي الماثل، واتخذ عدة قرارات، بعد أن وقف على الموقف كاملاً، من شأنها أن تساهم في الاستقرار الاقتصادي والمالي في القطاع الداخلي والخارجي، كما أنه أجاز عدة سياسات في المدى القصير والمتوسط والطويل، وأضاف: (الاجتماع استعرض بعض الإجراءات في المدى القصير تتمثل في وقف طلب شراء الشركات الحكومية للنقد الأجنبى الآن وتنظيمه عبر البنك المركزي مستقبلاً، وتوجيه التمويل المصرفي نحو مشروعات إنتاجية حقيقية، ومراقبة وتنظيم مشتريات الشركات ذات السيولة العالية من النقد الأجنبي، وتصحيح نظام سعر الصرف المرن المدار والمعالجة بالوسائل كافة لوقف تهريب سلع الصادر والسلع المدعومة لدول الجوار وترشيد السفر الحكومي إلا للضرورة القصوى وربط سفر مسؤولي الشركات والمؤسسات الحكومية بموافقة مجلس الوزراء وتنظيم الاستيراد عن طريق الإجراءات غير الإدارية ووقف تمويل التجارة المحلية مؤقتاً، وتوجيه التمويل للقطاعات الإنتاجية والصادر والصناعات التحويلية وتحديد سقف لتحويل الرصيد حسب ما يتم الاتفاق عليه مع الهيئة القومية للاتصالات).
{ إجراءات قانونية صارمة
وحسب دكتور “الركابي” فإن إجراءات قانونية صارمة ستتخذ للحسم بواسطة النيابات المتخصصة فيما يتعلق بالتعامل بالنقد الأجنبي وتهريب السلع المدعومة، وتهريب الذهب وسلع الصادر، وزاد بالقول: (أيضاً سيقوم بنك السودان المركزي بتنظيم سياسات شراء الذهب بما يضمن انسيابه في الاقتصاد الرسمي ووقف التهريب، وأيضاً وقف شراء السلع الأساسية نقداً على أن تطرح في عطاء عام عبر تسهيلات مصرفية نافذة في مدة سداد لا تقل عن العام). واختتم: (هذه هي أهم السياسات الاقتصادية في المدى القصير التي اتخذها الاجتماع).
محافظ بنك السودان المركزي “حازم عبد القادر” أوضح أن الاجتماع تداول حول الانفلات الأخير لسعر الصرف والوقوف على المسببات وخلص إلى قرارات أهمها بالنسبة للبنك المركزي، اتخاذ سياسات تعزز من قدرة البنك المركزي وتمكينه من موارد النقد الأجنبي وضبط سوق النقد الأجنبي ليتم التعامل بواسطة الجهات المرخص لها من البنك المركزي، وسياسات ترشيدية للاستيراد للسلع غير الضرورية والكمالية مما يخفض الضغط على سوق النقد الأجنبي، وإجراءات أخرى تمكّن البنك من إيقاف الضخ الحالي للسيولة غير الضرورية الموجودة بالجهاز المصرفي وتوجيهها للقطاعات الإنتاجية وكذلك توجيه التمويل المصرفي للقطاعات الإنتاجية حتى لا يتأثر الاقتصاد بشكل عام بسحب السيولة، ومراجعة سياسات شراء وتصدير الذهب بواسطة شركات القطاع الخاص، مؤكداً أن هذه السياسة بدأ فيها البنك المركزي منذ أبريل الماضي. 
وفي ذات الاتجاه، أكد “حازم” أنه سيتم تفعيل كل القوانين الخاصة بتنظيم التعامل بالنقد الأجنبي وتنظيم العمل المصرفي وذلك لإحكام التعاملات المصرفية فيما يتعلق بالاستيراد والتصدير.. أيضاً ستكون هنالك إجراءات مشددة جداً على المصدرين الذين لا يستعيدون حصائل الصادر إلى داخل البلاد، مشيراً إلى أنها إجراءات غير الإجراءات المصرفية التي كانت تتم سواء أكانت حظرهم من التعامل مع الجهاز المصرفي أو إيقافهم من التصدير، وقال: (ستكون هنالك عقوبات إضافية سيعلن عنها البنك المركزي خلال هذا الأسبوع)، وأضاف: (ستتعاون الوزارات والجهات الأخرى لإنفاذ هذه القرارات اعتباراً من اليوم الثلاثاء).
{ ترحيب بالقرارات
في السياق، رحب رئيس اللجنة الاقتصادية بالبرلمان الأسبق دكتور “بابكر محمد توم” بالإجراءات الاقتصادية التي اتُخذت أمس لضبط سعر الصرف، مشيراً في حديثه لـ(المجهر) إلى ضرورة تفعيل القوانين مع مزيد من الضوابط وتنظيم العمالة الأجنبية التي تعمل في مجالات كثيرة، وفي المقابل (تقوم) بتحويل رواتبهم بالعملة الحرة إلى بلادهم، لافتاً إلى أن معظمهم يعمل في مهن هامشية (كعمال المنازل والنظافة وعمال اليومية وبائعات الشاي وعمال البُلكات والمطاعم)، وقال إن هؤلاء العمالة أدوا إلى خلق البطالة بالبلاد، ودعا إلى الرقابة الصارمة على القطاع الأجنبي بالإضافة إلى وضع الأيدي على الذين يستأجرون سجلات المصدرين، وقال: (هؤلاء لابد أن يطالهم القانون).
وطالب “التوم” بضرورة ضبط الاستيراد وتحديد الأولويات ومحاربة تجار الشنطة مع ضبط الاستيراد.. فالدولة نفسها يجب أن توقف الاستيراد وتعتمد على المحلي حتى في شراء السيارات (ضرورة الاعتماد على جياد)، وأن يكون الاستيراد عبر المصارف لأنها هي التي تقدم الضمان للمستورد، ودعا أيضاً إلى ضرورة تنظيم صادر الذهب وتفعيل اتفاقية قسمة الإنتاج التي كان معمولاً بها مع شركات النفط.
وقال وهو يختتم حديثه: (لابد من تطبيق هذه الضوابط وتنفيذها ومتابعتها وتقييمها).
إلى ذلك، تشير (المجهر) إلى السياسات التي كان قد اتخذها بنك السودان المركزي فيما يخص الشركات العاملة في مجال شراء وتصدير الذهب، حيث تم إلغاء ترخيص ثماني شركات وذلك على خلفية المضاربات التي تمت في سوق النقد الأجنبي خلال الأسبوع الماضي. كما نشير إلى أن عدد الشركات التي كانت تعمل في مجال الذهب (14) شركة، ثلاث منها انسحبت وثماني ألغيت تراخيصها وتبقت فقط ثلاث شركات تعمل في هذا المجال الآن.
كما تشير (المجهر) أيضاً إلى قرار المركزي أول أمس (الأحد) بفرض غرامات على بعض البنوك وتنفيذ عقوبات إدارية على عدد من العملين بالجهاز المصرفي، الأمر الذي يؤكد المضاربات التي تتم فى سوق النقد الأجنبي.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية