بعد..ومسافة
الموجه (60)..!
مصطفى أبو العزائم
فليأذن لي الأستاذ “نجيب نور الدين” أن أستعير اسم برنامجه الذي كان يقدمه في الإذاعة السودانية، وهو (الموجة 60) خاصة وأننا نريد تخصيص هذه المادة عن شأن يرتبط بالإذاعة وكل الوسائط الإعلامية الحكومية.. ونبدأ بمحاولة الإجابة عن سؤال طرحه علينا أحد أبنائنا من الدارسين في إحدى كليات الإعلام بالجامعات السودانية ضمن استبيان حول أثر الإذاعة في عكس قضايا الشباب، وتأثيرها على هذا القطاع الحيوي الكبير، وقد كانت إجابتي عن ذلك بأن الشباب الآن ربما لا يجدون أنفسهم في الوسائط الرسمية من إذاعة وتلفزيون، وربما كان التلفزيون أفضل حالاً على اعتبار أن الإرسال التلفزيوني أرضي ويغطي كل أنحاء البلاد، بل ويتجاوزها بالوصول إلى بعض دول الجوار، وقطعاً فإن سحر الصورة والصوت والحركة معاً أقوى من سحر الصوت وحده.. مع الإشارة إلى أن أحد الاستبيانات الرسمية أشار إلى أن تلفزيون السودان هو الأعلى مشاهدة من بين كل الفضائيات السودانية الرسمية أو الخاصة، لأنه متاح دون تعقيدات تقضي باستخدام الأطباق الفضائية لتلقي إرساله، بينما بقية الفضائيات أو أكثرها يحتاج إلى تلك الأطباق، وهو أمر لا يتوفر لغالبية المواطنين خاصة في أطراف المدن والأرياف.
نعود لموضوع الإذاعة.. فقد ذكرت للابن الذي سألني عن أثرها وتأثيرها على الشباب، ذكرت له بأن الشباب الآن ينصرفون إلى إذاعات الـ(FM) ويتابعونها خارج منازلهم من خلال الاستماع عبر أجهزة الهواتف المحمولة، وهي للعلم أكثر من (20) إذاعة (FM) والعدد في تزايد مستمر، وهناك إذاعات لم تبدأ بثها بعد.. والسبب في انصراف الشباب إلى تلك الإذاعات دون الإذاعات الرسمية هو أن تلك الإذاعات الخاصة تبث ما يطربون له من أغانٍ لمطربين شباب، وتناقش قضاياهم بصراحة ووضوح، وتهتم بالبرامج التفاعلية خاصة في ما يتصل بهموم الناس والشباب، ثم أنها تستضيف نجوم الطرب الذين لا مكان لهم في الإذاعات الرسمية، خاصة إذا علمنا أن الإذاعة السودانية أوقفت منذ أكثر من عشرين عاماً التسجيل الرسمي لأغاني المطربين قدامى وجدد، حتى أن أصغر مطرب رسمي في الإذاعة الآن لا يقل عمره عن الستين!
هل وضحت الصورة الآن وفُسّر العنوان أعلاه– الموجة (60) -نفسه؟ أعتقد ذلك!!
نحن نطرب للكبار والقدامى والرواد.. ونطرب لما طرب له آباؤنا وكل أبناء الأجيال السابقة التي تأثرت كثيراً بما تبثه الإذاعة السودانية كوسيلة وحيدة في الساحة لعقود بعد تأسيسها أوائل أربعينيات القرن الماضي، إلى أن ظهر البث التلفزيوني في النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي، وكان محدود الانتشار حتى منتصف السبعينيات من ذات القرن، ليكون له أثر كبير وعظيم، وكان هو الوسيلة الأكثر والأعظم تأثيراً مع غياب منافسين آخرين، ولم يكن البث الفضائي الخارجي قد تنزّل إلى كثير من دول العالم ومن بينها السودان، حتى بدأت ثورة الاتصالات وظهور الأقمار الاصطناعية التي جعلت أمر المنافسة صعباً إلا في حالة التميز والتجويد.. وهكذا هو حال الدنيا.. فالبقاء فيها للأصلح والأقوى.
الشباب الآن لا يجدون أنفسهم في ما تقدمه الإذاعة، ولا يستمعون إلى غنائهم الذي يعبر عنهم وعن جيلهم، ثم إن القائمين بأمر البرمجة والبث لا زالوا – وهم مضطرون لذلك – يقدمون الأغاني القديمة التي نصفها بالخالدة والجيدة، لكنها ليست كذلك بالنسبة لشباب اليوم، فهي لا تعبر عنهم ولا عن احتياجاتهم النفسية والعاطفية، ويسميها عدد كبير منا نحن (الكبار) أو يصفونها بأنها أغانٍ هابطة، وهي ليست كذلك، وهي تعبر عن جيل جديد رضينا أم أبينا، وستسيطر هي في آخر الأمر، فقد حدث هذا من قبل عندما رفضت الأجيال القديمة الغناء (من أساسه)، ثم ظهرت المدرسة الأولى أو ما يعرف بالحقيبة، ثم المدرسة الوترية الحديثة وقد ظهرت قبلها أغاني (التم تم) التي ووجِهت بحرب شعواء لكنها ثبتت وأصبحت جزءاً من تاريخ الغناء السوداني.
ندعو لفتح الأبواب والنوافذ أمام الشباب ليعبروا عن أنفسهم وزمانهم.