ربع مقال
بين النيل والمسيسبي.!
خالد حسن لقمان
.. أحد الإخوة القراء قال لي لماذا أصبحت خلال الفترة الأخيرة تَرى الشوك في الورود وتعمى أن تَرى فوقها الندى أكليلا، وقارئي هذا رماني بأبلغ معنى حوته قصيدة كن جميلاً لـ”إيليا أبو ماضي” ذاك الشاعر المهجري الشهير الذي خرج من قريته بلبنان لمصر وهو ابن العشر سنوات، ومنها لأمريكا التي وهبته كل تجربته الحياتية بتفاصيلها وبفلسفتها التي صبها إنتاجاً غزيراً في ديوانه الجداول في عشرينات القرن الماضي، ليلحقه بـ”الخمائل” في الأربعينات، بينما صدر “تبر وتراب” ديوانه الأشهر بعد وفاته في الخمسينات وقصيدته هذه مفعمة بالتفاؤل لدرجة أنها وضعت كبوابة للخيال العربي إذا ما هزته نشوة أو غمرته فرحة .. يقول “إيليا” :
أيهـا الشاكي ومـا بك داء
كيف تغدو إذا غـدوت عليـلا
إن شـر الجناة في الأرض نفـس
تتوقى قبـل الرحيـل الرحيـلا
وتـرى الشوك في الورود وتعمى
أن تـرى فـوقها الندى إكليـلا
هـــو عبء على الحياة ثقيـل
مـن يظـن الحيـاة عبئاً ثقيـلا
والــذي نفسـه بغيـر جمـال
لا يرى في الحــياة شيئاً جميـلا
فتمتّـعْ بالصُّبحِ مــا دُمتَ فيهِ
لا تخفْ أنْ يـزولَ حتّى يـزولا
أيهـذا الشـاكي ومـا بك داء
كن جميـلا تــر الوجود جميـلا
.. عافاك الله وغفر لك يا “إيليا” والله لا أدري أكنت ستلهم ما قلت هنا لو كنت بيننا وعلمت أن بعضهم صدق وأقام أكثر من أربعين مصنعاً لمياه الشرب النقية ثم اكتشف بعد سنوات وسنوات أن ما أنتجه وشربه الناس بأموالهم لم يكن ماءً نقياً .. ويا قارئي الكريم دع “إيليا” في حاله، فهذا رجل احتضنته حضارة زاهرة وهبته السعادة والحبور وسقته ماء الورد و المسيسبي.