حوارات

نائب رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الإرهاب العميد "معاوية مدني" في حوار استثنائي

دوائر في واشنطن ترى أن وجود السودان في قائمة الإرهاب يضر بالمصالح الأمريكية ولكن…!!
نتلقى طلبات بتسليم إرهابيين.. وهذا ما نتبعه في تسليم المطلوبين دولياً
نجحنا بنسبة (80%) في المعالجات الفكرية للتطرف ودول غربية استعانت بنا
السودان قَبِل تدريب دعاة بالدول الغربية على معالجة قضايا التطرف
حوار- (smc)
تطورات ونقلة نوعية شهدها عمل الهيئة الوطنية لمكافحة الإرهاب منذ بدأت أعمالها عام 2003، حيث اتسعت عضويتها لتشمل ممثلين لمؤسسات ووزارات مختلفة.. وتقوم السياسات والخطط الوطنية لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف على انتهاج الوسطية والفكر المعتدل، وهي السياسة التي يقوم عليها السودان كله، لذلك جاء موضوع المعالجات الفكرية تعزيزاً لهذا المفهوم.
(المركز السوداني للخدمات الصحفية) التقى العميد “معاوية مدني أحمد” نائب رئيس الهيئة لمعرفة الرؤية التي تمارس من خلالها الهيئة عملها والدور الذي تضطلع به لحماية المجتمع، إلى جانب التعاون الوطني والإقليمي والدولي في مكافحة ظواهر الإرهاب بأشكالها كافة نظراً لتهديدها الأمن القومي السوداني وتشكل خطراً على السلم والأمن الدوليين.
{ بداية.. ما هو تقييمكم لتجربة المعالجات الفكرية لمعالجة التطرف؟
_ منهج المعالجات الفكرية بدأ منذ 2008 وأستطيع القول إنه نجح بنسبة تجاوزت (80%).. ونحن أساساً مقتنعون أن هناك حاجة لمعالجة الظروف التي تؤدي للإرهاب، وقد بدأنا الأمر بدراسة واستبيان بالتعاون مع (UNDP)، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، شاركت فيه الجهات المختصة لمعرفة الأسباب التي تدفع هؤلاء الأشخاص للانضمام للتنظيمات الإرهابية.
 استعنا في هذه الدراسة بخبراء من أمريكا وبريطانيا وروسيا، وتمت بمنتهى الشفافية وأشاد بها الأمين العام للأمم المتحدة وقال عنها إنها عمل غير مسبوق ولا زال صدى ذلك كبيراً.. إلى جانب إنتاج فيلم قصير (إيمان) لتوعية أصحاب المصلحة بخطورة هذه القضية في السودان. هذا الفيلم أحدث ضجة بالخارج وقالوا إنه يستحق مكافأة.
{ حدثنا باختصار عن التجربة.. وهل تعني إجراء غسيل لأدمغة المتطرفين؟
_ المنهج يتم تطبيقه على عدة مراحل، على رأسها التحليل النفسي للموقوف، واكتشاف وتحليل أفكاره ومعتقداته، ثم تأتي مرحلة الحوار بين المختصين والموقوف.
المراجعات ليست غسيل أدمغة بل هي أقرب لجلسة نقاش، حيث تتم مقارعة الحجة بالحجة، ويقوم مجمع الفقه الإسلامي بتحديد الذين يقومون بالحوار من العلماء المؤهلين. في هذا الفترة تتم معرفة وتصحيح الأفكار الخاطئة.. وهذه المرحلة قد تأخذ فترة طويلة.. هناك من يصل لقناعات مبكرة وهناك من يتمسك برأيه.
{ ما هو دوركم بعد ذلك تجاه الذين يتراجعون ويعودون للصواب؟
_ بعد وصول المُحاوَر لقناعات ذاتية وإدراكه أنه كان على خطأ يستكتب تعهداً بعدم المضي في مثل هذه المسائل.. بعدها يُطلق سراحه ويكون خاضعاً للمتابعة. ثم تأتي مرحلة التأهيل سواء نفسي أو عام، لأنه كان في مرحلة انحراف نفسي وعاد للوسطية وذلك قبل أن يتم الإدماج في المجتمع، حتى يصل لمرحلة فك الارتباط بالتطرف.
وهنا أشير إلى أن معظم الذين كانوا عرضة للاستقطاب تتراوح أعمارهم من (15- 35) سنة، ومنهم من ترك الدراسة منذ المرحلة الثانوية ولم يكملها.
{ لا شك أنهم خسروا الكثير في مثل هذه السن.. هل يتم الوقوف معهم ومساعدتهم؟
_ مرحلة التأهيل والإدماج في المجتمع تتطلب التعاون مع مؤسسات مثل التعليم العالي لتتم إعانة الذين تركوا الدراسة للمواصلة في التعليم، والتمويل الأصغر يعطي أموالاً للذين فقدوا مصدر رزقهم ليواصلوا عملهم، كما أن صندوق العفاف يمكنهم من الزواج.
{ أثارت ظاهرة التحاق عدد من الشباب خاصة الجامعيين بـ(داعش) قلقاً كبيراً.. كيف يمكن أن تفسر الأمر؟
_ نجد أن أغلب الشباب الذين سافروا للالتحاق بـ(داعش) جاءوا من بيئات غربية. إحدى دراساتنا أشارت إلى أن هؤلاء الشباب ينعزلون اجتماعياً عندما يأتون للسودان، وهذا يجعلهم عرضة للاستقطاب بأحاديث ضعيفة وفتاوى يعتقدون أنها صحيحة لأن مستوى تدينهم عادي.
العالم الافتراضي جعل طرق التجنيد تختلف، ولم تعد بطريقة مباشرة.. كثير منهم استقطابهم تم بالتواصل من داخل غرفته مع شخص في الخارج يرسل له كتاباً أو فتوى ليؤثر عليه.
{ علمنا أن لديكم برنامجاً لتحصين المجتمع.. هل يمكن أن تحدثنا عنه؟
_ نعم.. برنامج التحصين وحماية المجتمع يهدف لحماية المجتمع من مخاطر التطرف العنيف، وهو دور لا يتوقف على الدولة فقط، فالمساجد لها دور ورسالة في الخطاب الديني المعتدل، وكذلك الأسرة والدور التعليمية ووسائل الإعلام.. فتضافر هذه الجهود يجعل المجتمع معافى. 
{ منهج المعالجات الفكرية هل يمكن القول إنه تجربة تصلح أن تحتذي بها الدول الأخرى؟
_ هناك ممثلون للمجتمع الدولي والدول الغربية زارونا ووقفوا على تجربة السودان وأشادوا بها، بل إنهم بدأوا يستفيدون منها بتطبيقها عندهم.. جاءنا الكثيرون من مؤسسات رسمية ومنظمات مجتمع دولي وإعلاميون ووقفوا على تجربتنا وسمعوا منا الكثير وعكسوا ذلك للخارج.
{ هل هناك دول أو جهات بعينها استطاعت أن تنقل هذه التجربة؟
_ عندما نعكس هذه التجربة بمنهجها وتفاصيلها التي تحدثت عنها، يأتينا كثيرون من دول الغرب ويشكون من عدم وجود متخصصين في المحاورة.. قلنا لهم إننا مستعدون لتدريب أكبر عدد من رجال الدين الإسلامي الذين يحملون جنسيات دول غربية وهم بدورهم سينشئون مراكز مثل التي لدينا، وبالفعل ربطناهم مع المراكز في السودان.
أيضاً لدينا شراكة مع “برنامج الأمم المتحدة الإنمائي”، هم دخلوا معنا في هذا البرامج ووقعوا معنا مذكرة تفاهم وتواصلوا مع الأمم المتحدة ودول في إطار إنشاء شركاء أصيلين، وقالوا إن أي اتهام للسودان هو اتهام لنا.
{ هل طبيعة المجتمع السوداني نفسه لها دور في نجاح التجربة برأيك؟
_ بالتأكيد.. فنحن مجتمع متسامح. وإذا أردنا عمل مقارنة إحصائية بالجرائم الإرهابية التي تُرتكب في السودان مقارنة ببقية الدول فنجد أن البون كبير.
{ هل يعني ذلك كله أن نظرة المجتمع الدولي تجاهنا قد تغيرت؟
_ هناك تصنيف دولي وضع السودان وضع في الـ(At risk)، فرغم أننا محاطون ببؤر ومناطق التهاب إلا أن تصنيفنا دون مرحلة الخطر.
{ هل هناك تعاون مع المجتمع الإقليمي والدولي يشمل تبادل المعلومات؟
_ الصكوك الدولية التي وقع عليها السودان تلزم بأن يكون هناك تعاون، فالإرهاب ليس قضية وطنية، مثلاً إذا هناك سوداني أو أجنبي يشكل خطراً إقليمياً وقام بفعل في دولة ما وذهب لدولة أخرى، فالمطلوب التعاون بتسليمه أو توفير معلومات عنه. المطلوب تضافر كل الجهود الإقليمية والدولية وإلا تكون الدولة نشاز وغير متعاونة. ونحن لا نفعل ذلك إرضاء لدولة بل ابتغاء حماية مصالحنا وأمننا القومي.
{ هناك حديث عن أن السودان قام بتسليم مطلوبين لدولهم.. ما هو الإطار المنظم لهذه المسألة؟
_ هناك قواعد إجراءات.. في إطار تبادل المجرمين صدر قرار دولي يلزم جميع الدول في حالة وجود شخص مدان في أي جرائم تتعلق بالإرهاب أو غسل الأموال فإن الدولة تسلمه أو تكون غير متعاونة في هذا الجانب.
{ هل تتلقون طلبات لتسليم إرهابيين؟
_ نتلقى طلبات من دول، بعد ذلك المسألة تخضع لاعتبارات، قد تكون الدولة لديها مجرد معلومات بأن هذا الشخص موجود في دولة ما، وإذا كان موجوداً تُتبع الإجراءات الأمنية والشرطية، وبعد ذلك يتم إتباع الإجراءات المعروفة في التسليم.
الانفتاح الكبير والتعاون جعل السودان يلقي القبض ويسلم قيادات من (داعش)، بعضهم عمل تفجيرات في أوروبا، وذلك بعد أن حيروا العالم الذي بذل جهداً مضنياً للقبض عليهم.
{ هل يشمل ذلك المطلوبين في قضايا مثل الاتجار بالبشر؟
_ نحن نتحدث عن الإرهاب بأشكاله وأنواعه كافة ومن صوره الاتجار بالبشر والسلاح والمخدرات، لأن هناك علاقة بين الإرهاب والجريمة المنظمة.
{ في جانب آخر.. ما هي الجهود المبذولة لمكافحة تمويل الإرهاب؟
_ في هذا المستوى السودان ضمن عضويته في منظمة الـ”مينافاتف” (FATF) وهي مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتضم المجموعة (19) دولة عربية وتعنى بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
في العام 2012 جاءت بعثة تقييم دولية كان مرجعياتها الـ(فاتف) وكانت لديهم (40) توصية ووجدوا التنفيذ جزئياً، لكن السودان حسّن صورته، وصدرت عدة قوانين وقرارات وإنشاء الهيئة الفنية لتنفيذ قرار مجلس الأمن والهيئة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.. الخ.
{ كل هذه الجهود هل أثرت إيجاباً على التصنيف؟
_ بالطبع.. جاءت المجموعة نفسها في 2015 للتقييم ومعرفة مدى الالتزام الفني وجلسوا مع الجهات الفنية ووجدوا مستوى التنفيذ عالياً. وصدر قرار في باريس وتمت إزالة السودان من القائمة الرمادية، وأصبح في وضعه الطبيعي بفضل الالتزام بالمطلوبات الدولية، بل إن ترتيبنا أصبح متقدماً في الـ(فاتف) مقارنة بالدول التي ما زال عليها رقابة مشددة، فقط مطلوب منا تقرير كل سنتين بمستوى التقدم المحرز.
{ رغم الجهود التي ذكرتها إلا أن هناك منظمات وجهات تحاول الربط بين السودان والإرهاب؟
_ الآليات الدولية والإقليمية الآن تتعاون مع الدول بشكل مباشر، وإذا صنفت أي دولة بأنها غير متعاونة فالتقارير ترفع بطرق ملتوية من المنظمات العاملة في هذه المجال. هذه الملفات معنية بها المنظمات الأممية، وهناك لجنة العقوبات التي تتبع لمجلس الأمن الدولي.
{ كيف تنظر لبقاء السودان في القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب؟
_ هذه القضية سياسية في المقام الأول.. حتى التقارير الصادرة من وكالة المخابرات الأمريكية تؤكد وجود تعاون كبير مع السودان.. وهناك دوائر كثيرة في واشنطن ترى أنه لا شيء يجعل السودان في هذه القائمة، بل إن ذلك قد يضر بجهود المكافحة والمصالح الأمريكية.. وأفتكر أن رفع اسم السودان مسألة وقت.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية