رأي

(أم مغت) المدلول وسر التسمية

عز الدين عمر مصطفى

بزاوية أرض المَحنَّة لناشرها الابن “عصام أحمد قسم السيد” والتي صدرت في صباح: 2/8/2017م بالصفحة التاسعة من صحيفة: (الدار) الغراء، والتي جاء فيها وتحت عنوان: (أرض المَحنَّة داخل قرية أم مغد) وبالبنط العريض “عبد النور” يقول: القرية عمرها مائة عام ويقطنها قبائل الجعليين والكواهلة والرحماب وإن تسميتها تعني (المقد واللقد).
وقبل أن أعطي القارئ العزيز نبذة مختصرة عن ما يدور في أذهان العامة، من خلط وتشويه لمدلول التسمية، وقبل أن أعلق على كل سطر وارد في إفادات ابننا الكريم “عبد النور حسب الرسول” والتي أدلى بها لمحرر الزاوية، بتلك الصحيفة المحترمة، فينبغي أن أشير إلى أن هنالك العديد من الأفراد والجماعات ممن يخلطون جهلاً في نطق الاسم لتلك القرية، وأود أن أقول إن عالماً من علماء بلادي العظيمة وهو البروفيسور “قاسم بدري” عميد كلية الأحفاد الجامعية، قد علق وقبل أعوام ماضيات وفي شهر من شهور رمضان المكرم، وتعليقاً على زيارة الأخ العظيم والإعلامي الكريم الأستاذ “قباني” ذاكراً بأن أم مقد هي صناعة ظهرت للوجود بعد قيام مشروع الجزيرة! ولقد تصديت لتلك الفرية، وفي مقال نشر على صفحات جريدة “آخر لحظة”.
وفي العام 2015م ومن إذاعة “الخضراء” كوسيط من وسائط الإعلام المسموع، فقد طالب الإعلامي والمذيع في برنامجه التوثيقي لأسماء المدن والقرى السودانية، ومناشداً المستمع الكريم للتعريف عن سبب تسميات بعض القرى ومن ضمنها (قرية أم مغت)، عن الموقع الجغرافي والمكون السكاني وسبل كسب العيش فيها، فكانت إجابتي وردودي عبر التلفون، فكانت في ظني إجابات كافية ووافية، ورجعاً لما جاء بجريدة (الدار) وتعقيباً على ابننا المحترم “عبد النور حسب الرسول” فقد أودعت ردودي بتاريخ: 9/8/2017م ذاكراً بأن ابننا “عبد النور” لهو ناشط من نشطاء القرية، وهو مشجع متحمس لفريق المريخ الرياضي، ولكن كانت ردوده فيما يتعلق بقرية (أم مغت) غير سليمة ومشوشة في المعاني والمرتكزات الأساسية.
وأنا أقول إن تسمية قريتنا تقول إنها (أم مغت) وليست أم مقد ولا أم غد، كما أن التسمية لا تعني أم مقد ولا تعني المقد أو اللقد، بأية حال من الأحوال، لأن “المغت”، هو نبتة من فصيلة الشعير والشيلم والشوفان، وهو نبات شتوي و”حولي” ينمو ويتكاثر بُعيد موسم الفيضانات للنيل الأزرق والذي يحادد (أم مغت) من جهتي الشرق والشمال، وكانت تلك النبتة سائدة على أراضي الجروف وأراضي (المقى والنباري واليقرات والسواقي)، وبطول وعرض غابة (أم مغت) الكثيفة الأشجار والغزيرة الحشائش وقبل أن يقوم الإنسان بقطع أشجارها من خمسينيات القرن المنصرم، لتقوم الزراعة النيلية والتي تدار بالطلمبات، مما قاد لتعرية التربة وانجرافها.
و(أم مغت) يؤرخ لتواجدها الحضري والريفي قبل انبثاق (سلطنة العنج) وسيادتها على تلك المنطقة المحصنة بالنيل الأزرق، والتي تمتاز بخصوبة تربتها ورقعتها الزراعية الواسعة، والتي جعلت من القرية سكناً مستقراً للفلاحة الزراعية وتربية الحيوان، وهي ذات موقع جغرافي متفرد ووضع ديمقرافي متميز.
واقول إن الزعيم (عبد الله جماع) زعيم قبيلة القواسمة قد تصاهر مع ملك العنج فتزوج السلطانة “أم كجيل” ابنة سلطان العنج.
وبعد تلاشي سلطنة الفونج، الوثنية وانهيار مملكة قري وانحسار مملكة علوة المسيحية، جاءت أولى الممالك الإسلامية بفضل تحالف الزعيم “عمارة دنقس” مع شيخ القواسمة “عبد الله جماع” فقامت تبعاً لهذا مملكة الفونج، وعاصمتها سنار في العام 1405م فانتشرت الدعوة للمقعد الإسلامي، فقامت المسائد، والخلاوى والمساجد، فكانت (أم مغت) هي من بواكير القرى التي قامت فيها حركة الدعوة لانتشار رسالة الإسلام وكان أجدادنا (الكواهلة القريناب)، هم رواد التعليم الديني وإيقاد نيران لتحفيظ القرآن الكريم، ولم يسبقها من قرى الجزيرة غير خلاوى سنار العاصمة، وخلاوى الشيخ ود مدني السُني بمدني أو خلاوى أربجي.
فجاءت مرحلة الدعوة المهدوية بقيادة الإمام البطل “محمد أحمد المهدي”، في العام 1882م والتي قضت على حكم الأتراك المستبد والذي جثم على صدر بلادنا قرابة الستين عاماً منذ 1821م فكان أهل (أم مغت) هم من أوائل المبادرين للانضمام لجيش المهدي العظيم، لمقاومة الاستبداد التركي الباطش.
وهذا يعني بالضرورة بأن (أم مغت) المستقرة قد يؤرخ لها من قبل قيام سلطنة العنج ومروراً بالسلطنة الزرقاء، وحتى مجئ ثورة المهدي الإمام من العام 1882م فكانت قريتنا بقيادة الفكي “المضوي أبو قرين” والشيخ “عبد الفتاح الكبير” وأتباعها هم من فرسان (جردة) “العبيد ود بدر” والتي حاصرت الخرطوم من الناحية الشرقية الشئ الذي ادى لعملية فتح الخرطوم، وهذا يعني بأن (أم مغت) قديمة قدم التاريخ، وإن عمرها ليس مائة عام، كما ذكر الابن “عبد النور” لمندوب صحيفة “الدار” علماً بأن قائد الثورة المهدية قد تزوج جدتنا “السعدية ابنة الشيخ عبد الفتاح” وهي شقيقة جدتنا “أم قزاز” زوجة جدنا الشيخ “محمد علي” راجل القطر، وهي حبوبة والدتي لأمها..
و(أم مغت) كقرية إستراتيجية الموقع وقديمة قدم الزمان، إنما جاءتها معظم فروع القبائل والتي تمتهن مهنة الزراعة، وإن أهلها الأقدمون من القبائل العربية وهم من الجعليين العوضية، وجاءها أهلنا المحس ثم الكواهلة، وأولاد “مسمار” ومنهم أولاد شيخنا الأكبر “الكباشي”، وسكنها أبناء عمتنا من قبيلة الرحماب، كما أقام بها فرع من قبيلة الدباسين، والفادنية، ولكن كل هذا الشتات من القبائل المتنافرة والمتعددة إنما انصهرت في قالب وحدوي متماسك ومتجانس وخالي من القبلية، فصار مجتمع (أم مغت) مجتمعاً حضارياً ومتفاعلاً اجتماعياً ويضرب به المثل المتفرد من التكاتف والتآخي ويشتهر أهلها بالكرم الفياض، وإن القرية تدفن موتاها بمقابر الشيخ “أبو قرين”، والتي تقع شرق قرية “أم مرام” أو ما تسمى “بالغابة”، و(أم مغت) قرية مسكونة بتعظيم شعر الحماس والفخر والتراث الشعبي، حيث ظلت بنات العمدة “بابكر ود ضحوي” عمدة جعليي الجزيرة، وهن: “النور بت بابكر” والدة والدنا المرحوم “عمر مصطفى” وخالاته “المقيل” و”زينب” وابنة أخيهن “عبد المجيد ود بابكر”: (عائشة) وهن أعظم من قال الشعر في (الشكر والحماسة والمناحة، وتمجيد وتعظيم دور الفروسية)، وهؤلاء الجدات العظيمات، إنما يلهبن حماسة الشعب السوداني، منذ عهود ماضيات وحتى ليالي الأفراح والاحتفالات وعلى طول قرى ومدن سوداننا لا تخلو من أغاني (الباسل بابكر) وأنا ليهم بجر كلام .. دخلوها وصقيرها حام.. واركزوا زينب وراكم.. وأغاني وأغاني خالدات تغنى بها فنان السودان المغفور له “خلف الله حمد بدر” واقول في الختام بأن كلمات حبوباتي (النور، وزينب والمقيل وعائشة) لهن شعر رصين وبليغ السبك ويمتازن على كل شاعرات بلادي وعلى شاعرات العرب “كالخنساء”، في رثاء شقيقها “صخر” وإن كلماتها تتضاءل وتتقاصر دون كلمات بنات “بابكر” في المناحة والوصف التصويري المحكم، وما يميز أشعار بنات “ضحوي” لهو شعر تعرفه إحدى الشاعرات على أخواتها فيتقاسمن نسج القصيدة نسجاً محكماً جزلاً وعظيماً وفي معظم الأحوال يشتركن في تكملة القصيدة الواحدة.
أتمنى أن يكون في هذه الأسطر تبياناً لمدلول تسمية قرية (أم مغت)..
 وللقراء الأعزاء فائق شكري ومحبتي.
وآمل أن يرجع الراغبون للقاموس العربي لمعرفة معنى (المغت)..
كما وارجو من الأخوان “أحمد وعبد الوهاب وحافظ” لكتابة قرية (أم مغت) في مداخل ومخارج القرية، وبلافتات بمواقع محطات وقود (اجب وموبيل أويل) و(_كالتكس) لفائدة المواطن والعابرين على طريق مدني – الخرطوم ولكم معزتي وفائق الإعزاز.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية