بعد ومسافة
عودة حليمة الأمريكية إلى قديمها السوداني!
مصطفى أبوالعزائم
مثلما هو متوقع في مثل هذه الحالات، لم يصمد السيد الأخضر– الدولار- كثيراً في موقعه المتأخر الجديد الذي تراجع إليه بعد فك الحصار الأمريكي على السودان وحكومة السودان، وسبق لصاحبكم أن تنبأ بهذا الأمر في برنامج “صباح الشروق” بفضائية الشروق يوم (الأحد)– بشهادة كل الذين تابعوا الحلقة والحديث- وقد ذكرت نصاً وتعليقاً على خبر يقول بانخفاض سعر الدولار أمام الجنيه السوداني مع توقعات للبعض بأن سعر الدولار سيتهاوى إلى ما دون ما وصل إليه ولا يتجاوز السعر الرسمي المحدد من قبل بنك السوداني.. وقد ذكرت أن السعر الحالي للدولار هو سعر غير حقيقي، وأن حالة من الرعب أدت إلى أن ينخفض قليلاً، لكن توقعاتي الشخصية تشير إلى أن سعر الدولار سيثبت عند آخر سعر وصله قبل الثاني عشر من يوليو الماضي، وهو تاريخ صدور قرار الرئيس الأمريكي “دونالد ترمب” بتأجيل رفع العقوبات عن السودان إلى الثاني عشر من أكتوبر 2017م، وذكرت أن ذلك السعر هو السعر الحقيقي للدولار الذي حوله تجارنا (الأشاوس) وموردونا (الأبطال) إلى سلعة وحكومتنا الرشيدة تتفرج، وإن صعب عليها أمر التعاملات المالية، وضاقت عليها جداول الميزانيات والموازنات، أدخلت يدها– بكل جرأة- في جيوب المواطنين والمستثمرين والبسطاء لتأخذ ما فيها تارة باسم الضرائب وآخرين باسم الزكاة وتارات وتارات باسم الرسوم- محلية وولائية واتحادية– ومرات باسم الصادر مما أفقدنا هذا العام موسم الهدي لصالح دول أخرى مثل جيبوتي وإثيوبيا وغيرهما، والسبب كما يقول المصدرون أن حكومتنا السنية فرضت رسوماً تبلغ خمسين دولاراً على الرأس!.. فتأمل.
بالأمس توقفت أمام مجموعة من الشباب الذين يعملون في بيع وشراء العملة في الشارع والذين يفردون أمام السابلة والمشاة والراكبين الأوراق المالية فئة الخمسين جنيهاً في مشهد مغرٍ يدعو للبيع أو للشراء أو للسؤال في حالة الفضوليين أمثالي، وقد ألجمتني المفاجأة عندما أجاب أحد الشباب عن سؤالي له ولزملائه: (الدولار الليلة بي كم؟).. فرد ببساطة: (عشرين يا خال)، ودهش الخال دهشة جعلته يتساءل ويسأل بالصوت العالي: (يا زول ده كلام شنو والناس بقولوا إنو وصل 17 جنيه).. وضحك الفتى وقال لي: (ما بنزل ونحنا ما عندنا موارد تصدير).. أي والله قالها لي هكذا.. وسألته سؤالاً آخر رفض الإجابة عنه وانفض هو ومن معه من حولي غير مبالين، وكان سؤالي ذاك هو: (إنتوا بتبيعوا وتشتروا كيف ومالين كل الشوارع بي جرأة وثقة.. ما في زول بسألكم ولا في جهة بتطاردكم زي زمان؟).. لم يرد عليّ أحد ووجدت نفسي وحيداً، لكن وسواس النفس وخناسها أثار التساؤلات من شاكلة: (من وراء هؤلاء؟ وهل القصد من وجودهم اللافت في شوارع الخرطوم هو الإيحاء بأن الدولار في هبوط؟).. ثم قلت لنفسي: (يا ود ألعن ابليس وأمشي).. ومشيت وترحمت على الشاب “مجدي محجوب” الذي تم إعدامه لأن السلطات وجدت بحوزته عشرة آلاف دولار من حر ماله، ولم يشفع له صغر سنه ولا توسلات والدته وشقيقاته، ولا تدخل كبار من أجل إيقاف تنفيذ حكم الإعدام، لكن حجم التآمر كان عظيماً.. ليأتي إلينا بعد سنوات العميد “صلاح كرار” ويقول إنه لم يكن موجوداً ساعة تنفيذ حكم الإعدام، وكل الشواهد والأدلة والشهود الذين التقيت بعضهم يؤكدون أن والدة الشاب القتيل “مجدي محجوب” قابلت السيد الرئيس “البشير” ووعدها خيراً، واتصل بالشهيد “الزبير”– رحمه الله- وتم الاتفاق على وقف التنفيذ، وقبل أن تصل الأوامر والتعليمات والتوجيهات مكتوبة تحرك من أرادوا إعدام “مجدي” فأعدموه.
على كلٍ ما ضاع حق وراءه مطالب، ولن ينجو أحد بجرم ارتكبه في حق الغير.
رحم الله “مجدي محجوب”.. لكن ما أردنا أن نصل إليه في أمر الدولار هو أن (حليمة عادت لقديمها) وتمترس الدولار في خنادق متقاربة، ولا نرى في الأفق ما يمكن أن يعود به إلى الوراء إلا تخفيض الرسوم والجبايات والضرائب وإلغاء كل رسوم الصادر.. بعدها نستطيع القول إن الجنيه صمد أمام الدولار وقوي إلى الدرجة التي لن تجعله يتزحزح قيد أنملة عن مكانته الجديدة.