مسؤولون حكوميون وخبراء يؤكدون الاتجاه لبدء الحوار حول الإزالة من "قائمة الإرهاب"
بداية علاقات طبيعية.. بين “واشنطن” و”الخرطوم”.. رفع العقوبات انتهاء الفصل الأول
تقرير ــ مهند بكري
يبدو أن قرار الولايات المتحدة الأمريكية برفع العقوبات الاقتصادية عن “الخرطوم” ليس نهاية المطاف لحاملي الحقائب الدبلوماسية الذين يقطعون مسافة تُقدر بـ(10498) كم فاصلة بين “نيويورك” و”الخرطوم”، في زمن تقريبي لرحلة تستغرق (15) ساعة، ناهيك عن ما يدور في ردهات وشرف وأروقة مواقع المباحثات أو سمه (الحوار)، فالمسؤولون الدبلوماسيون من الطرفين، أبقوا الباب مفتوحاً لإدارة حوار بفصل ثانٍ حول إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، حتى يستطيع اقتصاد الخرطوم الاستفادة من ميزات القطاع العالمي عقب اندماجه فيه.
{فلاش باك.. بداية الطريق
(رفع العقوبات بداية الطريق الصحيح لبناء علاقات طبيعية مع أمريكا، وليس نهاية المطاف)، بهذه العبارة علّق وزير الخارجية البروفيسور “إبراهيم غندور” على قرار “واشنطن”، وطبقاً للوزير فإن المرحلة الثانية (إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب)، بحاجة إلى أن تبدأ، مشيراً إلى اتفاق تم مع الجانب الأمريكي لمواصلة الحوار حول هذا المسار الخاص.
بيد أن القائم بأعمال السفارة الأمريكية بالخرطوم، “ستيفن كوتسيس” قال في مؤتمر صحفي (السبت) الماضي، إن الظروف في الوقت الراهن تقتضي بدء حوار مع الخرطوم لرفعها من قائمة الدول “الراعية للإرهاب”، وقال إن الخرطوم تعي المطلوب منها لشطبها من قائمة الإرهاب.
{إقرار بتقدم في ملف مكافحة الإرهاب
ويقول نائب رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الإرهاب العميد “معاوية مدني أحمد” في إفادته لـ(المجهر)، إن حيثيات قرار رفع الحظر، أتى في مقدمتها إحراز السودان تقدماً إيجابياً في المسارات الخمسة، منها التعاون في “مكافحة الإرهاب”، معتبراً أن قرار رفع الحظر الاقتصادي يجعل الاقتصاد السوداني يعود لوضعه الطبيعي، ويمكنه من الاندماج في منظومة الاقتصاد العالمي، وتابع بالقول: كما أن قرار رفع الحظر الاقتصادي على السودان له ما بعده في المساهمة في رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، والتي أدرج فيها منذ 12 أغسطس 1993، عقب إصدار الكونغرس الأمريكي لقرار إدراج السودان في القائمة.
{مردود سلبي
يرى “مدني” أن وضع السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب له مردود سلبي على البلاد، بوضع بعض القيود والتدابير والرقابة في تعاملات الدولة في المجالات المالية والعسكرية، بيد أنه بدا متيقناً من أن ملف الإرهاب من الملفات التي أحرزت فيها الدولة تقدماً ملحوظاً بشهادة الإدارة الأمريكية نفسها، وقال إن حيثيات قرار رفع الحظر تضمنت الإشارة إلى تعاون السودان في مكافحة الإرهاب، وإنه أحرز تقدماً ملحوظاً في هذا المجال، وطبقاً للمسؤول الحكومي فإنهم في الهيئة الوطنية لمكافحة الإرهاب يولون هذا الملف اهتماماً منقطع النظير، مشيراً إلى أن ذلك الاهتمام ليس لابتغاء مرضاة دولة ما، وإنما للحفاظ على الأمن القومي، لأن الإرهاب يشكل خطراً على السلم والأمن الإقليمي والدولي.
{تصنيف الدول الأكثر أمناً
وطبقاً للعميد “معاوية مدني” فإن السودان يعد من الدول التي تشهد استقراراً أمنياً ملحوظاً أهلها لأن تصنف الدولة الأولى الأكثر أمناً في أفريقيا، حسب تقرير تصنيف الدول الذي صدر من مؤسسة في أواخر سبتمبر الماضي، والذي تزامن مع القرار الأمريكي الذي رفع الحماية المؤقتة عن الرعايا السودانيين الموجودين في أمريكا، لزوال الدواعي الأمنية والاستقرار الأمني الذي تشهده البلاد، وأشار “مدني” إلى أن الأمم المتحدة في تصنيفها للسودان، وضعته في قائمة الدول المعرضة للخطر، وهذا التصنيف يعني أنه بلد محاط بمخاطر إرهابية من محيطه الإقليمي، ولم يدرج ضمن الدول التي تشهد أعمالاً إرهابية، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية اعترفت بالجهود الإيجابية للسودان، وتعاونه في مكافحة الإرهاب بفضل جهود مؤسسات الدولة المختلفة، الأمنية والعدلية ومنظمات المجتمع المدني، التي تعمل باحترافية عالية في مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف والحماية منه، وفق منهج يدعو للوسطية والاعتدال والتسامح باستخدام أسلوب المعالجات والحوار الفكري الذي يحترم كرامة الإنسان ويحترم حقوق الإنسان، بدلاً من استخدام الوسائل القمعية التي تنتهجها كثير من الدول في المكافحة، مبيناً أن جميع هذه المؤشرات الإيجابية من شأنها أن تسهم في القريب العاجل، في رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
{موقف تفاوضي متقدم.. لا صفقات
الحكومة تؤكد على التزام “واشنطن” بكافة ما تم الاتفاق عليه في عملية الحوار الثنائي، في وقت قطعت فيه بعدم خروج الحوار عن المسارات الخمسة المتفق عليها، وأنه لم تكن هنالك اشتراطات ولا اتفاقات خارج المسارات التي حازت على الإشادة بجهود السودان وتعاونه في ملف مكافحة الإرهاب.
ويرى الخبير الإستراتيجي والأمني لواء “أمين إسماعيل مجذوب” أن بقاء السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب، هو موقف تفاوضي متقدم للإدارة الأمريكية، قال إنها يمكن أن تستخدم في المستقبل إذا تم الرجوع عن المسارات الخمسة، أو إحداها، وتابع في إفادته لـ(المجهر) قائلاً: “أعتقد أن القائمة وكذلك ملف الجنائية سيختفيان تدريجياً، مع الحفاظ على قرار رفع العقوبات وعدم السماح بأي انتكاسة فيه”، مشيراً إلى أن التقدم الذي أحرزته الخرطوم في ملف مكافحة الإرهاب كان منذ سنوات خلت، وهو ما قاد للتطور الحالي الذي توج بقرار رفع العقوبات الاقتصادية.
{ملفات متبقية
الملفات المتبقية تخص حقوق الإنسان وحرية الصحافة وحرية الرأي والمعتقدات، وتحقيق متطلبات التهدئة في البيئة الإقليمية للسودان، والمقصود ليبيا وجماعة بوكو حرام، والعلاقة مع تنظيم الإخوان المسلمين الذي تبرأت منه الخرطوم، في وقت سابق، بجانب منع عودة الصراع إلى دار فور، هذا ما أوضحه اللواء “مجذوب”، ناصحاً بتعديل القوانين والتشريعات، خاصة الاقتصادية لتتماشى مع المرحلة المقبلة بعد القرار، وتوسيع المواعين الداخلية لاستيعاب القادمين اقتصادياً وسياسياً وثقافياً وأمنياً، مشيراً إلى أنه يعني بذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
{قبول الصداقة الأمريكية وقفل السوق الموازي
ويشير “مجذوب” إلى ضرورة نشر ثقافة قبول الصداقة مع الأمريكيين بعد قطيعة استمرت لربع قرن، حتى تتمكن البلاد من الاستفادة من الدعم الأمريكي وفق خطط وسياسات بعيدة المدى، وتحقيق قفزة غير مسبوقة أفريقياً وعربياً، في الإجابة على تساؤل: (كيف يحكم السودان وليس من يحكم)، والخروج بتجربة رائدة للعالم، وطالب بضرورة الاهتمام بقفل السوق الموازي للعملات الحرة، الذي وصفه بأس البلاء اقتصادياً.
{ ترتيب البيت الداخلي.. لوبيات مناهضة للقرار
ويقول مراقبون إن البلاد فرض عليها نوعان من العقوبات، أولاها ترتبط بتوجهات سياسية عبر أوامر تنفيذية من قبل الإدارة الأمريكية، وأخرى بقرار من الكونغرس الأمريكي وأخرى أممية، مشيرين إلى أن هذه الملفات تحتاج تعاوناً إيجابياً في الملفات المشتركة، بجانب قضايا أخرى داخلية يتطلب تحقيقها من قبل الحكومة لإنجاز المسارات السابقة.
مسؤول الشؤون الاقتصادية بحزب الأمة القومي “صديق المهدي” شدد على ضرورة ترتيب الأوضاع الداخلية للبلاد من أجل إنجاح المسار الأول، والمتعلق بالقضايا الاقتصادية، وعد “المهدي” في حديثه لـ(المجهر) قرار رفع العقوبات بالخطوة المهمة التي تفتح الباب أمام ترتيب وضع علاقات البلاد مع أمريكا والمجتمع الدولي، وأن الاقتصاد الوطني سيستفيد من ذلك بفتح باب التحويلات المصرفية، والتجارة المباشرة بين الخرطوم وواشنطن، بيد أنه قطع بأن الأثر الأكبر الذي يواجه الاقتصاد الوطني يكمن في الديون، وكيفية إعفائها والتي قال إنها تتطلب زوال كافة حلقات العقوبات، وخاصة المرتبطة بالقضايا الداخلية عبر ملفات “السلام، والحريات، وحقوق الإنسان، والديمقراطية”.
وأشار “المهدي” إلى بروز خلافات داخل الولايات المتحدة، ما بين مؤيد ومعارض لرفع العقوبات، وحذر من نكسة يمكن أن تقودها لوبيات مناهضة للعلاقات مع الخرطوم، حال عدم اغتنام الفرصة وقراءتها بوقائعها الصحيحة.