بعد ومسافة
“الخرطوم” ولاية أم ثلاث ولايات؟؟
مصطفى أبو العزائم
لم يكن ما نادى به الدكتور “علي الحاج محمد” الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي قبل أيام مفاجئاً لأحد عندما طالب بتقسيم الخرطوم إلى ثلاث ولايات بدلاً عن ولاية واحدة، وكان أحد المنتديات الإلكترونية الذي أتشرف بعضويته قد أدار حواراً مفيداً حول الموضوع تحديداً في العشرين من شهر سبتمبر الماضي، خلال زيارة السيد رئيس الجمهورية المشير “عمر حسن أحمد البشير” لولاية جنوب دارفور، وذلك عندما طرح أحد أعضاء المجموعة سؤالاً على الملأ، قال فيه نصاً.. هل هناك نص في القانون يجرم بانفصال إقليم ما؟.. طبعاً كنت أحبذ لو أن السؤال كان عن نص في الدستور لا القانون، ليكون النقاش بعد ذلك حول دستورية المطالبة بالانفصال من عدم دستوريتها.
ممن ردوا على السائل أحد أعضاء المجموعة بسؤال آخر هو (هل يجوز أن نعمل استفتاء بفصل ولاية الخرطوم بما فيها.. إذا وافق أهل الخرطوم ممن لهم فيها تاريخ قديم؟).. ثم تتالت المداخلات، خاصة عندما كتب أحد الزملاء في ذات الموضوع أن الخرطوم نفسها مشروع دولة إذ تجاوز عدد سكانها العشرة ملايين نسمة، بما يساوي عدد سكان خمس دول صغيرة، وأذكر تماماً أنني كتبت في مداخلة حول ذات الموضوع ما يلي: (منطق الحكم والأمن والسياسة يتطلب أن تصبح الخرطوم ثلاث ولايات)، ورد على أحد الزملاء بأن الخرطوم فقدت مقومات العاصمة الحضارية.. وسأل سؤالاً مشروعاً وهو (ماذا لو تم نقل العاصمة إلى مدينة أفضل تخطيطاً ونظافة؟)، وقد رددت عليه بأن هذا كان مقترح الأخ الدكتور “عبد الحليم إسماعيل المتعافي” عندما كان والياً لولاية الخرطوم – مقترح نقل العاصمة – وأنه كان يسعى إلى إقناع القيادة بتحويل المنشآت والمؤسسات السيادية إلى ما يمكن أن نسميه بالعاصمة الإدارية، وكان يستهدف الانتقال جنوباً نحو منطقة جبل الأولياء، لكن – كما يعلم الجميع – فقد واجه المتعافي عواصف عاتية أطاحت به، وقد نفخ الإعلام في تلك العواصف العنيفة، فزادها عنفاً.
قطعاً هذا المقترح فيه جرأة وشجاعة مع تعرض ولاية الخرطوم إلى هجرات عديدة من الداخل والخارج، حتى إن عدد اللاجئين وحدهم تجاوز المليونين غير الذين اضطرتهم ظروف مناطقهم إلى النزوح نحو الخرطوم (محل الرئيس بنوم والطيارة بتقوم) كما يقول الناس ويتداولون.
لم تمضِ أيام حتى خرج الدكتور “علي الحاج” بالمقترح على العلن، لكن المفاجأة لم تكن في ذلك وحده، بل بالأمس – بالنسبة لي شخصياً – عندما جلست للصديق العزيز الأستاذ “حيدر حسين علي نعمان” الخبير الإداري والسياسي المايوي المعروف، بمكتبه لتسجيل حلقة جديدة من برنامج (صفحات من بلادي) لإذاعة بلادي ضمن سلسلة بدأت معها وتواصلت، وقد أهداني دراسة أعدها بصفته خبيراً إدارياً وضابط إداري سابق ومحافظ أسبق في العهد المايوي، حملت عنواناً جاذباً هو (الخرطوم.. ولاية أم ولايات؟) فصادف ذلك هوى في نفسي.. لأن هناك (سيرة وانفتحت).. ورأيت أهمية وضرورة الاطلاع على رأي خبير، ووجدته يؤرخ لنشأة الخرطوم منذ العام 1690م، عندما عبر الشيخ “محمد إدريس الأرباب”.. من جزيرة توتي ليؤسس في مواجهتها مسجداً وخلوة ثم أصبحت مركزاً حضرياً عام 1821م، حيث بدأت معسكراً لجيوش الأتراك، وكانت العاصمة آنذاك هي مدينة.. ود مدني.. ولكن إبان حكم “خورشيد باشا” تم إعلان الخرطوم عاصمة للسودان عام 1824م، لتتحول بعد ذلك إلى أم درمان بعد نجاح الثورة المهدية، لتعود بعد ذلك إلى الخرطوم عام 1898م، بعد ثلاثة عشر عاماً عقب معركة كرري.
دراسة الأستاذ “حيدر حسين علي” تشمل الخرطوم والإدارة ومحلياتها السبع، ووضعها كعاصمة قومية (تاريخياً) إضافة إلى المشاكل التي تحاصرها مع مقارنة بين الخرطوم والولايات الأخرى، ثم المؤشرات السلبية عليها كعاصمة للبلاد مع كم هائل للمشاكل والتحديات مع تقديم لعدد من المقترحات للحلول، والتصورات التي يمكن أن تكون عليها (العاصمة) والمدن الأخرى بالولاية.
مؤكد أن للأستاذ “حيدر حسين” قنواته للتواصل مع الولاية في أعلى مستوياتها ومع مراكز اتخاذ القرار في الدولة.. والموضوع يحتاج بحق إلى وقفة ودراسة لاتخاذ القرار الشجاع.
اللهم إنا نسألك الهدى والتُقى والعفاف والغنى.. آمين.. وجمعة مباركة.