هل يقود البرنامج التركيزي إلى تغيير الواقع الاقتصادي والسياسي بالبلاد؟
أعلن عنه رئيس الجمهورية في البرلمان
الخرطوم – رحاب عبد الله
يبدو أن الحكومة عازمة فعلاً على توظيف قرار رفع العقوبات لحل المشكلات الاقتصادية التي تعيشها البلاد، فقد دفع رئيس الجمهورية بإستراتيجية جديدة أطلق عليها اسم “البرنامج التركيزي” لتحديد أوليات البلاد في الفترة من 2018م وحتى 2020م، ولتحسين معاش الناس وإصلاح الحالة الاقتصادية. وهو جعل الأسئلة تترى حول ما إذا كان هذا البرنامج سيقود إلى تغيير الواقع الاقتصادي والسياسي والأمني، أم لا؟.
محاور متعدِّدة
الشاهد أن “البرنامج التركيزي” الذي أعلنه رئيس الجمهورية في خطابه أمام البرلمان أمس الأول، حوى عدة محاور، ولم يكن قاصراً على جانب محدَّد وهو ما اعتبره كثيرون بمثابة تشخيص جيِّد للأزمة، تمهيداً لحلها انطلاقاً من المتغيِّرات التي ربما تطرأ على المشهد ولا سيما رفع العقوبات الاقتصادية، وقريباً من هذا المنحى يرى الخبير الاقتصادي د. “محمد الناير” أن خطاب الرئيس أمام البرلمان من حيث الشكل والمضمون متميِّز وجاء حاوياً رؤى للمعالجة، لافتاً إلى أن حديث الرئيس عن مكافحة الفساد وعن متابعة جمع السلاح وتحقيق الاستقرار الأمني والسياسي حديث جيِّد وأمر مطلوب ويدعم الاستقرار الاقتصادي، بيد أن “الناير” رأى في حديثه لـ(المجهر) أن المحك في التنفيذ، لأن الحديث عن إصلاح الدولة وإصلاح معاش الناس تم تداوله في كل الخطابات السابقة، وأشار إلى أنه رغم الحديث عن تحسين مستوى المعيشة إلا أنه يقابله حديث عن قضية رفع الدعم، وأشار إلى أن موجهات موازنة العام ٢٠١٨م، التي أجيزت مؤخراً من القطاع الاقتصادي تنص على تحرير السلع، منوِّهاً إلى أنه لا يرفض التحرير ولا رفع الدعم، ولكنه دعا لأن يأتي بعدالة وبدراسة التكلفة بصورة علمية إعمالاً لمبدأ علم حساب التكاليف ومن ثم إعلان النتائج ومن خلال إجراء دراسات علمية عبر مراكز بحوث مستقلة لتحديد التكلفة بصورة عادلة، منوِّهاً إلى أن الدعم يتولَّد نتيجة تراجع قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية باستمرار، وبالتالي يتولَّد دعماً جديداً، وأشار “الناير” إلى أن المسؤولية مسؤولية القطاع الاقتصادي والدولة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي وبالتالي يجب أن لا نحمل المواطن فوق طاقته أو ارتفاع جديد في الخبز أو الوقود.
غياب الرؤى الاقتصادية
وبدوره أشار الخبير الاقتصادي د. “عبد الله الرمادي” إلى أن البرنامج الذي طرحه الرئيس “البشير” لا يشير صراحة إلى مسائل أو أهداف أو إجراءات اقتصادية، لافتاً إلى أن البرنامج يرتكز على محور سياسي وثقافي واجتماعي وقانوني، منوِّهاً إلى أن الآليات التي ذُكرت ليست من بينها إجراء اقتصادي، وقال “الرمادي” في حديثه لـ(المجهر) إن الآليات ترتكز على نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج والعودة الطوعية للنازحين وإعادة إعمار ما دمَّرته الحرب وتمكين الإدارة الأهلية وإقرار المصطلحات وإقامة مشروعات الخدمات حسب برنامج زمني دقيق لكل الولايات.
ومضى “الرمادي” إلى أبعد من ذلك، مشيراً إلى أن البرنامج تطرَّق إلى الالتزام بالشراكة الدولية لترسيخ الأمن والسلم الإقليمي والدولي لمحاربة الإرهاب والاتجار بالبشر وأعمال مبدأ الشفافية ومحاربة الفساد وتمكين الحكم المحلي لإنجاز الخدمات.
غير أن مراقبين رأوا أن برنامج الإصلاح الاقتصادي لا بد أن يرتكز على برنامج سياسي ينهي النزاعات ويخلق حالة من الاستقرار السياسي وخاصة في أن الاستثمارات لن تدخل البلاد في ظل غياب الاستقرار السياسي، مشيرين إلى أن المصالحة والاستقرار السياسي يحتاجان لمبادرة جديدة تستطيع إقناع المعارضين خاصة حملة السلاح بالقبول به.
مؤشرات إيجابية
ويعود الخبير الاقتصادي دكتور “محمد الناير” ليشير إلى أن الأجواء الآن إيجابية وخصوصاً في ظل توقعات رفع الحظر قياساً إلى المؤشرات الأخيرة بإلغاء الحماية المؤقتة السودانيين وإزالة اسم السودان من الدول التي كان دخول مواطنيها محظوراً إلى أمريكا، بجانب انخفاض سعر الصرف، بيد أن “الناير” استهجن طرح فكرة رفع الدعم في مثل هذه الأجواء الإيجابية، وفي ظل حديث الرئيس عن تحسين معاش الناس، وقال إن ذلك أمراً متناقضاً. ودعا لأن تكون الموازنة واضحة وشفافة عندما تقدَّم البرلمان، لافتاً إلى الضغوط التي يتحمَّلها المواطن خاصة أن أسعار الدواء زادت بنسبة (٣٣%).
وصفة مجرَّبة
اللافت أن البرنامج التركيزي الذي طرحه رئيس الجمهورية، لم يكن الأول، فقد سبقته مبادرات كثيرة لإصلاح الحالة الاقتصادية، مثل البرنامج الثلاثي والذي لم يحقق أهدافه كاملة، ما جعل الحكومة تطرح البرنامج الخماسي بذات الأهداف والآن تبقى منه عامان دون أن يحقق كل مراميه، وهو ما يمكن أن يقلِّل – بحسب مراقبين – من فرص نجاح البرنامج التركيزي، مشيرين إلى أن المطلوب هو أن تقوم الحكومة بتقييم الخماسي والثلاثي قبل أن تذهب لطرح برنامج جديد، وتشكيل آليات جديدة لتنفيذه.
وقريباً من هذا المنحى فإن الخبير الاقتصادي الدكتور “محمد الناير” يرى أن تكوين آليات جديدة لمتابعة تنفيذ البرنامج التركيزي ليس أمراً ناجعاً، لافتاً إلى أن الآليات الموجودة والمتمثلة في الجهاز التنفيذي بعد تكوين حكومة الوفاق الوطني تكفي، وقال إن هذا الكم الهائل من المناصب الدستورية أو الجهاز التنفيذي يستطيع أن يقوم بتنفيذ البرنامج و أن إنشاء آليات جديدة سيخلق أعباءً جديدة وتكاليف، ودعا لعدم اللجوء لإنشاء أجسام جديدة وتساءل: إن كان لا بد من قيام آليات جديدة وما هو دور الجهاز التنفيذي؟
غير أن الخبير الاقتصادي الدكتور “عبد الله الرمادي” يرى أن هذه الإجراءات إذا تمت ففيها انعكاسات اقتصادية إيجابية لأنها تنعش المناخ لتنشيط الاقتصاد وتشجيع تدفقات رؤوس الأموال، وقطع “الرمادي” بأن ما ذكر في البرنامج سيصب في تهيئة الوضع وتحسين المناخ لاستقبال المستثمرين، لكن البرنامج في حد ذاته لم يكن فيه برنامج تحسين معيشة لجهة افتقاره لأي إجراء اقتصادي مباشر، واعتبر “عبد الله” أن محاربة الفساد ضرورية، لأن وجود الفساد يعطل التنمية أو الاستقرار الاقتصادي.
ولكن رئيس كتلة المؤتمر الوطني بالبرلمان “عبد الرحمن محمد علي سعيد”، امتدح خطاب رئيس الجمهورية أمام البرلمان، ورأى أن البرنامج التركيزي، فكرة جيِّدة وتصب في حل المشكلات السياسية والاقتصادية والأمنية، خاصة أنها جاءت حاوية لآليات جديدة.