بعد ومسافة
مع الرئيس في دارفور.. خطوة بخطوة ..
مصطفى أبوالعزائم
زيارة السيد رئيس الجمهورية المشير “عمر حسن أحمد البشير” إلى ولايات دارفور، وجدت اهتماماً شعبياً كبيراً ومتابعةً إعلامية واسعة من الصحافة المحلية والفضائيات والإذاعات مضافاً إليها وسائط التواصل الاجتماعي الأخرى، إذ سيطرت الزيارة على ما سواها من أحداث سواء كان ذلك على مستوى حزب المؤتمر الوطني وشركائه في الحُكم أو معارضيه في الداخل أو على مستوى المتمردين من حملة السلاح الذين تقاصرت خطاهم نحو أرض الوطن منذ وقت بعيد مؤثرين ومفضلين البقاء في المنافي القريبة والبعيدة بثمن بخس لا يمكّنهم من شراء ولاء داخلي حتى وإن كان ذلك الولاء زائفاً إلا من بعض الشباب صغار السن الذين تم شحنهم بالعنف والعنصرية السالبة وسط طلاب الجامعات المختلفة، فأحال بعضهم تلك السوح التعليمية إلى ساحات حرب ومواجهاتٍ دامية مثلما يفعل اتباع “عبد الواحد محمد أحمد النور” دون غيرهم .
زيارة الرئيس “البشير” إلى ولايات دارفور لم تكن الأولى ولا نحسب أنها ستكون الأخيرة، لكن الاهتمام بهذه الزيارة جاء أكبر من الاهتمام بزيارات سابقة لأسباب يمكن أن نجملها في أنها – أي الزيارة – تحمل أكثر من رسالة إلى الداخل والخارج معاً، ورسائل الداخل موجهة في المقام الأول إلى أهل دارفور، تحمل في طياتها بعد (التحية والاحترام) كل معاني (السلام) الذي لم يتحقق هكذا بين يوم وليلة، بل بعد عنتٍ ومقاومةٍ عنيفة من حملة السلاح الذين تمردوا على الدولة بدايات العام 2003م ووجدوا الدعم الكبير من قوى خارجية ودول قريبة في الجوار الإقليمي تصدرتها ليبيا “القذافي” بعد أن لاحت بشائر السلام من خلال الحوار المباشر بين الحكومة ومتمردي جنوب السودان، الذين كان يقودهم العقيد الراحل “جون قرنق” في ذلك الوقت، وذلك بغرض إسقاط نظام الحكم في الخرطوم ومشروعه الحضاري الذي يتعارض في طرحه مع المشروع السياسي العالمي الذي تحمل لواؤه الولايات المتحدة الأمريكية سيدة العالم الحُر.. أو كما تدّعي.
ثم تجيء رسالة داخلية موجهة إلى القوى السياسية التي تساند التمرد سراً وجهراً وتبحث لها عن مكان في قاعات الحكم الجديدة أن نجح المتمردون ومن يدعمونهم في إسقاط نظام الحُكم، وتقول هذه الرسالة إن التمرد قد انحسر وتراجع وإن الأرض قد تناقصت تحت أقدامه.. كما تخاطب ذات الرسالة قوى الداخل السياسية التي امتنعت عن المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني وراهنت على زوال النظام ونهاية حكم جماعة انقلاب يونيو 1989م الذي قاده العميد ا. ح – وقتها- “عمر حسن أحمد البشير” بعد أن أقصاها الانقلاب وقياداته عن مقاعد الحُكم وأجهض أحلامها السياسية، بإجراء تغيير مخالف لبرنامج الجبهة الإسلامية كما كان يقول بذلك الناطقون باسم تلك القوى، ولهؤلاء تقول الرسالة إن مخرجات مؤتمر الحوار الوطني والعمل على إيقاف الحرب وفتح أبواب الحوار مع التمرد ومع كل القوى السياسية والسعي نحو التنمية وإعمار ما خربته الحرب أضحى برنامجاً وطنياً والتزاماً لا فكاك منه ولا مناص، ومن الخير لتلك القوى اللحاق بالحوار قبل فوات الأوان.
وهناك ثلاث رسائل للخارج الأولى للمتمردين الذين لاذوا ببعض دول الجوار في دولة جنوب السودان وفي ليبيا وأصبحوا أدوات في أيدي الخصوم المتنازعين، رسالة مؤثرة وقوية تنادي العقلاء من غير أمراء الحرب بأن الفرصة الآن مواتية وأن السلام هو أعظم انتصار ينتظره أهل دارفور جميعاً خاصة وإن الأمر مكشوف وواضح من خلال زيارة الرئيس “البشير” إلى مناطق لم تطأها قدم رئيس سوداني من قبل أو بعض المناطق التي لم يزرها غير الرئيس الراحل المشير “جعفر نميري” منذ قرابة الخمسين عاماً.. أما الرسالة الثانية للخارج فهي للدول التي تأوي الحركات المسلحة وتعمل على استغلالها لأنها رسالة تحمل دعوة صريحة لهذه الحركات للانعتاق من هذا الرق السياسي والاستغلال العسكري، فالسلاح الذي بأيديهم أولى به حماية الوطن والأيدي الفتية الشابة أحق لها أن تعمل من أجل بناء ما خربته الحرب وأن التدخلات في الشأن السوداني أضحت مفضوحة ومكشوفة وإن كانت بعض القوى الدولية تساند هذا الفعل في السابق فإنها لا تقبل به بعد الآن .
والرسالة الثالثة لكل العالم تكذِّب ما يروج له الإعلام الموجّه المشبوه وتجيء الرسالة معضدة لتقارير الأمم المتحدة وكثير من المنظمات الإقليمية والدولية بأن الأحوال في تحسن مستمر ومضطرد وهو ما دعا الدولة مؤخراً للاتجاه نحو جمع السلاح حتى من أيدي أفراد القوات النظامية في غير أوقات عملهم رغم العنت الذي واجه هذا القرار من قبل قلة لا تمثل إلا نفسها تريد السلاح أن يكون (عصاية عز) في أيدي شيوخها مثلما في حالة الشيخ “موسى هلال” وهذه حالة نحسب أنها في الطريق إلى المعالجة .