رأي

بعد ومسافة

     يا مولانا.. كيف خطَطَت تلك الحروف المضيئة؟
مصطفى أبو العزائم

      وأما مولانا فهو “أحمد محمد هارون” والي ولاية شمال كردفان، ولسؤالنا ذاك سببٌ وَإِنْ كُنَّا نعرف الإجابة اجتهاداً، نسأله ولا نقول له مثلما قال الراحل “محجوب شريف” مخاطباً رأس الدولة عندما نجح انقلاب الشيوعيين على الرئيس “نميري” – وقتها – في التاسع عشر من يوليو عام 1971م، وما قدّر قادة الانقلاب أن سلطتهم لن تستمر ليومين وأنها سوف تزول  في الثاني والعشرين من ذات الشهر، ويسجل التاريخ في السودان انه أقصر الانقلابات عمراً.. ما علينا، نعود لموضوعنا ونؤكد أننا لن نقول مثلما قال شاعر الشعب مخاطباً “نميري”:

” يا مولانا …

 أرخي أضانك الخدرانة
   
 بالتصفيق من المخدوع زمان وزمان

ولسه جعان.. وما فتّح وفك الريق”

     كانت أبيات “محجوب شريف” تعبر عن خيبة أمله وحزبه في “نميري” وملته الحاكمة – رحمهما الله وغفر لهما وعفا عنهما – لكن الحال الآن في عهد مولانا “أحمد محمد هارون” لا يشابه ذلك الحال، فالتكبير والتهليل والتصفيق إنما جاءت بعد توفيق الله سبحانه وتعالى لمولانا “أحمد محمد هارون” في أمر إدارة الحكم لولاية شمال كردفان، فقد أجمع أهل الولاية وسدنتها وقادة أحزابهم على “هارون”، ليس لأنه صاحب “كاريزما” قيادية أو لأنه جاء ممثلاً لثقل قبلي أو طائفي، ولا لأنه صاحب كرامات ولا ولا ولا.. أجمع أهل الولاية على “هارون” لأنه عبّر عنهم وعن طموحاتهم وعن آمالهم وأحلامهم المشروعة في أن يكون لهم وجود فاعل وأثر كبير في السياسة والاقتصاد والفنون والثقافة والرياضة وفي الفعل الاجتماعي المؤثر على كل الوطن.

      حمل “هارون” أحلام أهله تلك وجلس إليهم وتعامل بمبدأ الشفافية الذي يغيّبه كثير من الحُكام والولاة ويجعلون منه عملة صعبة لا يتعاملون بها مع العموم، فقد جلس إلى كل الناس واعتمد مبدأ أن يستمع لما يقول أصحاب الحق في المطالبات المشروعة، وقال لهم إن كلّ شيء ممكن إذا ما تضافرت الجهود، فالحكومة وحدها لن تستطيع والمجتمع وحده لن يقدر، رغم أن ولاية شمال كردفان تأتي في مقدمة ولايات السودان الواعدة بالخير والنماء بسبب تمتعها بالموارد المتنوعة في المجالات البشرية والطبيعية والثروة الحيوانية والزراعة والرعي والمعادن والمياه السطحية والجوفية والبترول الذي تقول الشواهد إنه متوفر بكميات كبيرة، لكن كل هذه الثروات لم تُستغل بالصورة أو الشكل المطلوب، مما جعل الولاية تأتي وفقاً للأرقام التي أوردتها إستراتيجية السودان للحد من الفقر، في مرتبة متأخرة تتراوح ما بين المرتبة التاسعة إلى الرابعة عشرة من ولايات السودان الخمسة عشرة وقتها من حيث مؤشرات الألفية مقارنة ببقية الولايات، بينما نسبة الفقر في الولاية كانت تُقدّر بحوالي ثمانية وخمسين في المائة، وهي أعلى من متوسط نسبة الفقر في البلاد البالغة ستة وأربعين فاصلة خمسة بالمائة، مما وضع الولاية في المرتبة الثانية عشرة لا تأتي بعدها إلا الولايات المتأثرة بالصراعات القبلية والحرب وهي ولايات شمال وجنوب دارفور وجنوب كردفان.

    وكانت نسبة التعليم متدنية فلم تتجاوز الستة والخمسين بالمائة في شمال كردفان، أي تحتل المرتبة التاسعة مع ولاية النيل الأزرق، بمعدل استيعاب مدرسي ضعيف جعلها في المرتبة العاشرة مع تدنٍ في الخدمات الصحية مع نسبة وفيات مرتفعة بين الأطفال دون الخامسة وضعتها في المرتبة التاسعة، أما من حيث الإصابة بالمباريات فإنها جاءت في المرتبة قبل الأخيرة، وكذلك في نسبة الحصول على مياه للشرب النقية وهو ما يعتبر مؤشرات نمو ضعيفة في ولاية تزخر بالموارد والثروات وتشهد استقراراً أمنياً، مع موقع إستراتيجي متميز.
   عندما تولى مولانا “أحمد محمد هارون” مقاليد الأمر في هذه الولاية، كنت من المشفقين عليه وهي ولاية تربطني بها علاقات قديمة مع أبنائها وأهلها، لكن معرفتي بأهل شمال كردفان وبمولانا “أحمد هارون” منحتني بعض الأمل في أن التغيير آتٍ لا محالة، فكانت دعوة مولانا الجريئة بإطلاق نداء نفير نهضة شمال كردفان، الذي انطلق قبل ثلاث سنوات، فكان التغيير الحقيقي الملموس الذي قاد إلى مداخل النماء والرخاء بمشاركة الجميع، وهذه ملحمة بطولية لكل شعب شمال كردفان، حقق من خلاله معجزة في زمن انتهى فيه عصر المعجزات، وهذا ما وقفنا عليه منذ ليل (الخميس)، في مدينة الأبيض، التي وصلناها عصراً لنخرج على الفور في اجتماع مشترك للجنة العليا لإسناد النفير التي يرأسها السيد المشير “عبد الرحمن محمد حسن سوار الذهب”، وبين المجلس الأعلى للنفير بالولاية والذي يرأسه “مولانا هارون”، وقد تواصلت الاجتماعات وعرض التقارير طوال يوم أمس، وتتواصل اليوم وتنتهي بمباراة هلال الأبيض مع فريق مازينبي في تصفيات دور الثمانية في منافسات كأس الاتحاد الأفريقي.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية