حوارات

وزير التربية بولايتي سنار وغرب كردفان السابق "دلدوم الختيم أشقر" في حوار جريء مع (المجهر) (1-2)

(ابوحريرة) وقف ضد استجلاب بضائع اسرائيلية فتمت اقالته..
التعليم الخاص سيُدمر التعليم بالسودان ولن ينصلح إلا بعودة المدارس القومية الست
كنت أتمنى ألا تستمر حكومة “الصادق المهدي” بعد مايو كثيراً
من مواليد جبل الكاشا، وينحدر من قبائل الأجن أو العنج، وتنطق بالرطانة (الأجانج).. جذور أجداده من دنقلا هاجروا عن طريق البحر ووصلوا إلى منطقة سوبا.. ويقال إن العنج بطبعهم قساة وقد سُمي (سوط العنج) عليهم، ثم أخذت كثير من القبائل السوط وأصبح من تراثهم، وهذا ما جعل “عبد الله جماع” و”عمارة دنقس” يتحدان ويتحالفان واستطاعا أن يجليا العنج من سوبا إلى ناحية الجبال الغربية.. درس مراحله الصغرى بالكاشا، لكن العطش ومرض السحائي طرد التلاميذ ثم انتقل إلى منطقة سرف ومعناها ينبوع الماء، فذهبوا إلى أم كريشة وهي تبعد (75) كيلو من جبل كاشا، ثم مدرسة “خور طقت”، ودخل جامعة الخرطوم سنة 65 وتخرج في كلية القانون سنة 1970، وتدرب في مكتب “عبد الله الحسن”.. بعد أن أكمل الـ(12) شهراً تم تعيينه قاضياً مع (14) آخرين وبعد ذلك تم توزيعهم على الولايات.. شغل منصب وزير التربية والتعليم بولايتي سنار وغرب كردفان في بداية التسعينيات وحتى وقت قريب.. (المجهر) جلست واستنطقت القانوني والوزير السابق “دلدوم الختيم أشقر”.
حوار- وليد النور
{ متى دخلت عالم السياسة؟
_ طلب مني الأهل أن أترشح لمجلس الشعب القومي الرابع، ولم تكن لديّ رغبة في السياسة لأن السياسة مرض.. لكن الأهل أجبروني، وترشحت والناس وقفوا معي ونجحت ودخلت المجلس كنت بمثابة  قاضي ومحامي والفصاحة و البلاغة كانت سهلة بالنسبة لنا وساعدنا “الرشيد الطاهر بكر” وكان يركز علينا أنا و”أبو كلابيش” و”حسن سعد” رحمه الله وأختنا “خدوم عوض” القيادية بكردفان وأختنا “بت كُبر النشيو”
{ ما هي أكبر مشكلة واجهتك في مجلس الشعب؟
_ أكبر مشكلة واجهتني خاصة بالدائرة هي منطقة أبيي وأنا عملت فيها مرافعات كثيرة وصدر قرار بأن أبيي شمالية. وفي كتابي الجزء الأول تحدثت كثيراً عن موضوع أبيي.
{ وبعد مجلس الشعب الرابع؟
_ بعده جئت وزيراً بعد تكوين الحكومات الإقليمية، وأرسل لي “الرشيد” وذهبت إليه وأعطاني ورقة صغيرة وقال لي تذهب لمقابلة الأخ الفريق “الفاتح بشارة” ليأخذك وزيراً في كردفان ورفضت، لكنه اصر على الامر، وقال لي أنت تلميذنا وتدربت على يدنا نحن الاتحاديين ويجب أن تذهب، وذهبت وتم تعييني وزيراً للإسكان والمياه والمرافق العامة، وبعد سنتين تم نقلي وزيراً لشؤون الإقليم والإدارة، وكنت أفضل العمل في وزارة الإسكان لأنني حققت للمساكين تخفيضات كبيرة وأعفيت المواطنين من رسوم الأراضي المحلية وهي (5) جنيهات كانت تذهب إلى الحكومات المحلية بالخرطوم، وبهذه الطريقة استطعت إسكان ما بين  (50-60) ألف أسرة.
{ كنت اتحادياً أم مايوياً؟
_ لا، عندما عمل “نميري” مصالحة مع “أحمد السيد حمد” والسيد “أحمد الميرغني” وقابل “الصادق المهدي” في بورتسودان ذهبنا بعدها  للترشح، وسألنا الدكتور “أحمد” وسمح لنا بالترشح، وكنا نعمل في ظل التصالح و”نميري” شعر فعلاً بأن الأمور ذهبت جيداً.
{ ما هي قصة الـ(45) دقيقة التي يخصصها “النميري” للنواب؟
_ أذكر أنني قابلت “نميري” (45) دقيقة، وهو كان نظاماً لمقابلة النواب، وأي نائب يدخل يخرج منه عرقان، وأنا دخلت وقررت أن أتماسك، جلست ووضعت رجلاً على رجل فضحك “نميري” وسألني أسئلة: رأيك شنو في كدا وفي كدا وجاوبت إجابات، ابتسم لها برضى، والحمد لله نجحت في المقابلة، وبعدها  قال إن الدائرة (99) لقاوة الفولة جابت لينا ولد شاب ناجح جداً. 
{ بعد سقوط “نميري”؟
_ بعد سقوط “نميري” وقدوم الديمقراطية الثالثة شعرت أن الأحزاب ليس لديها إستراتيجية للحكم ولا يعرفون كيف يقدمون خدمة تفيد الشعب السوداني، والناس البعرفوا الشغلة دي ناس الحكومات العسكرية.
{ تأثرت بـ”مايو”؟
_ في ناس يقولوا ليك إنت تربية “مايو” و”مايو” عملت الكثير، لذلك كنا نتمنى أن لاتستمر حكومة “الصادق المهدي” بعد “مايو” كثيراً، وفعلاً الأحزاب التي جاءت في فترة الديمقراطية، الاتحاديون مع حزب الأمة والجبهة الإسلامية بدأوا يعملون تحالفات مرة مع هذا ومع هذا، ومافي أي فائدة،  وأي وزير نضيف يتم تقديمه للوزارة ليخدم بأمانة ناس الحزب أنفسهم يرفضون، ويقولون فلان هذا لا تأتوا به، بتاع مشاكل.
{ هل تذكر واحداً منهم؟
_ لا زلت أذكر أخانا “يوسف أبو حريرة” وهو من القبائل العربية ما بين أم دوم والبطانة.. “يوسف” هذا تخرج قدامنا في كلية القانون جامعة الخرطوم هو رجل أمين دخل مع وزراء الحزب في مشاكل، كانوا يريدون إحضار بضائع من شركات إسرائيلية عن طريق جنوب أفريقيا فوقف “أبو حريرة” ضدهم،  وفي أشياء كثيرة رفضها لكنهم ذهبوا إلى “الصادق المهدي” وقالوا له لا نريد هذا الوزير وتمت إقالته، و”الصادق” كان يريده ولكن قال ما دام الوزراء لا يريدونه فخلاص.
{ وذهبت حكومة “الصادق” كما تشتهي؟
_ جاءت الإنقاذ.. ونحن كنا متوقعين هذه الإنقاذ ببحسب التخبط الحاصل حتى قال الشريف “حسين الهندي” قولته المشهورة (الديمقراطية النحن فيها دي لو جراها كلب ما في زول بقول ليهو جر)، كنا نتوقع أن تحصل حركة ودقت المزيكا وابنسطنا.
{ ومن الذي رشحك للعمل في الإنقاذ؟  
_ زملائي الذين عشت معهم في الجامعة ناس “علي عثمان” و”نافع” متأكد إنهم وراء ذكر اسمي في اللجنة الشعبية التي كانت تحكم، وعملت معهم فترة وجاءت مشكلة جنوب كردفان في 86 وكان النوبة وقتها قد  قرروا محاورة مجموعة “يوسف كوة” والمحافظ الموجود هناك أخونا “الطيب فضل” بدأ يجتمع بأفراد من الحركة واقترب من إحضارهم للرئيس للتوقيع،  ولكن حاكم الإقليم حينها الفريق “الحسيني عبد الكريم” عدّ الأمر تخطياً له وغضب من تجاوزه  والذهاب للرئيس مباشرة ، وجاء واحد كان معي في اللجنة الشعبية.. وأعطاه الخبر بأن هنالك مساعي للتوقيع مع مجموعة من الحركة، وقام “علي أبو عنجة” وذهب إلى التلفزيون وأذاع البيان، وفي نفس اليوم الوالي كان في مأمورية جاء وأصدر أمر اعتقال وتم اعتقالنا ووضعنا في السجن، وقدمنا للمحاكمة.
{ كانت محكمة عسكرية؟
_ رئيس المحكمة كان سكرتير الحاكم اسمه “عبد الرحمن سنادة” رحمه الله كان و”أحمد هارون” عضو شمال والرائد “دقنة” عضو يمين، وقدمونا نحن الثلاثة أنا و”الفاضل حاج سليمان” و”علي أبو عنجة الموج” ونحن نعتقد أنها تجربة رغم أنها قصيرة الا انها كانت مفيدة بالنسبة لنا. 
{ حكم عليكم بكم سنة؟
_ الشخص الذي أذاع البيان حكم عليه بمدة خمس سنوات وأنا و”الفاضل” ثلاث سنوات وذهبوا بنا إلى سواكن.
{وهل أكملتم المدة؟
_ لا، مكثنا عشرين يوماً وأطلقوا سراحنا، وعدنا للعمل مرة أخرى ولم ننسحب وذهبنا إلى الندوات وأوضحنا أننا لسنا خونة حتى يضعوا لنا المادة (50) خيانة عظمى، هذه المسألة هزت الحكومة المركزية و”الترابي” كان عراب الإنقاذ وأرسل “علي الحاج” وجاء لـ”الحسين” وعنفه على الطريقة التي عاملنا بها.
{ وبعد تعنيف “الحسين”؟ 
_ أرسل لنا “الترابي” وذهبنا لمقابلته فأوصى النائب الأول حينها اللواء “الزبير محمد صالح” فتم تعيين “الفاضل حاج سليمان” وزير تربية في النيل الأبيض وأنا وزير تربية في سنار وهكذا انخرطنا في الإنقاذ.
{ كم قضيت بسنار؟
_ ست سنوات، لأن الفولة متاخمة للنواحي الجنوبية التي فيها المطر والمدارس لا تغلق إلا (30) من شهر ستة، وفي سنار أربع مرات ولايتي جاءت الأولى وهذا ما منحني وسام النيلين من الطبقة الثانية. وفي زمن “نميري” أيضاً منحني وسام الجمهورية من الطبقة الثانية لنجاحنا في التبشير بالحكم اللا مركزي.

{ ولكن الآن التعليم في طريقه للانهيار في كل السودان ما السبب؟
_ سؤالك هذا جيد خالص خالص.. السبب الأساسي، الطلاب لم يجدوا التخطيط التربوي السليم، في زمننا كان لدينا حصة اسمها المكتبة وهي إلزامية وفي آخر الأسبوع تلخص الكتاب الذي قرأته وتذهب به إلى مشرف اللغة العربية، وهذا توقف الآن.
{ ولكن العصر تطور ودخل الانترنت؟
_ الانترنت الآن شغل الطلاب والمكتبة أصبحت معدومة في البيت، وأتذكر في “رابعة أولية” أعطونا كشكول تعبر فيه بتعبيراتك أنت من قراءتك للجرائد ليروا ثقافتك، وجئنا للوسطى أول شيء قابلتنا مكتبة “عطية الإبراشي” و”محمد كامل كيلاني” و”محمد سعيد العريان” و”عبد الحميد جودة السحار” وكانت هذه الكتب تأتينا في كراتين نقرأها في سنة أولى، وفي سنة تانية لقينا (17) كتاباً لـ”جورج زيدان” (السم في الدسم)، وهو رجل مسيحي وكل الموضوعات التي اختارها تغري الشباب وتتجه به اتجاهاً غير سليم، ولكن رغم ذلك كنا نبحث عن اللغة، وكانت وقتها سليمة، وفي الصف الثالث أحضروا لنا (الأيام) لـ”طه حسين” وقرأناه، وفي رابعة أصبحنا نقرأ لـ”العقا”د و”عبد القادر المازني”، وأي كتاب (سمح) نحن قرأناه وأصبحنا نستلف من مكتبات الأساتذة الخاصة.. عندما جئنا “خور طقت” فينا من يحفظ ألف بيت شعر وخمسمائة بيت شعر، وأقل واحد مائة بيت شعر.
{ وكيف كان مستوى اللغة الإنجليزية لديكم؟
_ نحن من رابعة وسطى أكملنا “ريدير سفن وفايف”، وكنا نتحدث ونكتب الإنجليزية بطلاقة، ولا يمكن أن ينصلح التعليم إلا بعودة المدارس القومية (خور طقت – خور عمر- حنتوب – وادي سيدنا – الخرطوم القديمة)، ويتم القبول فيها قومياً.. وأنت سألت عن الطلاب، قدماء التربويين عندهم رأي في المعلمين ذاتهم، واضرب لك مثالاً بالجارة مصر في عهد “مبارك” كانت “سوزان” تهتم بالمكتبات وأنا عملت أول مكتبة لطلاب الأساس في سنار.
{ التعليم الخاص والمدارس الخاصة والجامعات الخاصة وقبولها للطلاب بنسب متفاوتة؟
_ هذا غلط في رأيي أنا الشخصي.. أنا لست تربوياً متخصصاً ولكنني أفكر بدماغي وذاكرتي وأرى أن هذا سينتهي من التعليم، والآن ظلال التعليم الخاص ضغطت على التعليم العام، لذلك دائماً وأبداً المعلمون يقولون لك هذه المرة المدارس الحكومية في القمة، هل في كل السودان أم في الخرطوم فقط؟ يفترض هذا الارتفاع يشمل السودان كله، لذلك الحديث عن المدارس الخاصة خلق فجوة نفسية، يعني الطالب جاره يقرأ في “مأمون حميدة” بـ(150) مليون، والآخر  في (أبو سعد) أو النيلين الفرق كبير، داك ح يطلع دكتور ورافع نخرتو فوق، أهم شيء في التربية توحيد مشاعر الأجيال في بعضهم البعض، وأن تكون مشاعرهم غير متحدة سيتكارهون. زمان أنا في “خور طقت” لمن نجي سنة أولى كل زول بـ(فرارو وسكينو)، بعد شوية نجد أن أولاد البحر ناس كويسين وأذكياء، لذلك في الإجازة التالية نترك السكين والفرار. لذلك التعليم الخاص سيدمر التعليم العام، وماذا يعني الآن وجود بعض المدارس الأجنبية.. طيب ما نفس العلوم هذه كنا نأخذها في “خور طقت”.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية