تقرير الخبير المستقل أمام مجلس حقوق الإنسان.. موسم الانتظار في "جنيف"
هل تأتي الرياح بما تشتهي سفن الحكومة؟
الخرطوم – ميعاد مبارك
الخبير المستقل المعني بحقوق الإنسان في السودان “اريستيد نونسي” يستعد لتقديم تقريره الختامي حول أوضاع حقوق الإنسان في السودان في (27) من الشهر الجاري، أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف في دورته السادسة والثلاثين.
ويبدو أن الخرطوم تعقد آمالاً عراضاً على هذا التقرير الذي في حال إقراره بالتقدم الإيجابي لأوضاع حقوق الإنسان في السودان، قد يؤدي إلى رفع الوصاية الدولية عن السودان، وتحسين سمعة الإنسان فيما يلي أوضاع حقوق الإنسان والذي بدوره قد يضعف الحجج الأمريكية التي اتخذتها لتمديد الرفع المؤقت للعقوبات الاقتصادية الأمريكية على السودان، والتي من المنتظر البت في أمرها أكتوبر المقبل.
فهل أوفت الخرطوم بالمطلوبات التي دفع بها الخبير المستقل لحقوق الإنسان في آخر زيارة له للبلاد؟.. وما مدى اقتناع “نونسي” بالتطور الإيجابي لأوضاع حقوق الإنسان في السودان.. وهل استطاعت الحكومة حشد التأييد الكافي لدعمها في التصويت حول قرار الوصاية على السودان في مجلس حقوق الإنسان؟
المجهر- ميعاد مبارك
الخبير المستقل الذي زار البلاد أربع مرات مرتين خلال هذا العام، في شهري فبراير ومايو، كان يقوم ضمن برنامجه بزيارات لعدد من الولايات، ويعقد عدداً من اللقاءات مع المسؤولين والدبلوماسيين والناشطين في مجال حقوق الإنسان ومن ثم يقدم تقريراً مفصلاً حول الزيارة يقدم خلاله عدداً من الملاحظات والتوصيات.
الزيارة الأخيرة
في ختام زيارته الأخيرة للسودان مايو الماضي، والتي استغرقت (11) يوماً، زار “نونسي” الخرطوم والنيل الأزرق والتقى بوزير الخارجية، ووزير المعادن والأمين العام للحوار الوطني، ووكيل وزارة العدل، بالإضافة إلى عدد من الوحدات والوكالات الحكومية المتخصصة، ولجنة التشريع بالمجلس الوطني، والنائب العام، والسلطة القضائية، والمفوضية القومية لحقوق الإنسان في السودان، وعدد من قادة المجتمع المحلي، والأكاديميين، وممثلي المجتمع المدني، وممثلي النازحين، وهيئات الأمم المتحدة، والبعثات الدبلوماسية في الخرطوم، وكان الخبير المستقل قد قال في المؤتمر الصحفي الذي عقده في نهاية تلك الزيارة، إن الهدف من هذه اللقاءات والزيارات الميدانية هو متابعة القضايا المثيرة للقلق التي كان قد حددها أثناء زيارته للسودان في فبراير 2017، ومناقشة حالة تنفيذ التوصيات المضمنة في تقريره الذي رفعه في شهر سبتمبر 2016 لمجلس حقوق الإنسان.
}إيجابيات
وأقر الخبير ببعض التطورات الإيجابية ورحب بقرار رئيس جمهورية “عمر حسن أحمد البشير” الذي أصدره في 8 مارس 2017 بالعفو عن (259) من أفراد الحركات المسلحة الذين أُسِرُوا أثناء القتال مع القوات الحكومية في دارفور، وأثنى “نونسي” على الجهود الحكومية المبذولة لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية للمناطق المتضررة من الصراع في دارفور، وجنوب كردفان، والنيل الأزرق.
ورحب الخبير كذلك بتعيين رئيس المفوضية القومية لحقوق الإنسان في السودان، الذي عين في الـ(16) من مايو الماضي.
}مطلوبات أمام طاولة الحكومة
الخبير أكد على أهمية الدور الذي يمكن أن تؤديه مؤسسة قومية مستقلة لحقوق الإنسان، وناشد الحكومة بملء الوظائف الشاغرة المتبقية للمفوضيين بطريقة تتسم بالشفافية والتمثيل، ودعم مؤسسات حقوق الإنسان القومية بالتمويل اللازم لتمكينها من أداء مهامها بفعالية، وأشار الخبير إلى ضرورة امتثال المؤسسة القومية لحقوق الإنسان لمبادئ باريس المتعلقة بأوضاع المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، وذلك لتتمكن من أداء دور حاسم في رصد وتعزيز التنفيذ الفعال للمعايير الدولية لحقوق الإنسان على المستوى الوطني.
}قلق دولي!!
“اريستد” أبدى خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده في ختام زيارته الأخيرة للبلاد مايو الماضي، قلقه حيال عدد من قضايا حقوق الإنسان، وأشار إلى ما أسماه بـ(الحوادث التي تبدو وكأنها مضايقات واعتقالات تستهدف ممثلي منظمات المجتمع المدني)، وحث السلطات السودانية على الإفراج عن الدكتور “مضوي إبراهيم آدم” وعدد من الناشطين، ويبدو أن الحكومة التي أفرجت عن “مضوي” وعدد من رفاقه قد استطاعت أن تقدم دفوعات إيجابية قد تنافح بها في اجتماع مجلس حقوق الإنسان.
وأشادت الولايات المتحدة الأمريكية كذلك بإفراج الحكومة عن “مضوي” وعدد من الناشطين، واعتبرت ذلك خطوة إيجابية فيما يلي حقوق الإنسان في السودان.
وطالب الخبير المستقل أيضاً السلطات السودانية بإجراء تعديلات على قانون تنظيم العمل الطوعي والإنساني لسنة 2006، لجعله يتماشى مع الدستور الوطني الانتقالي، والمعايير الدولية لحقوق الإنسان وأن تسمح للجهات الفاعلة في المجتمع المدني بأداء أنشطتهم في بيئة مفتوحة وآمنة وسليمة.
ومن القضايا التي أثارها الخبير المستقل أيضاً حماية حرية الأديان والرقابة على الصحف، والقيود المفروضة على الصحفيين التي يرى “نونسي” أنها تحد من تعبيرهم عن آرائهم بحرية، فضلاً عن مطالبته بتعديل قانون الأمن الوطني والقانون الجنائي وجعل جهاز الأمن والمخابرات الوطني هيئة حكومية تعمل كوكالة استخبارات تركز على جمع المعلومات وتحليلها، وتقديم النصح للحكومة.
الخبير أبدي قلقه كذلك حول أوضاع النازحين بمعسكر العزازي الذي يستضيف أكثر من (4000) نازح، وناشد حكومة السودان والمجتمع الدولي بزيادة مساعداتهم المقدمة لأولئك النازحين، وبالعمل من أجل تهيئة الظروف اللازمة لعودتهم إلى مواطنهم.
“نونسي” أبدى قلقه أيضاً من العنف بين الطوائف والعنف الجنسي، واختطاف المدنيين، وطالب حكومة السودان بالتركيز على تنفيذ أحكام وثيقة الدوحة للسلام في دارفور، المتعلقة بنزع سلاح الميليشيات المسلحة وحل تلك الميليشيات حتى تتسنى معالجة قضايا الحماية في المنطقة.
ويبدو أيضاً أن الحكومة التي بدأت حملة نزع السلاح ستكون لديها دفوعاتها أيضاً فيما يلي هذه المسألة.
}حشد للتأييد الدولي
يستعد وزير العدل والوفد المرافق له لمغادرة البلاد متوجهين إلى جنيف لحضور اجتماعات مجلس حقوق الإنسان، وحسب تصريحات الوزير الأخيرة في البرلمان أكد استعداده وجاهزيته للدفاع عن أوضاع حقوق الإنسان في السودان.
وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية السفير “قريب الله الخضر” لـ(المجهر) إن السودان قام بعدد من الاتصالات لحشد الدعم الدولي لتأييد موقف السودان في مجلس حقوق الإنسان، مشيراً إلى أن المجموعة الأفريقية والعربية والإسلامية أكدت دعمها المستمر للسودان في كافة المحافل الدولية والإقليمية، فضلاً عن الصين التي أكد نائب رئيس مجلس وزرائها خلال زيارته الأخيرة للبلاد، دعم بلاده للسودان في قضايا حقوق الإنسان، وكذلك أكدت روسيا خلال لجنة التشاور السياسي الأخيرة بين البلدين، دعمها المستمر للسودان في المحافل الدولية.
وكان وزير الخارجية قد التقى أمس الأول، برئيس بعثة الاتحاد الأوربي وسفراء بريطانيا وإيطاليا والنرويج والسويد وألمانيا وفرنسا وأسبانيا وهولندا والفاتيكان في إطار حشد التأييد الدولي للسودان في مجلس حقوق الإنسان.
والمعروف في عملية التصويت في مجلس حقوق الإنسان، أن كل دولة تحسب في التصويت بصوت واحد، سواء كانت دولة عظمى أو من دول العالم الثالث.
وبالرغم من اللقاءات الكثيرة التي عقدها الوزير مع السفراء الأوربيين إلا أن التعويل الأكبر هو على تقييم مندوبي تلك الدول في جنيف والتقارير التي سيرفعونها بدورهم لوزارات خارجية بلادهم والتي ستحسم من خلالها موقفها في التصويت حول الوصاية الدولية على السودان، ولذا فمندوب السودان الدائم في جنيف دكتور “مصطفى عثمان إسماعيل” والبعثة الدبلوماسية هناك، في وضع دقيق حيث يقع على كاهلهم مندوبي الدول الأخرى بالتقدم الذي أحرزه السودان فيما يلي حقوق الإنسان.
}مجهودات وإصلاح
وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية لـ(المجهر) إن السودان قام بمجهودات في الجانب التشريعي والإصلاحات القانونية، وأحرز تقدماً ملحوظاً في هذا الجانب، وتوقع أن تؤثر هذه الإصلاحات إيجاباً على موقف مجلس حقوق الإنسان.
أسبوعان ويقف الخبير المستقل لحقوق الإنسان في السودان “اريستد نونسي” أمام مجلس حقوق الإنسان لتقديم تقريره الختامي حول أوضاع حقوق الإنسان، فهل ستأتي الرياح بما تشتهي السفن هذه المرة أم سيعود وفد الحكومة بخفي حنين؟!