مبادرة الشعبي
{ الحيوية التي يؤدي بها حزب المؤتمر الشعبي دوره في الساحة السياسية لا أثر له في أداء حكومة الوفاق الوطني، فالشعبي رغم وجوده الضعيف جداً في السلطة ومشاركته الرمزية؛ إلا أن الحزب ظل فاعلاً في الساحة السياسية يطلق المبادرات ويقول رؤيته في كل القضايا الوطنية داخل الحكومة وخارجها، بينما شركاؤه الآخرون صامتون قانعون بما كسبوا من وزارات ووظائف تنزَّلت عليهم من حيث لا يشعرون.
{ الشعبي أطلق في ثالث أيام عيد الأضحى مبادرة لإحلال السلام ووقف الحرب في البلاد.. كما جاء في الأخبار ليوم أمس، وذلك بعد لقاء الأمين العام للشعبي د. “علي الحاج محمد”، برئيس حزب الأمة القومي الإمام “الصادق المهدي”، ولم يكشف الشعبي تفاصيل مبادرته.. وهل هي تتجاوز توصيات ومقررات مؤتمر الحوار الوطني أم مكملة لها؟ وقبل مناقشة فرص نجاح أو فشل مبادرة الشعبي ثمة سؤال مهم جداً يطرح نفسه، لماذا لم تناقش مبادرة الشعبي حول وقف الحرب وإحلال السلام داخل اجتماعات اللجنة التنسيقية العليا لأحزاب الحوار التي انعقدت مؤخراً؟ وهل المبادرة تمت مناقشتها داخل مجلس الوزراء حتى تصبح مبادرة حكومية؟ أم أن مجلس الوزراء لا يمثِّل المكان المناسب لطرح مثل هذه المبادرات؟ ولماذا ذهب د.”علي الحاج” قبل طرحها على شريك الشعبي في الحكم (المؤتمر الوطني)؟.
{ وقف الحرب وإحلال السلام من القضايا المتفق عليها وسط كل القوى السياسية، ولكن المختلف حوله كيف تتوقف الحرب ومن يدفع ثمن وقف الحرب؟ وهل توصيات مؤتمر الحوار الوطني كفيلة بإقناع حاملي السلاح؟ أم ثمة حاجة لإضافات لتلك التوصيات؟.. الأسئلة تتداعى لمئات الأسئلة والأجوبة غائبة.. ولكن الشخص الوحيد الذي يملك القدرة على الفعل وتحريك ملف السلام الساكن الآن هو الرئيس “البشير” والذي حينما يغيب عن البلاد بسبب زيارة خارجية أو إجازة قصيرة.. (تتجمَّد) الساحة الحكومية.. لذلك كان حرياً بحزب المؤتمر الشعبي وبالأمين العام للحزب د.”علي الحاج محمد” قراءة الواقع بعين فاحصة.. والتوجه بالمبادرة أولاً للرئيس “عمر البشير” الذي بيده الفعل وحده لا شريك له في شأن السلام ووقف الحرب.. إذا وجدت مبادرة الشعبي لوقف الحرب القبول من الرئيس “البشير” فإنها قد تحقق مقاصدها.. ولكن إذا وجدت المبادرة الدعم والسند والقبول من كل أطياف المعارضة التي تحمل السلاح والمعارضة السياسية السلمية التي يمثلها الإمام “الصادق”، ولكن رفضت من قبل الرئيس “البشير” فإنها في هذه الحالة تصبح مجرَّد ورقة علاقات عامة يتناولها المثقفون في جلسات الأنس والعصف الذهني، ولكنها تصبح مثل ورقة اتفاق “نافع.. مالك عقار”
{ الدكتور “علي الحاج” سياسي واقعي له تجارب في الحكم والمعارضة تجعله الأكثر تأهيلاً في تشخيص الواقع وقراءته جيداً، لذلك كان حرياً بدكتور “علي الحاج” السعي أولاً لتنمية إرادة الحل داخل المنظومة الحاكمة وإقناعها بأن القضايا التي حمل البعض من أجلها السلاح لا تزال تنتظر الحل، وإن ضعف الحركات المسلحة اليوم لا يعني بأية حال أن الحرب توقفت وانتهت الأسباب التي دفعت البعض لحمل السلاح، وإن اللحظة الحالية هي الفرصة الأفضل للمفاوضات والحل السياسي النهائي بدلاً من انتظار الجمهور والرهان على رفع العقوبات وحسم القضية عسكرياً، كما يُخيَّل لبعض الناس، لذلك نجاح مبادرة الشعبي مشروطة بقبول الرئيس لها ودعمه وتبنيه لها.. لأنه الفاعل الأول في الساحة ومن بيده كل مفاتيح إطفاء النيران المشتعلة في جسد الوطن منذ سنوات تطاولت.