تجارة البشر خديعة غربية تستنزف موارد البلاد مجاناً
أوراق من شرق السودان 2-2
هل بدأ “أيلا” رحلة العودة والياً على بورتسودان؟
يوسف عبد المنان
بدأت حمى تلك الانتخابات قبل حلولها وخاصة في شرق السودان الذي يشكِّل مع دارفور مناطق ضغط مرتفع جداً نظراً لتأثير السلطة على تشكيل الواقع وتجربة السنوات الأخيرة أفرزت نجوماً في شرق السودان ستظل حاضرة في المسرح الوطني الكبير في الولايات الثلاث، “محمد طاهر أيلا”، في البحر الأحمر والمهندس “إبراهيم محمود” في كسلا و”كرم الله عباس الشيخ” في القضارف، وإذا كان “أيلا” قد تمدد نفوذه في كل السودان فلماذا يعود لبورتسودان ليلعب الدوري المحلي بدلاً من اللعب في دوري المحترفين، ونعني خوض غمار معركة خلافة “البشير” في حال فشلت جهود إقناعه بالترشح مرة أخرى، وإذا “إبراهيم محمود” قد أصبح أكبر من خوض منافسة لمنصب والي في أي ولاية حتى لو كانت ولاية الخرطوم فإن “أيلا” ومجموعته في بورتسودان هم من يسكبون المياه اللزجة تحت أقدام الأخ “علي حامد”، وذلك لإثبات خطأ قرار تعيينه، وفي ذات الوقت فتح أبواب عودة “أيلا” التي يعتبرها البعض مثل عودة الحجاج إلى بغداد ظافراً بعد زيارة عاصمة الدولة الأموية، وكتب فيه “منصور المهدي” قصيدته (عدت وعادت الحياة يا من يعود ظافراً). وتهيئة مناخ عودة طائر الشفق لبورتسودان التي تعتريها مصاعب وعقبات كبيرة أولها الانقسام حول “أيلا” من جهة ومنهج التغيير والتجديد الذي أزاح “علي عثمان” و”نافع” و”كمال عبد اللطيف”، و”عيسى بشرى” من واجهة الجهاز التنفيذي، فكيف يتجنَّب قطار التجديد ولاية البحر الأحمر وحدها، بينما في كسلا تم تحريك خيوط القبلية والعنصرية ليطوِّقون بها عنق السيد “آدم جماع” تحت ذريعة التمثيل غير العادل للمحليات الشمالية التي يسعى الناظر “ترك” لجعلها حاكورة خاصة به وعشيرته، ودون حياء يرددون مزاعم ضعف تمثيل البجة في الوقت الذي يتولى أحد قيادات البجة منصب الرجل الثاني في الولاية، أي رئاسة المجلس التشريعي التي ذهبت لبيت الدين والعلم في همشكوريب، إضافة لوزارة الشؤون الاجتماعية التي تتقلدها ابنة البجا الدكتورة “عائشة سيدي” ورغم ذلك تم رفع قميص “عثمان” لشيء من أجل السلطة والانتخابات القادمة ظناً من هؤلاء أن معركة كسلا تنجب في بورتسودان منصب والي وضغوط اليوم تعطي ثمارها غداً.
ورقة أولى
الاضطراب السياسي الذي تعيشه على الأقل ولايتي البحر الأحمر وكسلا من جهة أخرى والمتمثل في صراع الصقور والديوك حول المقاعد الوزارية لا يمثل كل الحقيقة، وحينما يقاوم رئيس المجلس التشريعي ببورتسودان قرارات المكتب القيادي لحزبه ويعلن التمرُّد على اللوائح ويهدد الوالي ببنادق من ورق؛ فإن الرجل يسند ظهره لقوة خفية يستمد منها أكسجين الصراع ليقاتل حكومة الولاية ويختبر قوة وصلابة القاعدة التي ينطلق منها ورئيس تشريعي البحر الأحمر من المقرَّبين للوالي السابق “محمد طاهر أيلا”، ظل في حالة تعايش مؤقت مع الوالي “علي حامد” انتظاراً ليوم سيأتي بحسابات السياسة، واختبر الرجل بطريقة ذكية قدرة الوالي “علي حامد” على المواجهة من خلال (كمين) وزير الشؤون الاجتماعية السابق “محمد بابكر بريمة” الذي اتخذ المجلس قراراً بإعفائه من منصبه، وهو يعلم أي المجلس التشريعي بأن ذلك القرار موجه للوالي لاكتشاف قدرته على المواجهة. والرسالة الثانية للمركز لاكتشاف مدى تمسكه بشخصيات ينتدبهم للولايات كولاة ووزراء وينافح عنهم، وحقق المخطط الأول نجاحاً إجرائياً بتصويت أغلبية الأعضاء لقرار إعفاء وزير الشؤون الاجتماعية السابق، ولكن الوالي تدخَّل ونافح عن الوزير المحمي مركزياً من الحزب والدولة، وفي الأسبوع الماضي أعفى الوالي الوزير الذي حماه أمس، ولكن حينما هدأت العاصفة وسكت البرلمان اتخذ الوالي قراراً وجد ارتياحاً في أوساط المدينة، إلا أن التغييرات قد وصلت إلى مرقد القط الذي يحتضن صغاره واختار رئيس المجلس التشريعي رفع العصا فوق رأس الوالي الذي ورث الحكم في ولاية بلا مؤسسات، حيث كانت فترة الوالي “أيلا” رغم إنجازاتها الكبيرة، إلا أنها كانت حقبة الرجل الواحد والرؤيا الواحدة حتى غادرها في التعديلات الدستورية الأخيرة التي أبعدت أبناء الولايات عن إدارة شؤون ولاياتهم، ولكن مع انعقاد مؤتمر الحوار الوطني والنص صراحة على انتخاب الولاة مباشرة من الجماهير وأن انتخابات 2020م، هي موعد تلك الانتخابات.
ورقة ثانية
عندما قدمت الولايات المتحدة الأمريكية مشروعاً لمجلس حقوق الإنسان دورة 2015م، ودعت إلى إعادة السودان مرة أخرى لبند المراقبة بعد أن نقلته اتفاقية السلام الشامل من دولة مراقبة دولياً في مجال حقوق الإنسان إلى دولة تستحق المساعدات الفنية ومابين البند الرابع الذي يجعل من يقع تحته مراقباً خاضعاً للتفتيش أن هو أذعن لذلك، وأن رفض يصبح دولة مارقة مثل كوبا وسوريا. أما بند المساعدات الفنية، أي (العاشر) فإنه يضعك في مقام من ينتهك حقوق الإنسان لضعف ثقافة الدولة وأجهزتها بمطلوبات الدولة التي تحترم حقوق شعبها، لذلك يتوجَّب مساعدتها فنياً ويعرف ذلك بالبند العاشر بين هذا وذاك، طالبت أمريكا مجلس حقوق الإنسان بالموافقة على إعادة السودان لملف الرقابة المباشرة بدعاوى وجود انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وبدأت بين الوفد الحكومي الذي يقوده سياسياً الوزير “محمد بشارة دوسة” وفنياً السفير المثقف “عبد الرحمن ضرار” مندوب السودان الدائم في جنيف حينذاك، وفي الغرف المغلقة جرت المساومات بين ثلاث جهات: الحكومة السودانية والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي الذي قدَّم مشروعاً مخففاً لمعاقبة السودان مقارنة بالمشروع الأمريكي، وبين هذا وذاك دخلت قضية تجارة البشر أو الهجرة غير الشرعية في ملفات التفاوض وأثنى الاتحاد الأوروبي على جهود السودان في حرب عصابات البشر بشرق السودان أو حربه على الهجرة ما يؤهل السودان لمرتبة المساعدات الفنية أن هو تعهَّد بالمضي قدماً في الحرب على الهجرة غير الشرعية حتى لا تتضرر أوروبا من المهاجرين الأفارقة العابرين حدود البلاد من الهضبة الإثيوبية والاريترية نحو جنة أوروبا هروباً من الجوع والفقر ونقص الثمرات، ومنذ تلك اللحظة ظل السودان يحارب في شرق السودان الهجرة غير الشرعية، كما يقولون، وتجارة البشر، كما يزعمون، مجاناً عشان خاطر الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وحتى لا قع السودان مرة أخرى في مستنقع التفتيش الدولي لملابسه الداخلية كل عام ما يقعده عن النهوض وظلت الأجهزة الحكومية من شرطة وجهاز أمن وقوات مسلحة تحارب الهجرة إلى أوروبا ومنحت أوروبا حكومتنا حق البطش ومحاكمة المهاجرين نحو أوروبا حتى لا يدنسون أراضيها، لأن مواقف أوروبا بشأن حقوق الإنسان ليست أخلاقية ولا مبدئية، إنما هي مصالح أوروبية متى ما تحققت فهي غير معنية بأخلاقية الوسائل التي اتبعت في الوصول لتلك الأهداف، وظلت الأجهزة الحكومية في شرق السودان تحارب بضراوة الهجرة إلى أوروبا التي يقال إنها غير شرعية مع أن السودان غير معني بشرعية أو لا مشروعية، الهجرة لملايين الشباب الهاربين من بطش حلفاء أمريكا من دول القرن بشعوبهم وينفق السودان سنوياً على حملات التفتيش الأمني والملاحقات من المال ما يكفي لتعمير الشرق وطرد الفقر من درديب وسواكن وأروما، ووجدت أوروبا الاستعمارية دولة تتفق من شح مالها مليارات الدولارات سنوياً خصماً على تنمية أرضه ورفاهية شعبه من أجل أوروبا ورفاهية أوروبا الاستعمارية التي لا تقدِّم أي مساعدات للسودان إلا الوعود الكاذبة بتقديم الدعم من جهة والالتزام برفع العقوبات الاقتصادية عنه والمسؤولين في السودان يصدِّقون ما يقال وأجهزته تحارب المهاجرين وأوروبا، حينما تجد دولة تحارب نيابة عنها بالمجان فإنها ترفض الحل النهائي للقضية بالإنفاق على مشروعات التنمية الحقيقية في القرن الأفريقي تجعل من الحياة ممكنة لهؤلاء الشباب والحلم بالحياة واقعاً، لكن حينما تجعل ولايات الشرق من قضية محاربة الهجرة إلى أوروبا أولى الأولويات فإنها بذلك تهدر إمكانيات البلاد في مشروع غير مشروعها وأولويات أوروبية نقبل عليها دون الحصول على جنيه واحد من أوروبا وما أكثر الوعود الكاذبة في هذا البلد.
ورقة ثالثة
لا يزال منزل الأستاذ “التيجاني سليمان نوح”، أحد أعيان ورموز القضارف هو قبلة أهل المدينة العابرين، وأهل السودان، و”التيجاني سليمان نوح”، لم يقعده المرض ولا يزال مبصراً بقلبه وعقله بعد أن أضعف مرض السكر العيون وحرم الكثيرين من زيارات “التيجاني” لأحبابه وأصدقائه في الوسط الاجتماعي العريض، دلفنا لبيت من الطين والقش والصفيح، لكنه بيت أغنى من كل قصور السلاطين دلفنا إليه في أمسية (الأربعاء) الماضي، مع الزملاء “الصادق الرزيقي” و”الطاهر ساتي” و”صلاح عبد الحفيظ” وكعادة “تيجاني” في جمع الناس من كل طيف ولون لا يحول انتماء سياسي بين “التيجاني” والآخرين، لذلك كان الرجل جسراً بين الإنقاذ والكثير ممن كانوا في صف المعارضين، وجدنا قيادات من النافذين في المؤتمر الوطني والأستاذ “بشير حماد” وزير الثروة الحيوانية وأحد أبرز قيادات حزب الأمة الفيدرالي وانساب الحديث في هجعة الليل عن أوضاع ولاية القضارف، كيف هي الآن؟ ومن هم فرسان الرهان للانتخابات القادمة في حال مضى الحكومة نحو العودة مرة أخرى لانتخاب الولاة من الشعب بدلاً من تعيينهم من القصر إنفاذاً لقرارات مؤتمر الحوار الوطني الذي بدأت الحكومة تنفيذه بجدية ما كانت متوقعة منها؟.
وتباينت المواقف، ولكن الجميع على اتفاق بأن فرص المؤتمر الوطني للفوز بالانتخابات أفضل من غيره، ولكنه لن يحصل على مبتغاه بسهولة ويسر، كما كان يحدث في السابق، وأن أبناء الولايات من قادة الأحزاب الصغيرة التي تسنمت مواقع المسؤولية وشعور كثير من الناس بأن المؤتمر الوطني ليس وحده الحزب الذي يقود القيادات الطامحة لكراسي السلطة، وأن حلفاء الوطني وأصدقائه أن هم تحالفوا معه أكسبوه منعة وقوة وأن تحالفوا ضده أذاقوه العذاب، وكيف للقضارف بمكوناتها الاجتماعية الاتفاق على فرس رهان يجنبه المزالق؟ والقضارف يعتبر مكوِّن غرب السودان من المساليت والفلاتة والهوسا والفور من أكبر المكونات الاجتماعية ومن حيث العدد يمثل هؤلاء رقم انتخابي يصعب فوز أي مرشح لا يحظى بسند هذه المجموعة التي تعاني من نقاط ضعف عديدة، أولها أنهم عُمَّال في المشاريع الزراعية لا تسندهم قاعدة اقتصادية قادرة على دفع تكاليف الاستحقاق الانتخابي، والمجموعة الثانية ذات التأثير قبائل البني عامر الناشطين في التجارة والمال، وقد أصبحوا الآن القوة الاقتصادية الثانية بعد مكوِّن الجلابة التقليديين ومصدر قوة هؤلاء في قدرتهم على التحالف لإدارة مصالحهم والمجموعة الثالثة هم: الشكرية برمزيتهم التاريخية، ولكن نقطة ضعفهم أن الشكرية بدأوا في الأرياف والبطانة وخشم القربة مع أبناء عمومتهم من اللحويين وجميعهم في الأطراف الشيء الذي يضعف تأثيرهم على المركز بطبيعة الحال، ثم هناك الجلابة من الرأسمالية التي بنت القضارف بالكد والكدح والأرق والسهر والتجارة، والجلابة ليسوا مجموعة عرقية واحدة كما يبدو البعض ذلك، ولكنهم طبقة اجتماعية من الأثرياء القادرين على فعل الكثير مثل سكان حي أبايو في القضارف الذين شيَّدوا المدارس والمستشفيات ودفعوا ثمن خدمات الماء والكهرباء من مدخراتهم هؤلاء قادرين على الفوز في الانتخابات وتأثير وضعهم المالي يعتبر عاملاً مهماً وليس حاسماً في أي انتخابات بولاية مثل القضارف، ولكن من الأسماء في الساحة السياسية الأقرب لنفوس الناس؟
تأتي الإجابة دون تردد أنه “كرم الله عباس الشيخ” الذي له تجربة سابقة انتهت للفشل بسبب تصادم رؤى ومواقف الرجل مع السلطة المركزية التي ضاقت من تمرده على التنظيم وانحيازه بصورة سافرة للمواطنين وأجنداتهم المحلية، وإذا كان “كرم الله عباس” محبوب شعبياً فإنه في ذات مبغض مركزياً، وثاني الأسماء التي يجمع أهل القضارف على أنها تستطيع تجنيب المؤتمر الوطني السقوط في طين القضارف اللزج هو “ياسر يوسف”، وزير الدولة بالإعلام ونائب الدائرة الذي خدم المدينة وهو من جهة تنحدر أصوله وجذوره من الفولاني أكبر المجموعات القبلية في السودان، وفي ذات الوقت من القيادات شديدة الالتزام تنظيمياً إلى حد التأثير على شخصيته وكينونته كفرد، ولكن نقطة ضعفه في انغماسه في تشعبات المركز وتناقضاته وصراعاته ومراكز قوته الطامحة للاستئثار بكل شيء دون أن يدفع أي شيء، وربما يقدم البعض معتمد القضارف “الطيب الأمين” صاحب العطاء الكبير والحضور السياسي والتنفيذي، وهو شاب قادر على العطاء لسنوات وهو يجمع بين أصوله البدوية ووجوده الحضري، ولكن السؤال هل المركز مستعد للتنازل عن مكاسبه من التعيين لصالح أطراف لا يثق فيها حتى ولو خرج مرشحيها لمنصب الوالي ما بين لحم الحزب وفرث التنظيم؟.
ورقة رابعة
واحدة من القضايا المهمة في شرق السودان قضية النزاع الحدودي حول الأراضي الزراعية الخصبة في الفشقة السودانية التي تسعي إثيوبيا لزراعتها عن طريق البيع الإيجاري والزراعة بوضع اليد والتمدد الناعم ولم تفلح اللجان الولائية بين القضارف وإقليم الأمهرا أكثر الأقاليم الإثيوبية كثافة مقابل محلية الفشقة أضعف المحليات سكاناً وقضية الفشقة لا يمكن حلها إلا وفق اتفاق بين حكومتي المركز في الخرطوم وأديس أبابا، وليس من خلال اللجان الولائية التي لا تملك إرادة البت في قضايا طبيعتها مركزية في كل يوم يمر تدخل القضية في نفق أكثر ظلاماً.