مسامرات
“ندى” وجدل الهوية
محمد إبراهيم الحاج
{ المطربة “ندى القلعة” كتبت في صفحتها على (فيسبوك) أنها تطلب من جمهورها أن يسقط عنها لقب (سيدة الغناء العربي)، مشيرة إلى أنها تفتخر بلقب (الكنداكة) أو (مهيرة السودان) أكثر من أي لقب آخر، لافتة إلى أن الأمر له علاقة بانتمائها للسودان.. وفي ذات اليوم بعثت إلينا برسالة غاضبة للغاية تستنكر إساءات مواطن سعودي لطبيب سوداني بالمملكة العربية السعودية، وجهرت من خلالها بفخر انتمائها لأفريقيا وللسودان وللسحنة (الزرقاء).
{ “ندى القلعة” تحرص على التواصل مع محيطها الأفريقي أكثر من العربي.. وتشارك بصورة شبه دائمة في المناسبات الأفريقية، إلى حد أنها أصبحت أحد العناصر المهمة في الحملة الانتخابية التشادية.
{ تتبدى قسمات “ندى” ندية وهي تخالط القبائل السودانية في كادوقلي وكسلا والأبيض والشمالية.
{ تبدو أكثر اغتباطاً وهي تخالط وتنشر ربما بقصد أو بغير قصد منها ثقافة سلوكية كانت بعيدة تماماً عن أغلب مطربينا مؤخراً.. هذه الثقافة التي تنشر التسامح وتُعلي قيم الفنون والانصهار الكبير بين المكونات الإثنية الثقافية السودانية التي ظل بعضها يعاني من التهميش والإقصاء.
{ هي الآن تلعب دوراً مهماً- بقصد منها أو بدونه أيضاً- في عملية انصهار مجتمعي سوداني.. يُبرز الثقافة الأفريقية الأصيلة التي للأسف يتنكر لها بعض المطربين ويحاولون الارتماء بلزوجة في حضن الثقافة العربية (الوافدة) التي تنكرنا.
{ “ندى القلعة” كانت أكثر وعياً ربما من كثير من المستنيرين والنخب حين أعلنت فخرها وعزتها بالانتماء لأعرق الثقافات على وجه الأرض.
{ أدركت “ندى” أننا شعب صاحب ثقافة ضاربة في العمق الإنساني.. نوبة.. زنوج.. بجا.. رطانة… وإننا نملك ما يمكن أن نفاخر به من حضارات.
{ “ندى” أثارت قضية الهوية السودانية وانحازت إلى عمق الأرض وتاريخها.
{ “ندى القلعة” أصبحت أكثر نضوجاً من ذي قبل، وأكثر وعياً.
{ اعتداد “ندى” بسودانيتها وأفريقيتها.. وبسحنتها وثقافتها الضاربة في الجذور، ظهر في رحلاتها الفنية إلى جنوب السودان وتشاد وأفريقيا الوسطى وغيرها من الدول الأفريقية.
{ في الوقت الذي نرى كثيرون يكسرون رقابهم للمشاركة في المسابقات العربية (فارغة المحتوى والمضمون) ونطرب حد الاحتفاء بأي إطراء يصلنا من أحدهم، ونتناقله بنشوة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بزهو شديد وكأننا أمة يهزها طرب الثناء.
{ “ندى” ربما أرسلت رسالة إلى أولئك المرتمين في حضن الثقافات العربية، مفادها أن التمسك بهويتنا يقودنا إلى عزة وكرامة واعتداد بهويتنا.. لأننا الأقدم والأكثر حضارة والأقدر.
{ السودان بلد بحجم وإمكانات قارة.. فهو عظيم بتنوعه وتباينه وثقافاته المحلية وعمقه التاريخي وسهوله الممتدة على مرمى البصر.. هذه هي هويتنا التي ربما أرادت “ندى” التنبيه لها.. حضارة غير مبتسرة ولا مصنوعة، بل تخلقت هكذا فطرياً.. دون إملاء أو محاولة لتغيير جلدها.
{ المبدعون والفنانون هم لسان حال أية أمة.. وعندما يدرك مبدعوها جواهر أمتهم ويعبرون عنها شعراً أو غناءً أو مسرحاً فإنهم بذلك يقومون بدورهم التاريخي.
{ شكراً “ندى” لغضبتك السودانية.. والرسالة في بريد مبدعين آخرين.
} مسامرة أخيرة
{ صمت تام وبيات (موسمي) تعيشه الدراما السودانية هذه الأيام، لا نسمع خبراً لأي إنتاج درامي يمكن أن يساهم في إحداث حالة من التراكم الإيجابي للحركة الدرامية.. وهو أمر ظللنا نطرق عليه بشدة حتى لا تحدث حالة (قطيعة) بين موسم الإنتاج الدرامي في رمضان وبقية شهور السنة.
{ لا يعقل أن يشارك شخص (يمتهن التمثيل) ويتخذه وسيلة للعيش سوى في عمل واحد طوال أيام السنة.. ونعلم الأجر الزهيد الذي يتقاضاه الممثل لدينا والذي ربما لا يكفي منصرفاته اليومية.
{ إذا استمرأنا هذا التكاسل والتراخي في تقوية إحدى أدوات الإبداع المهمة وإهمال الممثلين نخشى أن يفارق الدراميون هذه المهنة.. ولا نجد ذات صباح ممثلاً واحداً.
{ ضعف الحركة الدرامية وموسميتها أمر يؤشر بوضوح إلى أننا لا نمنح الفنون بأنواعها ما تستحقه.. وبالتالي ما ننتظره منها.