تقارير

هل آن الأوان لإقصاء "كير" و"مشار" من المشهد السياسي لصالح وضع انتقالي؟

المجتمع الدولي في سباق مع الكارثة الإنسانية التي ينذر بها الوضع في جنوب السودان
تقرير ــ محمد جمال قندول
يبدو أن الأزمة بالدولة الوليدة جنوب السودان ما بين الرئيس “سلفا كير” ومعارضيه خاصة د. “رياك مشار” باتت عصية على المجتمع الدولي، وعلى قدرته في الوصول إلى عملية توافقية تضمن سلاماً مستداماً لـشعب أنهكته الحرب الدائرة ما بين “كير” و”مشار” منذ سنوات التي راح ضحيتها الآلاف من المواطنين الأبرياء.
وعلى ما يبدو فإن الوصول إلى تسوية سياسية بين فرقاء الجنوب بقبائلهم وأعراقهم المتنوعة بات في حكم الغيب وأقرب للمستحيل، لكون المتخاصمين لديهم تقاطعات فيما يخص الآراء والأفكار، وكيفية الحكم في الوقت الذي تنذر فيه الأوضاع داخل الجنوب بكارثة   إنسانية تتطلب عاجلاً ضرورة العمل للوصول إلى سلام تفادياً لتفاقم الوضع في سيناريوهات أسوأ.
(المجهر) سلطت الضوء في التقرير التالي على الأوضاع بالدولة الوليدة وكيفية الوصول إلى حلول خلال الفترة المقبلة.
{ توافق سياسي
حسب مصدر من داخل الاتحاد الأفريقي، تحدث إلى (المجهر)، فإن هنالك اتجاهاً من الدول العظمي والمجتمع الدولي لإجبار “سلفا كير” على التنحي وإبعاد “مشار”، وترتيب فترة انتقالية. ويضيف المصدر إن هنالك دولاً عرضت على “ربيكا قرنق” أن تتولى الفترة الانتقالية غير أن “لام أكول” و”باقان أموم” رفضا ترشيحها، وخيار إبعاد “سلفا” مطروح لكن لم يتخذ فيه بعد قرار نهائي.. لكن هنالك دولاً تضغط بشدة لإبعاده، في حين ترى دولتا كينيا ويوغندا ضرورة العمل للوصول إلى اتفاق سياسي.
الصحفي المتخصص بشؤون دولة الجنوب “المثنى عبد القادر”، يتوقع إقصاء الطرفين من المشهد السياسي، ويضيف إن المجتمع الدولي قد يتجه لإبعاد دول “إيقاد” عن عملية السلام، وذلك للانقسام التي تشهده هذه الدول بحيث تعمل كل دولة حسب مصالحها فيما يخص التفاوض، وهو ما أشار إليه المبعوث الأمريكي السابق لدولتي الجنوب وشمال السودان “دونالد بوث” خلال شهادته لمركز “تشام هاوس” في لندن. وهذا الانقسام سيعني سحب ملف الجنوب من دول “إيقاد”، وأن يكون فقط بيد الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة.
ويضيف “المثنى” إن هذا السيناريو لو طُبّق فإن حرب الجنوب لن تنتهي وستتحول إلى صراع دول عظمى تتحكم في مصيره بعد أن كان صراع دول إقليمية، الأمر الذي يجعلها شبيهة بما يحدث بدولة سوريا.
الناشط السياسي د. “صلاح البندر” بدوره علق لــ(المجهر) وقال إن فكرة تنحي “سلفا كير” وإبعاد “مشار” مطروحة منذ فترة ليست بالقصيرة، لكن ما من أحد يستطيع فرضها على الجنوب- على حد تعبيره. فيما يرى عضو وفد التفاوض والقطاع السياسي بالمؤتمر الوطني د. “حسين كرشوم” أن هنالك تحضيرات وسيناريوهات متعددة تتسابق للسيطرة على المشهد السياسي بجوبا. ويضيف بالقول: (هذا السيناريو ضالع فيه بعض الدول الغربية، وقد أعدت العدة لأن يتم تغيير كامل، بجانب أن هنالك مبادرة إقليمية تشارك فيها كينيا ويوغندا، تسعى لتحقيق وفاق سياسي، إنفاذاً لاتفاقية السلام، والاتحاد الأفريقي لا يهمه من يحكم، لكنه يهتم للسلام، ويمتص الآثار السالبة لهذا الصراع المسلح).
“كرشوم” أشار إلى أن إبعاد “سلفا كير” سيكون له أثر مباشر على الحركات المسلحة السودانية، وعملية السلام بداخلها. وقال: (السلام مربوط بالتحولات الإقليمية والدولية، والآن تحدث تحولات كبيرة بالجنوب)
{ انحياز دول لـ”سلفا”
وحسب المحلل والكاتب الصحفي “عبد الله رزق” فإن اتفاقية السلام التي وقعت بين “سلفا” و”مشار” في أديس من قبل كانت محاولة مخلصة من دول “إيقاد” لوضع نهاية للحرب في وقت مبكر، وإن كان الاتفاق قد تم بعد عام تقريباً من اندلاع القتال وذلك لوجود عقبات كانت تحول دون التوصل إلى الاتفاق، وفي مقدمتها وجود أطراف داخل مجموعة “إيقاد” غير محايدة تجاه الحرب الأهلية بالدولة الوليدة.
ويضيف “رزق” قائلاً: (يوغندا على وجه التحديد كانت منحازة للرئيس سلفا كير وأرسلت قواتها لتحارب إلى جانبه، مما وسع دائرة الحرب  وحولها من نزاع داخلي إلى ما يشبه الحرب الإقليمية).
ويستبعد “رزق” أن ينجح الاتحاد الأفريقي في إقصاء “سلفا كير” من المشهد، وذلك لأن الرئيس الجنوب سوداني يحظى بدعم ومساندة من دول مجاورة، خاصة يوغندا التي لها قوات تحمي نظام “كير” وتدافع عنه. وقد عرقلت هذه البلدان إنفاذ (اتفاق أغسطس)، إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية التي جهدت في الفترة الماضية في تحييد “مشار” والأطراف الداعمة له لصالح “كير”.
فيما أشارت مستشار الرئيس اليوغندي “نجوى قدح الدم” في حديثها لـ(المجهر) إلى أن الرئيس “سلفا كير” طلب من الرئيس “موسفيني” التدخل، وكان ذلك أثناء حضوره تدشين الحوار الجنوبي- الجنوبي.
وتواصل حديثها، وتقول: (موسفيني أجرى عدة حوارات مع “سلفا كير” و”دينق ألور” و”ربيكا قرنق” وآخرين ولا زال مكتب الرئيس يتواصل مع “لام أكول” ود. “رياك مشار”، وقد صبت الاجتماعات في توحيد الحركة الشعبية جناح الجنوب، وقد أكد “لام أكول” أنه ليس جزءاً من الحركة الشعبية، لكنه موافق على أي مبادرة من السيد الرئيس “موسفيني” في إطار تحليل الأزمة الجنوبية والمساعدة في حلها لأنه جزء لا يتجزأ من ذلك).
وتوضح “نجوى” أن تغيير “سلفا كير” في الوقت الحالي ربما لا يجدي كثيراً، لكن إذا وجد حل توافقي بين الفرقاء يكون أفضل، وتشير إلى أنه من الأفضل أن ترجع حكومة الجنوب إلى اتفاقية 2015 التي وقعت في تنزانيا، ويتم تنفيذها على أرض الواقع بحيث تكون هنالك مساحات لكل الأطراف، ويتم فيها النظر بعين الاعتبار في مسائل الجيش والأمن، بحيث يضم كل القبائل، الأمر الذي قد ينفي الحاجة للمراقبة الإقليمية ويتيح الفرصة لانتخابات سلمية في 2018، الأمر الذي يتوجب من دولة يوغندا لعب دور إيجابي كبير جداً، كما تقوم به الآن يوغندا ودولة السودان مع مساعدة الأطراف الأخرى من “إيقاد”. وتعتقد أن الأزمة بالدولة الوليدة هي أزمة أشخاص في المقام الأول، قبل أن تكون أزمة في المفاهيم في كيفية الإدارة.. وللأسف انتقلت من الأفراد إلى القبائل الأمر الذي خلّف هذه الكارثة.
وحسب “نجوى” فإن عملية السلام تتطلب وجود د. “رياك مشار” ومشاركته الفاعلة في تفكيك الأزمة بجانب “لام أكول” والحركة الشعبية بمختلف أطرافها داخل الجنوب، والجلوس إلى مائدة الحوار بكل صراحة وشفافية، وإيجاد الحلول المرضية فيما بينهم.. والحوار الجنوبي- الجنوبي، كما دعونا إليه سابقاً قبل الانفصال في عهد د. “جون قرنق”، له أهمية قصوى الآن ويجب أن يباشر الرؤساء وعلى رأسهم “البشير” و”موسفيني” و”كينياتا” و”ديسالين” وغيرهم، بالحوار مع المعارضة وحاملي السلاح، بجانب الحكومة متمثلة بـ”سلفا كير”، والعمل على إيجاد آلية تجمعهم في طاولة حوار مفتوح.
وتختتم “نجوى” إفاداتها وتقول: (موسفيني وضع أساساً قبل شهر لتجميع الحركة الشعبية بكل أطرافها، والوصول إلى اتفاق وتسامح.. والآن يجب أن تنتقل من هذه النقطة).
{ خطأ “سلفا كير”
الخبير السياسي البروفيسور “حسن الساعوري” بدوره علق لــ(المجهر) بأن هنالك رأياً يقول إن حل المشكلة بالجنوب يتطلب إقصاء الطرفين “سلفا كير” و”مشار”، لكن لكل قوته وتأمينه، وهذا الحل لا يطبّق إلا طواعية وليس بالقوة باعتبار أن الرجلين يمتلكان من القوة ما يكفي.
ويضيف “الساعوري” إن دول “إيقاد” اعترفت بخطأ “سلفا كير” فيما يخص بنود الاتفاقية مع “مشار”، وشاهدت المذابح العنصرية التي تمت بين “الدينكا” و”النوير”، ولو أرادوا أن يقصوا الطرفين عليهم بالعمل المكثف داخل المعسكرين، كل معسكر على حدة، لإقصاء زعيمه بأي طريقة.
ويواصل “الساعوري” حديثه، ويقول إن المعركة لم تعد سلطة فقط وإنما باتت سلطة وثروة ومن يستطيع أخذ مناطق البترول وتأمينها يكون في موقف أفضل من الآخر، وكما هو معلوم فإن المجتمع الدولي أحجم عن تمويل هذه الدولة الوليدة مما جعل الصراع يحتدم حول موارد البترول، في الوقت التي ابتعدت فيه دول الجوار عن المشهد.. وتوقع “الساعوري” أن يتخذ مجلس الأمن الدولي قراراً بزيادة القوات الأفريقية داخل الدولة الوليدة ودعمها لتأمين المجتمع الجنوبي، ثم شيئاً فشيئاً يمكن أن يفكر في إزاحة الطرفين، ويضيف: (القضية الآن ليست في ذهاب سلفا أو مشار فقط، وإنما هنالك مشاكل أخرى مثل مجموعات أخرى، وأعني لام أكول ومجموعته وباقان وغيرهما، مما يتطلب أن يكون البحث عن السلام شاملاً يستوعب كل الأطراف.. وبمعنى آخر: لابد أن يتخلى سلفا كير عن حزبه الحركة الشعبية، لأنها الآن أضحت منحازة ويجب تسميتها باسم آخر).
ويقول مراقبون سياسيون إن الوضع بدولة الجنوب سيقود إلى كارثة إنسانية إذا لم يتدارك المجتمع الدولي الأمر، ويحث جميع الأطراف المتناحرة على الوصول إلى سلام مع حث دول الجوار على لعب دور أكبر في إنجازه على أرض الواقع.ز ويشير المراقبون إلى أن الرئيسين “البشير” و”ديسالين” خلال زيارة الأخير إلى الخرطوم قبل أيام تطرقا إلى ملف الجنوب، وأكدا ضرورة العمل للوصول إلى السلام في الدولة الوليدة، مع الإشارة إلى أن اشتعال الحرب بالجنوب يعني تدفق المزيد من اللاجئين إلى الدول المجاورة.
وحسب المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة، فإن عدد اللاجئين من جنوب السودان في دولة يوغندا تجاوز الآن مليون شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وسط دعوات إلى تقديم المزيد من الدعم العاجل.
وقالت المفوضية في بيان أصدرته، (الخميس)، إن على مدى الاثني عشر شهراً الماضية وصل متوسط عدد اللاجئين من جنوب السودان إلى (1800) شخص يومياً، بالإضافة إلى هذا العدد فإن هناك مليوناً أو أكثر من لاجئي جنوب السودان يستضيفهم السودان وإثيوبيا وكينيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية أفريقيا الوسطى، ووفقاً لمفوضية الأمم المتحدة، فإن أكثر من (85%) من اللاجئين الذين وصلوا يوغندا هم من النساء والأطفال دون سن (18).

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية