المشهد السياسي
“فاطمة أحمد إبراهيم” قامة وتستحق
موسى يعقوب
في بداية هذا الأسبوع رحلت في العاصمة البريطانية (لندن) الأستاذة “فاطمة أحمد إبراهيم” في عمر ناهز الرابعة والثمانين.. وتركت خلفها الكثير. مما يذكر – عليها الرحمة – وتستحق التقدير والعرفان على كل العصور والمستويات الرسمية والشعبية، فقد كانت الراحلة سياسية مناضلة وصاحبة مبادرات وأدوار يشار إليها محلياً وعالمياً، فهي أول نائبة برلمانية بعد ثورة أكتوبر 1964م، وأول الديمقراطية الثانية، عن الحزب الشيوعي السوداني، وكانت قبل ذلك معلمة وصاحبة إصدارة ثقافية (مجلة المرأة).. وسبق ذلك كله نضالها ومنافحتها للمستعمر وهي طالبة في المرحلة الوسطى والثانوية، فقد قادت الإضرابات والاحتجاجات.. وشاركت أخريات سودانيات في تأسيس الاتحاد النسائي الذي صارت من زعاماته وزعامات الحزب الشيوعي السوداني البارزة.
الراحلة “فاطمة” عليها الرحمة – ويقول البعض أنها “فاطمة السمحة” جعلتها سيرتها وسيرة أسرتها وشقيقها الشاعر الراحل “صلاح أحمد إبراهيم” ووالدها الشيخ المعلم “أحمد إبراهيم” رجل الدعوة والإرشاد وزوجها الراحل “الشفيع أحمد الشيخ” زعيم اتحاد العمال والرمز الشيوعي البارز، من السودانيين الذين يجدون احترامهم وتقديرهم عند الجميع، فانتماؤها للحزب الشيوعي لم يحرمها من الاحترام والتقدير الواجب عند رحيلها.
لقد جاء في الصحف عن السيد رئيس الجمهورية عند بلوغه الخبر أن الدولة ستتكفل لنقل جثمان الراحلة من لندن وتدثيره بالعلم والإجراءات الأخرى الرسمية وهو يوارى الثرى بحضور سائر الرموز والمسؤولين والمواطنين.. لأن الراحلة سودانية تستحق بحكم نشاطها وهي على قيد الحياة.
وفي ذات السياق أصدر المجلس الوطني (البرلمان) نعيه واحتسابه للراحلة “فاطمة أحمد إبراهيم” أول نائبة برلمانية سودانية لها عطاؤها.. وكذلك فعل اتحاد المرأة تقديراً ووفاءً وكتبت “رجاء حسن خليفة” أمين عام الاتحاد العام للمرأة السودانية السابق.
“فاطمة أحمد إبراهيم” ليست حكراً لجهة بعينها وإن كان الحزب الشيوعي السوداني وطائفة اليسار بشكل عام قد حاولوا ذلك، بل تسييسه كما ظهر ذلك في لقاء صحفي مع الأستاذ “كمال الجزولي” الذي رفض فكرة إعطاء الراحلة حقها كرمز سوداني وتشريعي من قبل الدولة.
أن تسييس هذه المواقف ليس بالمقبول وقد حسمه الراحل “محمد إبراهيم نقد” الذي أطلقت عليه يومئذ (إمام الوسطية الماركسية)، وأنا أخلد ذكراه في كتابي (الراحلون).. فقد كانت وصية “نقد” قبل رحيله بأن يصلي عليه عند الدفن شيخ الطريقة الإدريسية، وقد فعل بالفعل رغم حرص البعض على القيام بذلك.
مهما يكن من أمر فإن صباح اليوم (الأربعاء)، ستشهد مدافن البكري بأم درمان مواراة جثمان الراحلة “فاطمة أحمد إبراهيم” الثرى، حيث سبقها إلى هناك أخوها “صلاح أحمد إبراهيم” وربما والدها وغيره من الأسرة.. وذلك تقليد سوداني معروف ومعلوم.
ولا بد أن نذكر هنا، أيضاً، أن الإعلام السوداني بصحفه وفضائياته وإذاعاته لم يقصِّر في تخليد ذكرى الراحلة “فاطمة” تاريخياً وسياسياً وفكرياً وإنجازاً.. ونزولاً على ذلك وتبعاً فإن مقابر “البكري” بأم درمان.. وأم درمان بكاملها لن تخلو من التدافع في التشييع والوداع الأخير لـ”فاطمة” (السمحة) ذات التاريخ والنضال والإسهام في كافة المناشط السياسية والتشريعية والاجتماعية والثقافية والتعليمية.
ألا رحمها الله وتقبَّلها وأحسن إليها وألزم آلها وذويها الصبر.. والعزاء للجميع في هذا الفقد الكبير والجلل.