حقيقة الصراع بين الليبراليين والجهاديين في المؤتمر الوطني
ألقى “عبد الغني أحمد إدريس” أحد الكوادر الشابة في حزب المؤتمر الوطني– الحاكم حجراً كبيراً في بركة مياه الوطني، التي كلما وصلت مؤخراً إلى حالة من السكون يقوم أحد ما بإلقاء حجر آخر ليعكر مزاج الكثيرين! وهذه المرة كشف “إدريس”– من دون أشياء أخرى- من خلال كتاب أصدره من لندن حيث يقيم، عن وجود تيارين شبابيين يتصارعان داخل الحزب، أحدهما يصفه بالتيار المتشدد الذي يقول إنه يعتقد (أن الحزب فارق معتقداته الفكرية ومرجعيته الإسلامية). ويرى “إدريس” الذي تربطه صلة المصاهرة مع القيادي البارز بالحزب الدكتور “غازي صلاح الدين”، أن هذه الفئة لها سطوة كبيرة داخل الحزب الحاكم، وأنها تقف وراء المذكرة التي عرفت إعلامياً بـ(مذكرة الألف أخ)، التي اكتسبت شهرة واسعة وردود فعل متابينة من داخل الحزب بمن فيهم رئيس الحزب نفسه, رئيس الجمهورية. ووفقاً لمؤلف الكتاب فإن الفئة التي وصفها بالمجاهدة فقدت الثقة في القيادات الحالية، وطالبت عبر أكثر من وسيلة بذهابها والإتيان بقيادات جديدة تروي دماء الحزب وتجدده باستمرار. أما التيار الأخر في الوطني- حسب “إدريس”- فهو تيار تقوده قيادات منفتحة وليبرالية وتستأثر بمعظم الوظائف العليا في الدولة والحزب, وهي التي وقفت وساندت اتفاقية السلام الشامل الموقّعة مع الحركة الشعبية لتحرير السودان في العام 2005م. والأكثر من ذلك، يرى مؤلف الكتاب أن القيادات في الجناح المنفتح لا تتيح الفرصة للشباب الثائر بتقلد المناصب الكبيرة في الحزب، وتضع العراقيل أمام تدرجهم الطبيعي في سلم الصعود داخل منظومة الوطني. وذهب إلى أكثر من ذلك عندما سمى أسماء بعينها تقوم بهذا الدور، وهو (تيار نيفاشا)، وبالتالي يمكن استنتاج أسماء كثيرة تشمل النائب الأول لرئيس الجمهورية ومهندس اتفاقية السلام “علي عثمان محمد طه”، والوزير برئاسة الجمهورية “إدريس محمد عبد القادر”، ومدير مركز الدراسات الإستراتيجية “سيّد الخطيب”، والوزير برئاسة الجمهورية “أمين حسن عمر”، والوزير بمجلس الوزراء “محمد المختار” وغيرهم من القيادات.
ويعضد “عمار السجاد”، وهو أحد القيادات من فئة (المجاهدين)، وجود فرضية نزاع بين هذين التيارين داخل أروقة المؤتمر الوطني، وقال خلال اتصال هاتفي مع (المجهر) يوم أمس: (نعم هنالك تيار رفض داخل شباب الإسلاميين عموماً وداخل المؤتمر الوطني خصوصاً بعد أن تحول الحزب إلى مجرد مرتع للمنتفعين)، وتابع قائلاً: (المؤتمر الوطني اليوم بلا مرجعية فكرية أو منهجية أو فقهية، وتحول إلى حزب حاكم شأنه شأن بقية الأحزاب الحاكمة في بقية أنحاء العالم). وأضاف وهو يتحدث بانفعال: (الآن لا وجود للشباب المجاهدين المخلصين داخل الوطني, وإنما مجموعة من النفعيين يأتمرون بأمر القيادات وينتهون بنهيها، ولا يمكن لهم أن يفعلوا شيئاً في ظل هذه الأوضاع والقيود المفروضة عليهم). غير أن القيادي بالحزب البروفيسور “إبراهيم أحمد عمر” يعدّ المؤتمر الوطني هو الواجهة السياسية للحركة الإسلامية التي ينتمي إليها الإسلاميون، وقال خلال مؤتمر صحافي الأسبوع الماضي: (المؤتمر الوطني لم يفقد مرجعيته الفكرية ولا المرجعية، وهو واجهة سياسية للحركة الإسلامية). وفي المقابل لا يرى القيادي السابق في المؤتمر الوطني “أمين بناني” وجود أية مرجعية فكرية أو سياسية تقود المؤتمر الوطني، وقال خلال حوار نُشر في وقت سابق في (المجهر) إن الوطني ومنذ مجيئه ظل يداري خلافاته الداخلية، وأوضح بالقول: (عندما قامت الإنقاذ ضاعت الحركة الإسلامية وانعكست الأمراض في السلطة التي يتولاها المؤتمر الوطني، وحالياً ليس لها دور واضح، ومن أكبر أخطائها أنها رهنت مشروعها في السلطة, وبالتالي بدأ الناس يتطلعون إلى السلطة من أجل تمرير فوائدهم الشخصية والقبلية). وباتت كل محاولاتنا بالاتصال بالقيادات الشابّة في المؤتمر الوطني للرد على ما ساقه المؤلف بالفشل، إما بسبب عدم رد بعضهم على المكالمات عبر هواتفهم النقالة أو اعتذار البعض الآخر بأعذار متخلفة، من بينها عدم الرغبة في مثل هذا الحديث أو الانشغال بالاجتماع.
في الشهر الماضي, كشفت (المجهر) عن دعوات وتجمعات لشباب (مجاهدين) ناقمين على الحال التي وصل إليها الإسلاميون خاصة في الحزب الحاكم، وتواصل هؤلاء الشباب في عدة اجتماعات حتى وصل الأمر بهم إلى تكوين حزب جديد يلبي طموحاتهم ويفتح الطريق أمام تنفيذ رغباتهم، ولقي هذا المقترح استحساناً من أغلبيتهم, غير أنهم لاحقاً عدلوا عن الفكرة بعد ضغوط تعرضوا لها، حسب مصادر تحدثت إلى (المجهر)، واكتفوا بتكوين لجنة إدارية ينحصر دورها في فتح أبواب الحوار وتجميع الآراء وصياغة المخرجات؛ وصولاً لرؤية جامعة تُطرح كمبادرة لوحدة المجاهدين وصلاح مسيرة البلاد ونهضتها. وذكرت، اللجنة، في بيان صحفي، صادر عنها: (ظلت اللجنة في انعقاد دائم منذ شهر شعبان نتجت عنه لقاءات غير مسبوقة أحدثت تحولاً كبيراً في العلاقات بين أبناء الحركة الإسلامية والمجاهدين الذين فرقتهم فتنة الخلاف. وقد بدا بعد مرور أكثر من عقد على ذلك أنه لابد من المراجعة والتصحيح ومعاودة الانطلاق تأسيساً على عبرة التجربة بعقل وقلب مفتوحين). وأضاف البيان: (ولا تزال المداولات ماضية نحو أهدافها في خطاب مجاهدي الحركة الإسلامية بشقيها سعياً للإصلاح ونهضة البلاد التي تقوم على الحقائق المجردة، بعيداً عن الوصاية من أحد أو التحامل عليه، وبعد مضي أكثر من شهرين على بداية عمل اللجنة، فإننا نؤكد للجميع بأن المبادرة تتكامل نحو تمامها بخطى حثيثة).
ويعتقد “عبد الوهاب الأفندي” الأكاديمي الإسلامي البارز الذي يقيم في لندن أيضاً, أن وجود هذا التيار الرافض داخل الحزب الحاكم سيغير الأحوال بداخله، ولن يظل الحزب بطبيعته الحالية. وتوقع خلال مقالة له منشورة بصحيفة (القدس العربي) أن يصل هذا التغير لدرجة الصدام بين هذه التيارات ما لم تحدث معجزة أو مفاجأة. لكنه عاد واستدرك قائلاً إن القيادات المتنفّذة داخل الحزب لن تقف مكتوفة الأيدي حيال هذه الأصوات الجديدة التي تمثل خطراً، وصفه بالأخطر من عملية الانشقاق بين الإسلاميين في العام 1999م، لأن ذلك الانشقاق كان بسبب السلطة, أما مطالب الشباب فهي مرتبطة ببنية الحزب والتغيير الجذري فيه. وأوضح “الأفندي” الذي كتب أيضاً كتاباً شهيراً وشبيهاً بالذي ألّفه “إدريس” وسمّاه (الثورة والإصلاح السياسي في السودان)، أن قيادات الوطني ربما تعمد إلى شق صفوف الشباب الثائر عن طريق الاستجابة لبعض المطالب واستقطاب بعض هذه القيادات.