النداء الأخير
قبل صعود الركاب للطائرة توجِّه سلطات المطارات نداءات تحدِّد وجهة الطائرة ورقم البوابة وزمن الإقلاع.. من يتباطأ الخطى في الصعود للطائرة بعد النداء الأخير فإنه حتماً سيصبح من المتخلِّفين عن الرحلة، وعليه دفع غرامة مالية والبحث عن حجز جديد على ذات الخطوط التي (فاتته).
استمعت أمس، عبر الإذاعة لخطاب رئيس الجمهورية من كادقلي بعد طول غياب لـ”البشير” عن تلك الولاية المنكوبة بالحرب، واتسم حديث الرئيس بالمضي قدماً نحو مد يد السلام للمتمردين والتأكيد على أن خدمات الكهرباء من خلال الشبكة القومية ستمتد من الدلنج جنوباً حتى كادقلي.. وكذلك الشبكة الدائرية من أم روابة حتى رشاد وأبو جبيهة، ودعا والي جنوب كردفان اللواء “عيسى آدم أبكر”، “عبد العزيز آدم الحلو” لإلقاء السلاح والاختيار ما بين منصب الوالي إن كانت قضية منصب الوالي أو أي منصب في الحكومة، الحكومة المركزية، فالحكومة مستعدة الآن لتنصيبه في الموقع الذي يختار بشرط إيقاف الحرب الدائرة والتي أقعدت بالتنمية في السودان ومزَّقت أحشاء البلاد، وجاءت تعابير الرئيس لتضع الحركة الشعبية بقيادة “عبد العزيز الحلو” أمام اختيار صعب جداً بعد أن راهن الكثيرون على أن “الحلو” هو من يحقق السلام في جبال النوبة بعد إطاحته بـ”ياسر عرمان” و”مالك عقار”. وقد مدَّ الرئيس أمس، يده لـ”الحلو” بعد سلسلة من القرارات التي أصدرها “البشير” بتجديد وقف إطلاق النار.. ولكن هل “الحلو” يملك إرادة سياسية للمضي نحو تحقيق السلام؟، وهو الذي اتهم فرقائه بأنهم تساهلوا في المفاوضات ورفع شعارات حق تقرير المصير لجبال النوبة، إلا أن مظاهر التشدُّد التي جاءت في خطابات “الحلو” أثناء فترة الصراع الأولى مع “عرمان” قبل أن يحسم واقع الميدان لصالحه اعتبرها المراقبون خطابات تهدف فقط لكسب نقاط على فرقائه الآخرين.
والآن أمام “الحلو” فرصة استغلال النداء الأخير الذي وجهه الرئيس إليه والإقبال على التسوية السياسية واختيار الموقع الذي يروق له ما بين المركز والولاية، وقد أعلن اللواء “عيسى أبكر” عن استعداده لمغادرة كرسي الوالي إذا كان ذلك يحقق السلام ويشبع رغبات التمرد ويحقق لهم تطلعاتهم.. ومثلها وجَّه الرئيس “البشير” النداء للتمرد بالتوجه نحو السلام وتعهَّد بتنفيذ مطالب الولاية الثلاثة التي قدمها الوالي، فإن استغلال هذا المناخ الإيجابي هو المطلوب من قبل “عبد العزيز الحلو”.. خاصة ولا يزال هناك متسع من الوقت حتى حلول فصل الجفاف في ديسمبر القادم للدخول في تفاوض مباشر على الأرض أو من خلال مبادرة الإيقاد التي تعثَّرت في السنوات الماضية، ولم تحقق أي تقدم بسبب ارتباط حقيقة جبال النوبة بقضايا أخرى ومسارات دارفور والمسار السياسي لقوى الإجماع الوطني من الأحزاب المعارضة.
إن كادقلي التي احتفلت أمس، بمهرجان التسوُّق والسياحة الثاني وتنافست الشركات في عرض منتجاتها.. وأقبل أبناء الولاية لمناطقهم التي طردتهم منها الحرب فإن مجرَّد إقامة المهرجان لهو رسالة عميقة الدلالة بأن سنوات الحرب قد ولَّت وأن الأوضاع الأمنية الآن تحت السيطرة تماماً، وهناك رغبة حتى من المتمردين في السلام، وقد أعلن اللواء عن حضور المتمرِّدين لمباريات هلال كادقلي سراً، ولكنهم يريدون حضورهم جهراً من أجل طي صفحة الحرب.