رأي

الحاسة السادسة

رشان أوشي
تعلموا منهم!!

عندما نشرت بعض الصحف البريطانية صوراً لمكتب رئيس الوزراء “ديفيد كمرون” تظهر آلة صنع قهوة قيمتها (160) باوند، فانهالت عليه أسئلة المواطنين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، هل الرئيس دفع القيمة أم نحن؟ ساعات فقط وجاء الرد من مكتب الرئيس أنه اشتراها من راتبه وتم إرفاق الفاتورة مع الرد واسم المحل.
ولكن هنا في قلب العاصمة الخرطوم حيث الدولة الإسلامية والمشروع الحضاري، وقعت حادثة تشبه قصص ألف ليلة وليلة، ففي مساء التاسع عشر من الشهر الجاري، كان رجل الأعمال الشاب “عصام الخواض” تفغر فاه الدهشة وهو يرى المتهم  الذي استولى على ممتلكاته يخرج من حراسة قسم الشرطة بالزفة البلدي والعناق، وقال “الخواض” في رسالة بعث بها على نافذتي بتطبيق واتساب: “وجدت أربع عربات هينو تقف أمام الأرض المملوكة لنا بعقد إيجار صحيح، تقوم بسرقة (انتر لوك) من الأرض الخاصة بي، فقمت بالإمساك بالرجل الموجود مع العمال الذين يقومون بتحميل المسروقات من الأرض، فقام الرجل بمفاجأتي أنهم لا يسرقون شيئاً لكنهم اشتروا الانتر لوك من شخص يدعي ملكيته، أخذني الرجل إلى موقع البائع الذي تفاجأت منه أنه يعمل في محلية الخرطوم، فذهبت لدورية ترابط في شارع النيل وأحضرت اثنين من أفراد الشرطة وقمت بالاتصال بمكتب المعتمد الذي أكد لي أنهم لا يوجد لديهم أي شخص يعمل في الموقع الخاص بي وليست هناك توجيهات بخصوص وجود أي فرد من المحلية.
 لمزيد من التأكيد اتصلت بالمقدم مباحث “عادل” وأخبرته بما حدث، فقام مشكوراً بالاتصال بالسيد “يس” مدير المخالفات في محلية الخرطوم، الذي أكد له أن لا أحد من موظفي المخالفات يعمل حالياً في تلك الساعة المتأخرة، وأعطيت المقدم “عادل” إلى أفراد الشرطة، وقام بتوجيههم بالقبض على الموجودين والذهاب بهم إلى قسم الرياض.
قام الشخصان المقبوض عليهما بمقاومة الشرطة رغم أنهما يعملان بالمحلية وهما موظفان حكوميان، وتم الاشتباك مع الشرطة حتى أتت دورية مرور وقامت بمساعدة الشرطة والقبض عليهم والتوجه لقسم الرياض.
وهنا كانت المفاجأة.. أنهم لا يحملون أي تفويض أو أي أوراق تثبت أنهم يؤدون في عمل يخص المحلية.. خصوصاً أن الأرض مملوكة لي ملكية منفعة إيجارية وأحمل عقد إيجار.. بعد إبراز عقد الإيجار الخاص بي تم فتح بلاغ تحت المادة (174) السرقة.
بعدها امتلأ القسم بعربات لاندكروزر ومدير مكتب المعتمد وعشرات الأشخاص من المحلية، ووقتها كانت الساعة الواحدة صباحاً، اتضح أن أحد المقبوض عليهما هو ابن أخت معتمد الخرطوم، ولأننا في بلد إذا سرق فيها الشريف تقف الحكومة على أرجلها ليخرج من المحنة حتى وإن زورت في أوراق رسمية، ليخرج من قسم الشرطة، ففوضت أشخاصاً لا يعملون في وحدة حماية الأراضي الحكومية الجهة الوحيدة التي لها حق دخول أرض مملوكة للدولة  بمسوغ قانوني.
المهم حتى يخرج ابن أخت المعتمد من هذه الورطة، تم فتح المحلية وإحضار ختم المحلية وكتابة خطاب على ورق (فلسكاب).. وتم إطلاق سراح المتهمين رغم أنني أملك ترخيصاً من الاستثمار وقانون الاستثمار واضح في مصادرة الأموال أو التجهيزات الرأسمالية للمشروع إلا بأمر قضائي، رغم أن قانون الاستثمار يسود على كل القوانين، تم إطلاق سراح المتهمين بقانون “أبوشنب”.
هكذا تمضي الأمور في بلادنا، حيث يخضع للقانون الضعفاء، أما أبناء وأصهار وأقارب المسؤولين والمتنفذين، فهؤلاء فوق القانون.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية