رأي

بعد ومسافة

23 يوليو 1952.. ثورة التحولات الكبرى!
مصطفى أبو العزائم

مهما كان تقييم النُخب السياسية وقيادات القوى والأحزاب في مصر أو أفريقيا أو الشرق الأوسط، أو في كل العالم لما حدث من تحول ضخم في الشقيقة مصر صبيحة الثالث والعشرين من يوليو 1952م، ومهما كانت اختلافاتهم حول الحدث المزلزل، لكنهم جميعاً يتفقون على أنه كان تحولاً عظيماً غيّر الخارطة السياسية وغيّر ثوابت الجغرافيا– ولو إلى حين– بعمليات الوحدة التي تحققت بين عدد من الدول العربية، وأصبح ذلك اليوم أحد أبرز أيام التغيير في المنطقة من حيث التاريخ والثورة على القيم البالية التي كانت تحكم المجتمع المصري من خلال المفاهيم الخديوية التي رسّخت الإقطاع كواقع اجتماعي جعل الفلاحين جزءاً يتم ثوريته للباشوات والبكوات ضمن ورثتهم للأرض.
استندت الثورة المصرية إلى قيم الاشتراكية التي أتاحت فرص التعليم للجميع، وجعلت الخدمات الأساسية حقاً لكل مواطن، وحققت أكبر وأخطر مشروعاتها على الإطلاق وهو الإصلاح الزراعي، مع التفاتة قوية نحو التنمية التي بدأت بالإنسان، فالأرض والعمل في تقوية الصناعات التحويلية وصناعة النسيج، وإنتاج وتوفير الطاقات المشغلة لوسائل الإنتاج، فقفزت مصر درجات كبيرة، وسارت بخطوات واسعة في مختلف المجالات، وقوِيَ جيشها الذي كسرت الثورة دوائر احتكار تسليحه، وتغيرت العقيدة العسكرية مما أخاف الكيان الصهيوني الذي أنشأ دولة إسرائيل في العام 1948م، خاصة وأن القراءة الصحيحة للأحداث تقول إن ثورة 23 يوليو 1952م إنما جاءت لصون الكرامة العربية، وثأراً للأمة العربية التي تم الغدر بها منذ “وعد بلفور” عام 1917م، عندما وعد اليهود بوطن قومي فأصبح وعده مثالاً ونموذجاً لوعد من لا يملك لمن لا يستحق.
تأهبت إسرائيل وأعملت بكل قوتها من أجل إسقاط النظام الثوري في مصر، لكن القاهرة كانت قد وجدت الدعم السياسي والسند القومي من الاتحاد السوفيتي إحدى القوتين العُظميين آنذاك، ودخلت مصر في تحدٍ كبير لإقامة أكبر مشروعاتها، وحدثت نهضة في كل القطاعات ما كان لها أن تكون لولا الثورة.
السودانيون كانوا من المرحبين بالثورة المصرية، ليس لأن رئيس مجلس قيادة ثورتها اللواء “محمد نجيب” كان ينتمي للسودان من ناحية الأم فحسب، ولا لأن رجل الثورة القوي “جمال عبد الناصر” كان من الذين عملوا بالسودان في قاعدة جبل أولياء، وهو الذي أطاح باللواء “محمد نجيب” لاحقاً في العام 1954م، ولا لعلاقة الدم التي تربط عضو مجلس قيادة الثورة “أنور السادات” بالسودان، لكنها كلها كانت أسباباً ضمنية قرّبت ما بين فكر الثورة المصرية والحركة الوطنية في السودان بكل مكوناتها استناداً إلى أن الثورة ماضية لأن تمنح السودان حق تقرير المصير بعد اتفاقية 1953م، مع اعتراف النخب السياسية السودانية بأن النظام الثوري الجديد في مصر، هو الأكثر فهماً للقضية السودانية والأقرب لقضايا الشعب.
مساء (الأحد) الثالث والعشرين من يوليو الحالي، شهدت قاعات فندق السلام روتانا– دون مبالغة– أكبر احتفال بذكرى ثورة يوليو المصرية، احتفال شهدته تقريباً كل رموز وقيادات القوى السياسية والمجتمعية في السودان، فتخيل أن يضم سقف القاعة ممثلين للأحزاب الاتحادية ولحزب الأمة بكل فروعه، وممثلين لحكومة الوفاق الوطني وللأحزاب المرجعية الإسلامية، بدءاً من المؤتمر الوطني ثم المؤتمر الشعبي وانتهاء بجماعة أنصار السنّة المحمدية.. ولم يغب اليسار، فقد كان حاضراً ومشاركاً.. وبعيداً عن المكايدات السياسية وأشكال الصراع الخفي كانت ذكرى ثورة يوليو 1952م استفتاء على مكانة مصر الشقيقة في نفوس أهل السودان.. كل عام والمحروسة بألف بخير.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية