نهضة كبيرة وتنمية عمرانية غير مسبوقة وأسطول طائرات هو الأكبر بأفريقيا
إثيوبيا ورحلة الأيام السبعة (1)
ما حقيقة ما أشيع عن سد النهضة وما سر (العلم الإثيوبي)؟؟
أديس أبابا ـــ محمد جمال قندول
ضمن وفد إعلامي كبير كان لنا شرف التعرف على إثيوبيا والنهضة العمرانية الكبيرة التي ازدانت بها البلاد التي يحفها تاريخ عريض ويحتفي بها شعب منتج وتكسوها آمال عراض، وبها تنمية عمرانية غير مسبوقة في بلاد أبناء الهضبة.. وبدعوة كريمة من الحكومة الإثيوبية متمثلة في وزارة الخارجية بجانب مجلس الأعمال الإثيوبي السوداني بقيادة رجل الأعمال السوداني “وجدي ميرغني”، أتيحت لنا تلك الزيارة التي شملت العديد من المرافق الحيوية، بجانب زيارة سد النهضة ذلك الحلم الإثيوبي الذي تمضي عملية تشييده إلى خواتيمها، بجانب الالتقاء بعدد من المسؤولين بحكومة إثيوبيا، وزراء الإعلام والري وختاماً بالخارجية، نسردها لنسلط الضوء على حقيقة كيف نهضت إثيوبيا، وما هي تطلعاتها.. والكثير والمثير من تفاصيل رحلة الأيام السبعة.
{ تفاصيل الوصول
في حوالي التاسعة مساء السابع عشر من يوليو الجاري، وتحديداً يوم (الاثنين) حطت بنا طائرة الخطوط الجوية الإثيوبية على مضمار مطار أديس أبابا عاصمة القرن الأفريقي، ضمن وفد إعلامي كبير، في وقت كان فيه الأسفلت يرتوي بزخات المطر، في مشهد بديع.. المطار في حد ذاته تحفة معمارية، تعكس مدى النهضة التي وضعت الخطوط الإثيوبية في مقدمة خطوط الطيران العالمي، وسط أسراب الطائرات، تهبط بالمدرج وتقلع.
دلفنا مباشرة إلى صالة كبار الزوار الذي تصادف وجودنا فيه مع وفد سوداني آخر يزور إثيوبيا بقيادة المفتش العام للقوات المسلحة الفريق “كمال عبد المعروف”، الذي كان في استقباله السفير “جمال الشيخ” وأعضاء السفارة الذين أكرموا وفادتنا، أيضاً، عندما علموا بمقدمنا. وكان لافتاً وجود المبعوث السابق للسودان وجنوب السودان الجنوب أفريقي “هايلي منكريوس” الذي تجاذب أطراف الحديث لفترة ليست بالقصيرة مع السفير “جمال الشيخ”، وهو حديث قد لا يخلو من تناول المستجدات الإقليمية والدولية المرتبطة بالخرطوم، وآخرها تمديد البت في العقوبات الأمريكية المفروضة على السودان لـ(3) أشهر.
بعد حوالي ساعة قضيناها بصالة كبار الزوار، أقلتنا حافلة صغيرة إلى المطعم السوداني، الذي كان مزدحماً بالسودانيين المقيمين بالعاصمة الإثيوبية.. الأجواء الرائعة تجعلك تشعر بالاطمئنان خاصة وصوت الفنان الكبير “محمد وردي” يغمر المكان بالدفء.
{ زيارة الكلية الإثيوبية للطيران
وصلنا فندق (انتركونتيننتال) في حوالي الواحدة صباحاً. خلال الطريق كان يمكن رؤية شواهد إضافية للتنمية المعمارية التي عمت العاصمة الإثيوبية.. الشوارع مسفلتة والبنايات الشاهقة تحتل كل مساحات العاصمة أديس أبابا.. الشعب الإثيوبي في حد ذاته يتعامل بصورة حضارية وبنظام وترتيب كبيرين، وقد بدا لنا ذلك منذ أن وصلنا المطار وحتى الفندق.
في الصباح الباكر من اليوم التالي، كانت أولى محطات زيارتنا هي أكاديمية الطيران الإثيوبية، الصرح التعليمي الذي أصبح يحتل المركز الأول في أفريقيا.. مبانٍ شاهقة تحتضن المؤسسة التعليمية التي هي الأهم في إثيوبيا، استقبلتنا الكلية بكبار مسؤوليها وطفنا على جميع أقسامها.. ويلفت النظر التعدد الكبير للجنسيات المختلفة للطلاب الدارسين فيها.. الأكاديمية مجهزة بأحدث التقنية الخاصة بصناعة الطيران، حيث تُخرّج طلابها في أقسام الضيافة الجوية وهندسة وصيانة الطائرات.
الكلية تتبع للخطوط الجوية الإثيوبية، التي تمتلك أضخم أسطول طائرات بالمنطقة، بجانب أنها اشتهرت بتخريجها للأكفاء من الكوادر في هذا المجال، وكان للسودانيين نصيب كبير كدارسين بها، حيث أفصح لنا المسؤولون أن (88) سودانياً تخرجوا في قسم الصيانة، فيما تخرج (10) آخرون طيارين ماهرين، بجانب (5) طلاب ما زالوا يدرسون.
ويلفت نظر الزائرين للكلية وحدات الصيانة الضخمة للطائرات التي تمتلكها الخطوط الإثيوبية، حيث يتم تدريب الطلاب عليها عملياً، وهي مصممة بمواصفات عالمية، كما تصان بها طائرات من دول مختلفة. وفيما يخص العاملين داخل الكلية ووحدات الصيانة، فقد بدا ملفتاً للنظر أن العقول الشابة تسيطر على المشهد، حيث توجد شباب في مقتبل العمر، في الأقسام المختلفة. وقد لفتت نظري مهندسة صيانة صغيرة العمر تدعى “تقست”، تبلغ (24) عاماً، حين بادرتها بالسؤال: (لماذا اخترت هذه الكلية؟) فأجابت: (أعشق الطيران، وقطعاً لن أجد أفضل من هذه الكلية، التي خرجتني، والآن أتدرب بملحقاتها المتمثلة بوحدات الصيانة وغيرها)، وزادت بالقول: (أؤكد لك أن كل من يتخرجون في هذه الكلية يكون لهم شأن كبير، خاصة إذا كان الواحد منهم في بلد مثل إثيوبيا. فالوقت للعمل والدراسة للمستقبل).
تأملت حديث “تقست”، وعرفت لماذا نهض الشعب الإثيوبي، ليتفوق على العديد من شعوب، معماراً وأدباً، وقطعاً سيكونون الأفضل في أفريقيا، وما أكد حديثي الإفادات التي تلقيناها من المسؤولين، ومن عامة الناس، بأنهم يطمحون للارتقاء بمستوى حياة الشعب، وأن يصل مستوى دخل الفرد إلى مستوى الوسط خلال السنوات القليلة القادمة.
عدد الفتيات، مقارنة بالفتيان، كان الأكثر بالكلية وحتى في المهن العامة، بدءاً من استقبال الكلية والحراسة، مروراً بطاقم التدريس والطالبات، وحتى في الشارع العام. وهنالك فتيات في كل الأمكنة وفي كل المهن، الأمر الذي يعكس مدى التحرر والتقدم الذي تعيشه إثيوبيا وساهم بنهضتها وهي تعترف بصورة واضحة بدور المرأة، ونيلها حقوقها كاملة غير منقوصة.
الحس الوطني عالٍ جداً لدى المواطن الإثيوبي، الأمر الذي لمسناه وعربة الوفد تغادر كلية الطيران، حينما توقف السائق، وعند استفسارنا، رد علينا مرشد الرحلة ومندوب الخارجية “عبد الجبار” بأن العلم الإثيوبي الآن يتم إنزاله من أحد الأعمدة الرئيسة أمام العربة، وأي تحرك ممنوع عندما يتم رفع العلم ليرفرف أو إنزاله، ويتم ذلك في كل مؤسسات الدولة، حيث يتم رفع العلم صباحاً وإنزاله مساءً.
{ ظواهر ملفتة
من الأشياء التي تبعث على الاستغراب عدم انشغال العاملين وتضييع وقت العمل بهذه الدولة بكل مرافقها بمواقع التواصل الاجتماعي، حيث لم يصادفني (إثيوبي أو إثيوبية)، يتصفح هاتفه النقال خلال ساعات العمل التي تمتد يومياً من الثامنة صباحاً وحتى الثالثة بعد الظهر، منذ وصولنا وحتى لحظة مغادرتنا، الأمر الذي يعكس مدى قوة النظام الإداري المتبع.
الشعب الإثيوبي يحب السودان والسودانيين، ويظهر ذلك بمجرد أن يعرفوا هويتك. ففي أحد المطاعم عندما علموا بهويتنا شغل النادل أغنية (اسمعنا مرة)، بمكبر صوت، الأمر الذي بعث في دواخلنا الإحساس بالامتنان والراحة بهذه الدولة الصديقة والشقيقة.
المواطنون لا يضيعون الوقت كثيراً، حيث تجد الكل يركز جل اهتمامه في عمله، فالحد الزمني الأقصى للحركة بأديس هو العاشرة مساءً طيلة أيام الدوام، في حين تسهر “الزهرة الجميلة” طيلة يومي (السبت) و(الأحد) يومي العطلة.
الوفد الإعلامي ضم، إلى جانب شخصي الضعيف، مدير تحرير (الانتباهة) “كمال عوض”، ومراسل جريدة (الشرق الأوسط) الأستاذ “أحمد يونس”، و”عبد الرءوف طه” من جريدة (الصيحة)، و”الزين عثمان” من جريدة (اليوم التالي)، و”عوض جاد السيد” من جريدة (الرأي العام)، و”محمد عبد العزيز” من صحيفة (السوداني)، بجانب قناة (سودانية 24)، التي مثلها المذيع “راشد نبا” والمصور “مزمل”، وسط اهتمام ورعاية الأستاذ “خالد ثابت” المستشار الإعلامي للسفارة الإثيوبية لدى الخرطوم الذي وقف على راحة الوفد طيلة أيام الرحلة.
{ زيارة سد النهضة
الأنباء الأخيرة عن سد النهضة، التي تحدثت عن بدء تخزين المياه في السد، وما أثارته من ردود أفعال لدى بعض الأطراف الإقليمية، التي أعادت من جديد بعضاً من الجدل المثار حول المشروع الكبير، جعلتنا نتلهف للوقوف على الحقيقة في ثاني أيام الرحلة، حينما غادرنا أديس أبابا صوب إقليم (أصوصا)، ووجدنا في استقبالنا أعضاء القنصلية السودانية في المطار، الذين اهتموا بنا حتى مغادرتنا على متن أربع عربات إلى السد الذي يبعد مسيرة أربع ساعات من الإقليم المتشابك جغرافياً مع ولاية النيل الأزرق.
وفور وصولنا استقبلنا مدير مشروع سد النهضة المهندس “سيمينغيو بيكلي”، الذي يوحي مظهره بأنه في منتصف الأربعينيات.. وفي صباح اليوم التالي، الموافق (الخميس)، تحدث إلينا وقال إن (60%) من أعمال بناء السد المختلفة قد اكتملت حتى الآن، بما في ذلك أعمال الهيدروميكانيك والإلكتروميكانيك، ومعظم أجزاء المشروع جاهزة للتركيب.
وأفاض المهندس الإثيوبي بشرح الجوانب الفنية، وقال إنها تقوم على عمليات البناء على أسس علمية تعتمد الجودة والمسؤولية، وعلى المعايير الدولية المتفق عليها في بناء السدود.
وأكد “بيكلي” أن بلاده تلتزم بمبادئ تحول دون أن يصل الأذى الآخرين، وقال: (حرام على إثيوبيا أن تبني نهضتها على الإضرار بالآخرين، لهذا نقول إن هذا مشروع بناه الإثيوبيون لفائدتهم وفائدة الآخرين أيضاً). ونفى في ذات الوقت، ما أثير مؤخراً بعدد من الوسائط الإعلامية بمصر عن بدء تخزين المياه في بحيرة السد، وأشار خلال حديثه للوفد الإعلامي إلى أن عملية البناء شهدت تقدماً كبيراً، وأن النهر يشهد تدفقاً طبيعياً، مما يعكس أن عملية التخزين لم تبدأ بعد. وأضاف إن العمل يتواصل ليل نهار لإكمال العمل، وزاد: (كما تشاهدون أنتم الآن، وحسب الأجزاء المكونة للمشروع، فنحن على وشك إكمال المشروع المقدر له أن يجعل من إثيوبيا دولة رائدة).