حوارات

الخبير الاقتصادي د."هيثم محمد فتحي" في حوار الراهن الاقتصادي مع (المجهر)

رفع الرسوم الجمركية يؤدي إلى ظهور سوق سوداء وعمليات تهريب جمركي كبيرة
بعض السلع تستهلك النقد الأجنبي وإيقاف استيرادها يحفز على إنتاجها محلياً
الدولة أمامها خيار اعتماد عملات عالمية قوية مع دول قوية مثل  (الين) الصيني
حوار – سيف جامع
أدى ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الجنيه إلى زيادة في كافة أسعار السلع الاستهلاكية، كما تسبب في حالة تخوف وسط المواطنين من زيادات جديدة في الأسعار، وفي ظل هذه الأوضاع دعا اقتصاديون إلى ضرورة اتخاذ الدولة لعدة تدابير للخروج بالبلاد من أزمتها الحالية، وفي هذا الإطار التقينا بالخبير الاقتصادي الشاب د.هيثم محمد فتحي” الذي قدم عدة مقترحات بشأن معالجة الاقتصاد ودعم الإنتاج، فإلى مضابط الحوار:
{ بداية. كيف تنظر إلى الزيادات الكبيرة في أسعار السلع الاستهلاكية؟
_ هذه السلع لا تمس عامة الشعب. وتستهلك- في الوقت ذاته- جانباً من النقد الأجنبي الذي هو قليل أصلاً، وكان يمكن توفيره لشراء احتياجات البلاد من السلع الضرورية. وعلى الرغم من أن تلك السلع لا تمثل إلا نسبة قليلة من النقد الأجنبي إلا أن إيقاف استيرادها يمثل حافزاً لجميع جهات الدولة لانتهاج توجه محدد بإعلاء المصالح العليا للاقتصاد القومي على ما عداها، وتلك السلع التي لا يوجد لها بدائل في الإنتاج المحلي ذلك يجعل مستهلكيها من الفئات التي ينبغي حصرها وفرض ضرائب عليها لزيادة إسهامها في تمويل الخزانة العامة والبنك المركزي.
 { ما هي السلع التي يمكن حظر استيرادها؟
_ الاستهلاك أمر نسبي يختلف من مواطن لآخر، ولا يوجد ما يسمى بعملية منع استيراد هذه السلع، فهناك اتفاقيات تجارة حرة مع دول أخرى لا نستطيع أن نوقف التعامل معها.
حجم الاستيراد من هذه السلع ليس بالكبير، والمنع ليس من الأساليب التجارية والاقتصادية السليمة التي تؤدي إلى خروج السودان من الظروف الاقتصادية الحالية.
{ إذن ما الخطة في هذه المرحلة؟
_ رفع الرسوم الجمركية يؤدي إلى ظهور سوق سوداء وعمليات تهريب جمركي كبيرة، وهناك قطاعات كبيرة في الدولة إذا تم الاهتمام بها فستوفر كثيراً من النقد الأجنبي مثل التوطين الصناعي والاهتمام بالقطاع الإنتاجي الزراعي والصناعي وإزالة القيود أمام الصادرات السودانية ودعم الصناعات الصغيرة.
{ ما أكثر القطاعات التي يمكن أن تتجه لها الدولة؟
_ تُعدّ الزراعة وتربية المواشي من أكثر المصادر التي يعتمد عليها سكان السودان في كسب العيش، حيث يعمل في القطاعين ما يزيد عن (61 بالمائة) من إجمالي العدد. والذي يُساعد على ذلك هو مساحة السودان الكبيرة، حيث تحتلّ المرتبة الثالثة على مستوى القارة الأفريقية من حيث المساحة، وتشجيع القطاع الخاص بالدخول في الاستثمار في مجال عمليات ما بعد الحصاد خاصة الزيوت، وسكر البنجر، واستمرار المساهمة في تنفيذ البرامج الزراعية والبرامج التي تهدف إلى زيادة الإنتاجية، وتنافسية القطاع الحقيقي، وتشجيع المصانع على الاستمرار في الأنشطة الحقيقية الزراعية، والصناعية وغيرها، وضرورة الاستفادة من تجارب الدول الناجحة في مجال الإنتاج الزراعي والصناعي بغرض الاكتفاء الذاتي، والصادر، وتوفير فرص العمالة، والعمل على خفض كلفة الإنتاج بتخفيض الرسوم، والضرائب، والجمارك على مدخلات الإنتاج، والمنتجات الزراعية، والصناعية، وضرورة المحافظة على الأسواق التقليدية للصادرات السودانية، والنظر في إيجاد أسواق جديدة عن طريق تمويل المنتجات السودانية عبر السفارات، والقنصليات السودانية بالخارج.
{ نصائح تقدمها للمواطن والحكومة للخروج من الأزمة الحالية؟
_ على الحكومة ترشيد دعم الطاقة للمصانع كثيفة الاستخدام للطاقة  التي من المفترض أن تدعهما الحكومة بالطاقة حتى تحافظ على السعر الاجتماعي للسلعة وضغط الإنفاق وتوفير تمويل مصرفي رخيص لتنمية الصناعات، خاصة الصغيرة والمتوسطة، مع تخفيض ملكية الدولة في بعض استثماراتها، والعمل على فتح شراكات واسعة النطاق حول عدد من القوى الاقتصادية والتجارية، ويضاف إلى هذا محاولة تقوية السيولة المحلية في القطاع المصرفي، والحد من الواردات الخارجية، إلى جانب تشجيع استهلاك المحلي والتقليل من الاقتراض الخارجي قدر الإمكان ودعم العملة أو تقييم إستراتيجية لدعمها بصورة مستمرة في ضوء المتغيرات الداخلية والخارجية مع وضع سياسات لاستهداف التضخم والحد منه.
وعلى الدولة تحقيق نمو باستغلال الشباب، ومن ثم تحقيق النموذج الأمثل للنمو، والعدالة الاجتماعية وهو مرتبط بقدرة الحكومة السياسية والاقتصادية، وقدرتها على اتخاذ القرار السليم للخروج من هذا المحك الاقتصادي.
{ بماذا تنصح الحكومة أن تتخذ من إجراءات؟
_ على الحكومة أن تخفض الضرائب والرسوم والجمارك، وتشجع الاستثمار المحلي.. وبيدها إلغاء القيود كافة على تحويل أموال المغتربين، وأن تحرر تحريراً واضحاً لا لبس فيه سعر الصرف، وأن تقدم تمويلاً مفتوحاً بدون تكاليف تمويل تذكر للقطاع الزراعي وبدون ضمانات تعجيزية، وعليها مراجعة وتخفيض رسوم التعليم والعلاج العام والخاص، ومراجعة التأمين الاجتماعي والصحي لصالح المواطن، بالإضافة لتقديم المحفزات لدخول المزيد من الاستثمار الأجنبي، وتخفيض المصروفات الحكومية.. وعلى الدولة إعلان تشجيع إنشاء عشرات شركات المساهمة العامة المعفاة من الضرائب والجمارك لما لا يقل عن خمس سنوات في التعدين والزراعة والثروة الحيوانية والصادر، وأمامها خيار اعتماد عملات عالمية قوية مع دول قوية مثل الصين (الين).
{ تؤثر العقوبات الأمريكية كثيراً على الاقتصاد.. كيف يمكننا الخروج من هذا النفق؟
_ نعم، العقوبات المفروضة يكتوي بها شعب السودان منذ عشرين عاماً ولا تؤثر على الحكومة في شيء، وتأجيلها سيرجع الاقتصاد الوطني إلى المربع الأول، بل سيكون أثره أشد وأعنف وأكثر قسوة على جميع شرائح المجتمع، بل سيزيد من الخناق، خاصة فيما يتعلق بالنقد الأجنبي وزيادة التضخم وتدهور الصحة والتعليم بالبلاد، بجانب تردي قطاع السكة الحديد والنقل البري والجوي والبحري، والسودان تضيع منه سنوياً (18) مليار دولار قادمة من الصناديق المانحة، فتلك العقوبات حالت دون وصول تلك الأموال إلى السودان، وهي حق من حقوق السودان.
{ هل رهان الخرطوم على دول الخليج سيأتي بثمار بشأن رفع العقوبات؟
_ الخرطوم لم تفقد الأمل في ظل التكالب وظهور اللوبيات المؤثرة في القرار الأمريكي، لجهة أن دولاً كثيرة كدول الخليج قد تكون نصيرتها، ولكنهم طالبوا بعمل جدي يجب أن تبذله الحكومة حتى تكسب رضا كل الذين يقفون على الرصيف في مجلس الأمن والأمم المتحدة وليس الدول العربية وحدها بالرغم من خصوصية القرار وأحاديته الأمريكية. السودان أوفى بمتطلبات رفع الحظر ولا زال مستمراً في كل السياسات التي تتطلبها فترة السماح خاصة ملفات الإرهاب ومحاربة الاتجار بالبشر وبعض المتعلقات بالرقابة المصرفية التي حقق فيها تقدماً ملحوظاً.
{ تأجيل رفع العقوبات عن السودان لثلاثة أشهر أخرى.. ما تعليقك؟
_ القرار في اعتقادي الشخصي يدعو للتفاؤل والثقة أن الأمور تسير نحو الحل الشامل، ويبدو أن الأمر مدروس بصورة اقتصادية من الجانبين ومحسوب بصورة دقيقة تساهم في تقليل أي آثار اقتصادية سالبة على السودان، ويؤثر على الاستثمارات الأجنبية والشركات وحركة الصادر والوارد والتجارة الخارجية والمحلية.
{ حالياً سعر الدولار تجاوز الـ(20) جنيهاً إلى أين ينتهي هذا الأمر؟
_ سعر الدولار متأرجح في السودان بفعل هذه العقوبات. وحسب خبراء ومتعاملين في سوق العملات فإن سعر الدولار الحالي (20) جنيهاً، وكانت توقعاتهم حال رفع العقوبات أن يهبط السعر إلى (12) جنيهاً. أما في حالة إبقاء العقوبات فإن توقعاتهم تشير إلى أن السعر سيرتفع إلى (25) جنيهاً، وهذا ما يحدث في السوق اليوم وكانت هنالك حالة من القلق والترقب قد سادت في الشارع السوداني خاصة القطاع الاقتصادي، وعكفت بعض الشركات ورجال الأعمال على القيام بدراسات مالية ونقدية تحسباً لأي قرار، بين تحويل الأرصدة المالية إلى دولار أو جنيه، وحساب وتقييم الفوائد في كلٍ تفادياً لأي خسائر قد تنجم من آثار القرار. 

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية