(الشائعة).. من المشهد السياسي إلى بيع الأعضاء البشرية !!
تتعدد الأهداف والصانعون مجهولون
تقرير ـ منى ميرغني
يحاط المشهد السياسي الراهن، أن جاز لنا الوصف، بنسبة (90%) من الشائعات مقابل وجود (10%) من حقائق يستغلها مطلقو ومروِّجو الشائعات في نسج وحبك سيناريوهات تتناسب مع الحدث، ليسهل تصديقها وذلك لأغراض خاصة. والمتابع للمشهد السياسي منذ إعلان إدارة الرئيس “أوباما” عن الرفع الجزئي للعقوبات عن السودان، منح السودان فرصة لاستيفائه بالشروط لرفع العقوبات كلياً، وما أن أزف ميقات رفع العقوبات حتى تواترت الأحداث المصطنعة تباعاً تحفها الشائعات والإثارة. وقد لاحقت الإشاعات – ابتداءً – إقالة الفريق طه، ونسجت فيها الكثير من القصص والسيناريوهات حمالة الأوجه، حتى سحبت أزمة الاتحاد السوداني لكرة القدم البساط عن هذه الأحداث المفتعلة والمفبركة، وأدى تعليق النشاط الرياضي، من قبل الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) إلى فتح باب آخر من الشائعات في الوسط الرياضي، ومن السيناريوهات المتعددة الأشكال والقصص المفبركة حول قيادات هذا القطاع. ولم يسلم قطاع الصحة، أيضاً، من حملة الإشاعات المنظمة، التي تخلط الحقائق بالخيال، ومن التضخيم والإثارة، وذلك عند ظهور حالات الإسهالات المائية في أماكن متفرقة من البلاد لتصل الأحداث ذروتها عند قرار الإدارة الأمريكية، بإرجاء رفع العقوبات لثلاثة أشهر أخرى، وتعليق الرئيس “البشير” لجنة التفاوض مع الجانب الأمريكي، إذ أحدث القرار، في جو الإشاعات الرائجة، ارتفاعاً في سوق العملات الأجنبية، وتزامن ذلك مع انطلاق شائعات اختطاف لأفراد على يد عصابات تجارة الأعضاء البشرية، والتي استغلت حالات اختفاء وغياب بعض الأشخاص في ظروف غامضة، وفي ظل صمت حكومي من جهة، وتصريحات غير مقنعة للعامة، من الجهة الأخرى. وقد لعبت وسائل التواصل الاجتماعي، فيسبوك وواتساب، تحديداً، دوراً كبيراً وأساسياً، في توسيع نطاق نشر الإشاعات وسرعة تداولها. حيث نشط الكثيرون، بوعي وبدون وعي، وبقصد وبدون قصد، في إغراق الفضاء الإسفيري، بقدر وفير من المعلومات وأشباه المعلومات والتي لا يمكن التحقق من صحتها. ولم تكن الساحة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بمنجاة من حرب الشائعة، التي تدار على طريقة الريموت كنترول .
عدم الشفافية سبب رئيس في نمو الإشاعة
في هذا الشأن وصف الخبير السياسي الدكتور “الطيب زين العابدين”، الشائعة بأنها قصور في المعلومة من الجهات الرسمية التي تملك المعلومة الصحيحة. وعدَّد “الطيب” مصادر انطلاقة الشائعات، كأن تصدر من جهات رسمية أو أفراد أو جهة أمنية أو شركات منافسة، لديها مصالح خاصة. وضرب مثلاً بارتفاع أسعار العملات مقابل الجنيه السوداني، فتنطلق شائعة تفيد بضخ عملات مليارية في البنوك، ويؤدى هذا إلى انخفاض في أسعار العملات. وهذا النوع من الإشاعات غالباً ما تطلقه الحكومة، لضبط حركة الاقتصاد. وقد يحدث العكس بقيام المضاربين في سوق العملات بإطلاق شائعات مضادة، تؤدي إلى ارتفاع أسعارها. د. “زين العابدين” يرى أن الشائعات ليس لها عمر طويل، إذ سرعان ما تتبدد بظهور الحقائق، مبيناً أن السبب الرئيس وراء انطلاقها هو عدم الشفافية من جانب الجهات الرسمية، التي تجعل الباب مفتوحاً للتنبؤات ونسج القصص التي تنطلي على العامة.
جهات تستفيد من الشائعة
ومن جهته، قال الخبير الأمني الإستراتيجي اللواء معاش “أمين إسماعيل مجذوب”، إن المشهد السياسي الراهن، وما كان ينتظره السودان من رفع العقوبات، ومن ثم تمديدها لثلاثة أشهر أخرى، خلق مناخاً خصباً للشائعات. وأوضح أن هناك عدة جهات يمكن أن تستفيد من هذا المناخ، كأن تطلق دول بعينها أو منظمات شائعات تصب في مصلحة أجندتها الخاصة، بإطلاق شائعات عن نشاط عصابات في تجارة الأعضاء البشرية. وهذا يعطي إيحاءً بأن السودان غير آمن، ورجح “أمين” في حديثه إلى إمكانية استغلال المعارضة الداخلية تلك الأوضاع، ومن ثم تطلق شائعات تصب لصالحها، بعدم استيفاء السودان لمطلوبات الجزء الثالث من المسارات الخمسة، والخاصة بمجال حقوق الإنسان، وأن هناك تضييقاً في حريات الصحافة، أو قد تكون الإشاعة صادرة من شخص صاحب مصلحة خاصة. وبحسب تصنيف “إسماعيل” يرى أن الإشاعة تنقسم إلى ثلاثة أقسام: شائعة سوداء والمقصود منها الضرر مثل أحداث (الاثنين) الأسود التي صاحبت وفاة د. “جون قرنق”، والبيضاء التي تنقل من شخص إلى آخر، إلى جانب الإشاعة المصنوعة. وأضاف أن الشائعة يطلق في الدراسات الإستراتيجية،(الحرب النفسية)، وأشار إلى أن هذا النوع استخدمه المصريون في حرب أكتوبر ضد إسرائيل. وهي نوع من الخدع والتكنيك في الحروب. وهذا ما يسمى بالشائعة المصنوعة. وهناك شائعات عن وفاة المشاهير أو الترويج لعصابات أعضاء بشرية. وهذه طابعها أمني كأن تطلقها جهة غرضها تخويف المواطنين للمكوث في منازلهم، لتفادي اندلاع احتجاجات. موضحاً أن الشائعة التي تطلق على السياسيين هي نوع من اغتيالات الشخصية، كأن تتعلق بسمعته أو شهاداته. فالشائعة قد تكون سلاحاً أمنياً سياسياً اقتصادياً، فبعض الأنظمة تستخدم الإشاعة لأغراضها الخاصة، وتسمى علمياً إدارة الأزمة، كأن يكون هنالك تشكيل حكومي، فتنطلق الشائعات بوجود العصابات وتمرير الأجندة. وهذا إشغال للعامة. وأحياناً يجري تبادل الاتهامات بين الأنظمة ومعارضتها، لتحقيق المصالح التي تصب لصالح كل فريق، وقد نجح فيها نظام الاتحاد السوفيتي.
معادلة الشائعة
قد جرت عدة محاولات من جانب باحثين إلى تصنيف الشائعات، بيد أنهم اختلفوا في الأسس، التي يبنى عليها التقسيم .فالعلاقات الاجتماعية بين الناس متشابكة، والدوافع متباينة من مجتمع لآخر. لذلك رأوا أن من الصعب اقتراح تصنيف عام للشائعات، بحيث يمكن تطبيقه على أي مجتمع، بيد أن العالمين “ألبورت” و”بوستمان”، وضعا قانوناً أساسياً للشائعة في شكل معادلة جبرية، بأن شدة الشائعة = (الأهمية + الغموض).
أو ليكون قاعدة عملية يعوَّل عليها، حتى وإن أعطى للباحث أو الدارس الخيوط التي تساعده في تفهم الموضوع، وذلك لاختلاف الزاوية التي يقف عندها الباحثون دائماً. فقد يكون مثار الاهتمام الموضوع الذي تعالجه القصة الشائعة، أو الدافع الذي ورائها، أو معيار الزمن، أو الآثار الاجتماعية في الشعب سواءً أكانت: ضارة أو مفيدة أو سلبية.