قبعة "سلفاكير" هي المشكلة!
بقلم – عادل عبده
كنت أظن أن الرئيس “سلفاكير ميارديت” رئيس دولة الجنوب يفكر في دراسة نتائج الانفصال بين الشمال والجنوب، بعد ستة أعوام من إعلان دولة جنوب السودان في سياق معطيات تجربة الانفصال الفظيعة، وكنت أظنه سوف يراجع مشروع دولته الوليدة التي أثمرت الحروب الداخلية بين الجيش الحكومي والقوات المناوئة له، فضلاً عن كوارث الحياة المعيشية والخدمية والانتكاسات النفسية والاجتماعية والدمار المخيف في اقتصاد الدولة الوليدة، فإذا بي .. أجد الرجل موغلاً في التمسك بمشروعه الانفصالي ورغبته العارمة في الابتعاد عن الشمال، فضلاً عن التغني بأمجاد دولته التي كسرت القيد من الجلابة ومزقت الوحدة القسرية مع الشمال بحسب منظوره.
في السياق قال “سلفاكير” بالصوت العالي إنه ليس نادماً على التصويت لصالح الانفصال في الاستفتاء التاريخي الذي حدث عام 2011م، وزاد بقوله بأن الجنوبيين سيختارون مفارقة الشمال لو أعيدت عملية الاستفتاء مرة أخرى .. إنها عقلية انفصالية خطيرة تنظر إلى العلاقة مع الشماليين من وحي نظرية السايس والحصان المبنية على الاستعلاء الشمالي الذي يتعامل مع الجنوبي كمواطن من الدرجة الثانية مكبل بالقيود والسلاسل، حيث يقوم دوره بالطاعة العمياء والخدمة الثابتة للشماليين.
ينسى “سلفاكير” بأن دولته الوليدة لم تحقق الرفاهية والحياة الكريمة والنسيج الاجتماعي المتماسك للجنوبيين وأن الجنوب صار قطعة من جهنم للمواطن هنالك، وأن الحلم الموعود صار كابوساً مخيفاً وجماجم وأشلاء ومجاعات على أرض الواقع بينما كان الشمال، هو البلسم الذي يداوي الجراحات والآهات والملاذ للنازحين الجنوبيين الذين هربوا من ويلات الحروب وانعدام الغذاء وفظائع التصفيات الجماعية.
ظهر “سلفاكير” في الساحة السياسية وهو يرتدي قبعته بصورة ثابتة على النمط المكسيكي في أفلام الكاوبوي الشهيرة خلال الستينيات والسبعينيات، فالواضح أن قبعة “سلفاكير” تحمل دلالة الأحادية في التفكير واتخاذ القرارات الهامة، وتطبيق القساوة والشكوك والغموض في التعامل مع القضايا والأحوال العامة، بهذه العقلية من تحت القبعة حوّل “سلفاكير” الجنوب إلى يباب وقضى على الأخضر واليابس وحارب بلا هوادة رفاقه في الحركة الشعبية قبيل الانفصال، حيث يوجد “رياك مشار” طريداً ومشرداً بين الدول الإفريقية وذاق “باقان أموم” السجن والاعتقال قبل خروجه من الدولة التي كان يبشر بها، علاوة على ذلك فقد راهن رئيس الجنوب على أصدقاء الجوار في خط الاستواء الذين يظهرون له الود ويبطنون العداء ويريدون التهام كنوز دولة الجنوب التي لم تستثمر حتى الآن. وما زال الرجل يضرب بمعالجات التسوية التي وضعتها الإيقاد حول إيقاف الحروب في بلده عرض الحائط ..من وحي تلك المعطيات الواضحة تبقى قبعة “سلفاكير” هي المشكلة، فالمصيبة المحزنة أن بلداً يوجد به بترول لا يوجد فيه الغذاء الكافي الذي يسد رمق السكان، والأنكى أن الدول الغربية التي ساعدت الجنوب على نيل الانفصال وأرسلت إليه السلاح أيام الحروب ضد الشمال، لم تتحمس الآن في انتشاله من المستنقع السحيق الذي وقع فيه!!