مسألة مستعجلة
علينا أن لا نعمى من الحقيقة!!
نجل الدين ادم
تسارع الأحداث خلال الأيام الماضية حال دون التعليق على قضية مهمة شغلت الرأي العام خلال الفترة الماضية ولكنها وضعت في طاولة التقصي والبحث إلى أن وصلت آخر فصولها الأسبوع الماضي، وزير الصحة بولاية الخرطوم يعلن للكافة النتائج النهائية والمعالجات، إنها قضية إصابة (30) شخصاً بالعمى بعد إجراء عمليات جراحية لهم بمستشفى مكة فرع أم درمان، فيما عرف بمرضى الشبكية.
القضية أحدثت صدى كبيراً في الشارع العام سيما وأن تقرير لجنة التقصي أثبت عمى (14) مريضاً كلياً و(16) عمى جزئياً من ضمن الـ(34) الذين تم إجراء عمليات جراحية لهم، حيث نجحت لـ(4) أشخاص تماماً، ومبعث الصدى هو فقد هؤلاء لنعمة البصر بين ليلة وضحاها جراء الحقن بسبب ضعف في عملية التحضير وليس في العقار الذي حقنت به أعين المرضى، والمعروف باسم (الافاستين) وهو متعارف عليه عالمياً، وفي ذلك تعرضت المستشفى لهجمات شرسة ولحقت بها أضرار نفسية وحدثت حالة من انعدام الثقة للمرضى من المستشفى، وحسب ما قرأت من إفادات سابقة لوزير للمجلس التشريعي بشأن القضية، فإنه قد أوضح لهم سلامة العقار واستخدامه في عدد من الدول كعلاج جديد لمرضى الشبكية، وإن العقار غير محفوف بالمخاطر وإنما المخاطر من اعتلال الشبكية وهي درجة من درجات العمى.
صحيح أن الأذى فادح ولكنها إرادة الله، ومعلوم أن عمليات الشبكية دائماً ما تكون نسبة النجاح فيها قليلة جداً، وما يحدث يكون دائماً توكلاً للمرضى لإجراء عملية، والمستشفى معروف عنه خدمته المميزة للشعب السوداني، حيث إن (70%) من العمليات التي تجرى يقوم بها هذا المستشفى حسب ما أورد وزير الصحة “مأمون حميدة” نفسه، مع التسليم بالقضاء والقدر، فإن حجم الهجمة التي تعرضت لها المستشفى كانت أكبر بكثير مما تقدمه من عمل إنساني.
أعجبت بمنهج الوزارة في التعاطي مع القضية والوصول إلى نهايات مرضية لكافة الأطراف، ذلك أنها عرضت التقرير الفني لإدارة المستشفى العليا والمرضى وأشارت إلى مكامن الخلل وسبل معالجته، حتى عندما عقد الوزير “حميدة” مؤتمره الصحافي بالخصوص دعا إليه إدارة المستشفى لتقول كلمتها.
الوزير أشار إلى نقطة مهمة وجوهرية تتعلق بمعالجة آثار هذا الملف، حيث ذكر أن إدارة المستشفى هي من بادرت بإقرار الدية أو التعويض (165) ألف جنيه لمن فقد بصره كليةً و(82) ألفاً ونيف جنيه لمن تعرض لضرر جزئي، وأن بعض المرضى تسلموا التعويض وتبقت المجموعة الثانية، ما يعني أنهم وافقوا عليه وسلموا بقضاء الله وقدره، حيث كانت جملة التعويض (4.5) مليون جنيه حسبما ورد، وعلينا أن نقر بأنه بحجم الضرر لن تساوي شيئاً للكثيرين، ومعروف أن الكثير من المستشفيات تتجنب دفع التعويض على أي ضرر يقع على المريض بخاصة في العمليات، لذلك تجدها تستكتب المريض أو ذويه إقراراً بتحمل التبعات وبذلك يسقط التعويض في حالة حدوث أي فشل، ولم نسمع بتعويض مستشفى لمريض جراء خطأ طبي وهذا يحسب للمستشفى.
نحن في بلد تتعقد فيه أسباب العلاج وتتعذر للكثيرين، فإذا كان هناك من مستشفى كهذا ويقوم بتجاوز كل هذه المعوقات ويجري العمليات المدعومة والمجانية ويساهم مع الدولة في هذا الأمر، فليس من العدل أن نقيم عليه حكماً مؤبداً، بل علينا أن نعيد ما فقده المشفى من ثقة.
لا تجمعني أي صلة ولم أدخل يوماً من الأيام هذا المستشفى، ولكنها الحقيقة، حيث إن أغلب الشعب السوداني من المصابين بأي علة في العين تكون وجهتهم هذا المستشفى ولم تحدث أي أخطاء طوال هذه السنوات لنضعهم مع أصحاب السوابق عند الحكم، فكفوا عنهم الأذى لأنهم يزيلونه عنا ونسأل الله لمن تضرر أن تكون لهم كفارة.. والله المستعان.