الدنيا وأحوالها!!
التجانى حاج موسى
في سبعينيات القرن الماضي وفي مطلعها كنا في معية الصبا ونضارة الشباب، وكنت وأقاربي نعالج بدايات محاولاتنا في كتابة الشعر، عشنا زمناً رغداً طيباً لا زلنا نجتر ذكرياته ونحيكها لأبنائنا الذين لم يعيشوا تلك الحقبة من الزمان.. الجنيه السوداني كان يتقدم عملات كالدولار والإسترليني والمارك.. مية جنيه سوداني تكفي مصاريفك إذا ذهبت لقضاء إجازة في أي من عواصم بلاد الدنيا.. ويقول لي أولادنا أنتو جيل مظلوم فقد عشتم وتعيشون ظروف وحياة صعبة.. مثلاً أمس، اشتريت نصف كيلو جبنة بي رقم فلكي قارنته بسعر ذلك الزمان لقيتو يجيب ثلاث صفائح جبنة من جبنة الدويم من مصانع الإغريقي “مايسترو” الذي أسس في مدينتنا عشرات المصانع، حتى أن البعض حينما يعرف أحدنا يقول (أنت ناس الجبنة) ما الذي حدث لنا؟! وما الذي سيحدث لنا مستقبلاً؟ وإلى متى يظل حالنا متردياً من سيء إلى أسوأ؟!
وغول التضخم يصف قوة الشراء لعملتنا الوطنية طبعاً منذ سنوات نردد حجوة أم ضبيبينة الحصار المفروض من أمريكا الدولة التي أصبحت لها السيادة في كل شيء وتدير كل الدنيا بالريموت كنترول، والله قال بي قول الما يدور في فلكها أو يأتمر بأمرها وأصبحت دولنا الفقيرة التي توقف نموءها منذ منتصف القرن الماضي تتحسر على ذهاب روسيا التي كانت صمام أمام إذا ما أفترى المعسكر الرأسمالي الذي تتزعمه أمريكا.. طبعاً ماتت دول عدم الانحياز بعد صرخة الميلاد وفشلت المنظومة التي ماتت تضم الدول الأفريقية في خلق كيان يمكن أن يؤثر في صنع القرارات الخاصة ببلدانها واحتمت أوروبا بمنظومة الدول الأوروبية المشتركة وظفرت على الأقل بوسيلة اقتصادية جعلت شعوب تلك الدول تحقق استقراراً لمواطنيها من الناحية الاقتصادية وتلغي التأشيرات التي تحد من حركة الإنسان الأوروبي ولا غرابة في النشاط المتعاظم لهجرة الناس من دولهم النامية بحثاً عن المأوى والطعام والأمن حتى أصبحت تلك تعاني من تلك الهجرة التي تظهر آثارها السالبة كل يوم خصماً على اقتصاد وأمن وسلامة تلك الدول!.
وظهرت إفرازات هذا الواقع الأليم وأصبحنا نعيش ظروفاً وزمناً يصعب تحليله، ودونكم المآسي التي يعيشها الناس في الدول العربية.. وصارت عبارة الإرهاب على رأس لسنان الدولة الأحادية والتي يدير دفة أمورها رئيس أدهش حتى مواطنيه وصرنا نتحسر على من تشردوا من أوطانهم بسبب عدم استقرار أنظمتهم السياسية والتدخل السافر من حجر الرحى الذي فتت عضدهم وقتل قادتهم وصنع وضعاً يصعب تحليله ووصفه.. منوا لفينا الكان متصور ضياع ثلث وطننا نتيجة تدخلات وموازنات وحسابات شيطانية.. بدأت هذا المقال بالبكاء على ماضيٍ جميل ولى وأندثر وخوف من حاضر ومستقبل لا تلوح فيه بارقة لانفراج.. وذهبت أفكر وأقول لماذا آل الأمر لما هو عليه الآن؟! هل مرد ذلك للقوة الأحادية التي صارت بيدها مقاليد الأمور وتريد أن تدير العالم حسبما تشاء وقت ما تريد وكيفما أرادت؟! أم الأمر يعود للشعوب التي ننتمي لها وفقدانها للمواطنة ومستلزماتها؟! هي علامات الساعة التي تنذر بقيام القيامة؟ أم هي لحظات مخاض لحرب عالمية ثالثة تحيل الدنيا إلى خراب ويقتل البشر بعضهم البعض كما يحدث الآن لأبناء الوطن الواحد؟! وأتساءل: أين الأمم المتحدة هذه الآلية العجيبة والتي ابتدعتها الشعوب التي خرجت من الحرب العالمية الثانية ملومة محسورة وتظن أنها ستكون صمام الأمان وعسكري المرور في طريق الشعوب؟
لكن التجارب دلت بأن هذا الكيان لا تدار أموره بواسطة الشعوب، بل تديره بعض الدول التي تمتلك الاقتصادية والسلاح والتي أرغمت وركعت الدول الفقيرة والنامية وحتى الدول التي أكرمها الله بثروات تدل عليها مال ركعتها الدولة القوية وجعلتها (تمشي فوق العجين ما تلخبطوا) أم أن التاريخ يعيد ماسات (هيروشيما وناجازاكي) المدنيتان باليابان، لكن شكل آخر يتوافق مع أدوات البغي والعدوان؟! أم أن النظام العالمي الجديد نجح في تقريح فلسطين جديدة بأشكال متعددة كان السيناريو المعد يسمي الربيع العربي وأصل التسمية الدمار العربي؟!.
كم مرة بالله عليكم أصدرت الأمم المتحدة قراراً في حق فلسطين وانصاعت له إسرائيل امتثالاً للشرعية الدولية؟! بل كم مرة أعلنت الأمم المتحدة وأعملت آلية الجزاء على دولة اعتدت على دولة تتمتع بعضوية الأمم المتحدة وأعملت آلية الجزاء على دولة اعتدت على دولة تتمتع بعضوية الأمم المتحدة؟ بل كم مرة هللت الشعوب المغلوبة على أمرها لقرار فيتو أصدرته الدول القوية إحقاقاً للحق؟! من منا لم يشاهد مسرحية غزو العراق بواسطة أمريكا بحجة أن العراق يمتلك أسلحة الدمار الشامل؟! وراح “صدام” محكوماً عليه بالشنق باعتباره طاغية يهدد الأمن والسلام العالمين؟! وكذا الحال حينما تم الحكم على “القذافي” بنفس الدفوع غير المبررة باعتراف أهل السياسة والمحللين الذين ينتمون إلى الدولة المعتدية واعترافهم بعدم وجود أسباب تبرر الاعتداءات؟! ويوماً بعد يوم تزداد النيران لتحيل الشعوب المغلوب على أمرها إلى موتى وفارين ومهاجرين من نيران الحروب التي لا تخلق إلا الدمار والخراب!!.
أحلم بوطن لا يقتل أبناؤه بعضهم البعض.. وأحلم بمشروع جزيرة جديد ينتج القطن طويل التيلة وأحلم بشجر الهشاب وهي تعطي من يشلخون سيقانها صمغاً يدر عليهم المال الوفير وأحلم بآبار نفطنا تفسخ بحيرات السائل الأسود يكفينا ونصدره للدول المحتاجة وأحلم بانتعاش أريافنا واستقرار أهلها يضربون في الأرض معاولهم فتنبت قمحاً وذرة وسمسم ومحاصيل عديدة كانت تتصدر صادراتنا وأحلم بإسكات البندقية وعودة من خرجوا للحرب إلى حضن الوطن يتسامحون ويتعانقون ويلعنون الشيطان وأحلم بقادة يتقون الله ويخافون يوماً عبوساً قمطريرا.. اللهم أهدنا جميعاً إلى الحق ومخافة الله.. آمين.