رأي

بعد ومسافة

نحن و(الجزيرة) و(قطر)..!
مصطفى أبو العزائم

لا ننكر ولا يستطيع أحد أن ينكر المواقف القطرية المساندة لبلادنا منذ سنوات، مواقف تجلت فيها معاني الدعم السياسي والمادي المباشر أو غير المباشر، في وقت وجد السودان نفسه معزولاً عن بقية أشقائه في أكثر من محيط، بل ومعزولاً عن كثير من دول العالم، خاصة بعد مواقف الحكومة السودانية منذ غزو قوات “صدام حسين” للكويت، ثم موقفها من رد العدوان العراقي عن طريق عدوان واحتلال أمريكي، توقعت نتائجه، لكن ذلك لم يشفع لها.
وكانت هناك مواقف أخرى أخذت على الحكومة السودانية، خاصة حادثة محاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق “محمد حسني مبارك” وما تبعها من مواقف مضادة أدت في نهاية الأمر إلى ازدياد القطيعة بين السودان وكثير من الدول العربية الشقيقة.. ثم جاءت المواقف من ثورات ما يسمى بالربيع العربي، وهي مواقف متباينة جعلت من الأنظمة العربية القائمة إما أنظمة (ضد) أو أنظمة (مع) وهو ما فاقم موقف العلاقات المتردية أصلاً ما بين السودان وبقية الدول العربية الشقيقة، وكانت قناة الجزيرة القطرية قد لعبت دوراً كبيراً في تلك الثورات الشعبية، بل كانت محرضة للمشاركة فيها، استناداً على خلفية قياداتها الإسلامية، أو على أمل أن تؤول الأمور إلى أيدي الإسلاميين.. وموقف (الجزيرة) – القناة – من دولة قطر، والعكس، هو موقف واضح حتى لكأنهما وجهان لعملة واحدة.
ذات قناة الجزيرة كانت قد بثت حلقات من نار فضائية أججت بها حرب دارفور في العام 2003م، تحت مسمى (الحريق) كأنما كانت تناصر وقتها انفجار الأوضاع – وقد انفجرت بالفعل.. وقرأ الكثيرون تلك المواقف التلفزيونية الفضائية القطرية، قراءة من جوانب وزوايا ثانية تمثلت في مساندة ومناصرة قادة الحركات المسلحة المتمردة من ذوي الخلفية الإسلامية، وربما جاءت تلك المواقف (السياسية) المتدثرة بأثواب الحريات الصحفية والإعلامية، ربما جاءت مناصرة لمواقف المتمردين الأقرب فكرياً لزعيم الحركة الإسلامية السودانية الراحل الشيخ الدكتور “حسن عبد الله الترابي” – رحمه الله – بعد المفاصلة الكبرى التي شقت الحركة الإسلامية إلى قسمين، أحدهما رأى أنه يمثل الشرعية وهو الذي قاده الرئيس “البشير” والثاني يرى أنه يمثل المشروع الحضاري الذي قام من أجله الانقلاب، إذا لا (الجزيرة) ولا قطر دعمت السودان في تلك الأوقات السابقة (لله) بل لأنها كانت ترى الاستثمار السياسي في مشروعها الكبير بدعم الإسلاميين إما وهم في مراكز السلطة أو وهم يتأهبون لاستلام السلطة.. عن طريق الانقلاب أو الانتخاب الذي يعقب الثورات الشعبية، مثلما حدث في مصر عقب الإطاحة بنظام “مبارك” وتوطين أركان جماعة الإخوان المسلمين ممثلين في الرئيس السابق “محمد مرسي”.
المواقف السياسية تتغير بتغيير السياسات، وكذلك العلاقات الثنائية والدولية خاصة في ظل أزمات بالغة التعقيد، شديدة الحساسية في تلك السنوات التي كان السودان يسعى إلى العودة الطبيعية إلى المجتمع الدولي عن طريق المفاوضات المباشرة مع قوى التمرد الجنوبي بقيادة العقيد “جون قرنق”، وعندما لاحت تباشير الوصول إلى خط التلاقي، انفجرت أزمة دارفور، وكانت قناة الجزيرة من أول الذين رعوها وغزوها قبل الغرب الصليبي، وهو ما حدا بمجموعة من الصحفيين والكُتاب السودانيين لأن يصدروا كتاباً عن الأزمة من داخل المركز السوداني للخدمات الصحفية وبرعاية من مديره العام آنذاك الباشمهندس “عبد الرحمن إبراهيم عبد الله” حمل اسم (دارفور.. الحقيقة الغائبة)، وقد تمت ترجمته إلى الإنجليزية والفرنسية ونفدت كل طبعاته وتشرفت بأن كنت أحد الذين أسهموا في إعداده مع مجموعة من الزملاء الكرام.
إذاً.. خروج السودان عن (مسطرة القياس) العالمية وابتعاده عن مسارات دولية متفق عليها، هو الذي فتح الباب أمام دولة قطر، لتنفذ أجندتها السياسية المرتبطة بالدعم المباشر في ظل مقاطعة شبه جماعية للسودان، لكن الأوضاع تغيرت الآن، وقائمة الحلفاء سقطت منها أسماء وصعدت أخرى، ولم يعد للمشروع الإيراني مكان في الخارطة السياسية السودانية بعد أن قطعت “الخرطوم” علاقاتها مع “طهران”، وجرت مياه كثيرة تحت جسور العلاقات مع اعترافنا بالمواقف القطرية الجادة والخاصة بإقرار السلام في دارفور ورعايته، كأنما مواقف التقارب هذه هي مواقف تعويضية للمواقف السالبة التي قامت بها قناة الجزيرة من قبل.
على الحكومة السودانية أن تبحث عن الطريق الذي يؤدي إلى الانعتاق من أسر المواقف العاطفية التي تكون أضرارها أكبر من نفعها فالسياسات هي التي تحدد المواقف التي تنبني عليها العلاقات ولا تقوى علاقة دون مصالح مشتركة.. لا نطالب بقطع العلاقات مع (قطر) ولا ندعو لعزلها عن محيطها الخليجي ولا العربي ولا الإقليمي، لكننا لا نريد أن نحبس أنفسنا في مواقف لا يعود لنا منها غير الضرر.. بل والضرر البليغ.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية