تقارير

الحركة الإسلامية من عباءة السلطة لفضاء ما ضاق بغيرها

{ أخيراً حسمت الحركة الإسلامية أمرها وأعلنت عزمها عقد مؤتمرها العام الثامن في السادس عشر من نوفمبر القادم، بعد سبعة مؤتمرات منها أربعة انعقدت بعد انقسام رمضان وثلاثة قبله، تولت خلال الحقب الثمانية رموز بارزة قيادة الحركة الإسلامية من علي طالب الله ومحمد خير البدوي والرشيد الطاهر بكر وحسن الترابي حتى علي عثمان محمد طه الذي انتهت دورته في أغسطس الماضي، وينتظر التجديد لدورة جديدة حال تعديل دستور الحركة الإسلامية ونظامها الأساسي الذي ينص على (حصر) قيادة الحركة لدورتين فقط، ولكن القول الفصل عند المؤتمر العام الذي بيده (تمرير) الوثيقة المقترحة أو إعمال الجرح والتعديل وتمديد فترة قيادة الحركة لدورات آخر أو اعتبار تطبيق اللائحة والدستور يبدأ بإجازتها في المؤتمر الثامن ليفتح الباب للأمين العام للحركة الإسلامية ليس لدورة واحدة فقط.. بل لدورتين قادمتين خاصة وأن المرشح الأبرز لخلافة علي عثمان في قيادة الحركة ظل يبدي زهداً في السلطة بكل (حاءاتها) الثلاثة..الحركة الإسلامية والحكومة والحزب، وقد ترجل البروفيسور إبراهيم أحمد عمر عن الحزب جهراً بعد أن استوى على سوقه ونضجت ثمار غرسه وزرعه والتعافي من آثار الانقسام.. ثم خرج (البروف) من القصر مبتسماً بلا كدر أو حزن على مقاعد من أجلها يفقد الرجال وقارهم، ولا تلوح في الأفق أسماء أخرى تتوق للموقع الذي فقد بريقه كثيراً بالنظر للمواقع في الدولة، وربما اختار المؤتمر إجازة لائحة ودستور لا يقيد موقع الأمين العام بحقب زمنية أو (يشترط) التفرغ من الوظائف الأخرى، في التاريخ عبر ودروس من ماضي الحركة الإسلامية الذي شهد صراعات وانقسامات وخروج عن عباءة التنظيم ثم العودة إليه والتكتل في أجنحة تخوض معاركها في عرصات الحركة ومفاصلها .. وشأن كل الكائنات الحية.. والأجسام التي تنبض حيوية ونشاطاً.. وقد سعى رئيس اللجنة المنظمة، البروفيسور إبراهيم أحمد عمر، وقيادات الحركة التاريخية والقيادات الشبابية الصاعدة والقيادات الوسيطة التي قدمتها الحركة الإسلامية في المؤتمر الصحافي الأول يوم الأربعاء الماضي .. كان د. إبراهيم أحمد عمر والشيخ عبد الباسط عبد الماجد وحسن عثمان رزق يمثلون شيوخها ود. مصطفى عثمان إسماعيل والسعيد عثمان محجوب ومحمد بشير عبد الهادي يمثلون الوسطية بينما كرار التهامي وسناء حمد يمثلون الجيل الشبابي الصاعد حديثاً..وسعى البروفيسور لتقديم دفوعات عن الحركة الإسلامية وأسباب بقائها بالقرب من الحزب دون التماهي فيه ودعمها للحكومة وسندها دون الذوبان والتلاشي في مفاصل الدولة (الوظيفية) التقليدية التي تنمو الآن وتزدهر!!
وتحدث قيادات الحركة الإسلامية عن تحديات تواجهها من انفصال للجنوب وأزمة اقتصادية تحيط بالبلاد وربيع عربي أفرز صعوداً للحركات والتيارات الإسلامية في بلدان مثل مصر وتركيا وتونس إضافة لإيران وباكستان فهل تمثل تجربة السودان قدوة أم لا؟؟ ولماذا؟؟
وما بين مد البصر وتمدد العلاقات الخارجية مع الحركات الإسلامية الصاعدة في المشرق والمغرب من سلفيين إلى حركيين إلى متصوفة كما هو الحال في ليبيا.. ومطلوبات التمدد والتقاطعات بين مصالح الدولة وأشواق قادتها وأيهما له الأولوية مصالح الدولة والشعب السوداني؟ أم التزامات الحركة الإسلامية الفكرية والثقافية ثمة مساحة للفكرة والتأمل وتبادل الرأي والمشورة!!
وقدم قيادات الحركة الإسلامية في المؤتمر الصحافي وصفاً تجريدياً لهياكل المؤتمر القادم ومواقيته والدعوات التي أبلغتها الحركة الإسلامية لمن تحب وتسعى لصحبته ومن مراقب خشي شره ومتربص تحذر مكره!!
وصديق صدق لا ترد له بعض الجميل وكثير من مشروعات الدولة الإستراتيجية في سنوات (المسغبة) والعوز والفقر قد تم تمويلها من بيوت مال إسلامية ومن شخصيات إسلامية انتفع السودان بمالها ومثل هؤلاء حضورهم لمخاض الميلاد الجديد لحركة إسلامية موغلة في القدم لجزء من الوفاء للماضي!!
أمس واليوم وغداً
بين يدي المؤتمر الثامن للحركة الإسلامية ثمة قبس من التاريخ القريب والبعيد تستلهم أجيال الحركة الإسلامية منه الدروس والعبر، وقد تعاقب على قيادة الحركة الإسلامية رجال قضوا نحبهم وما بدلوا تبديلاً وآخرون عصفت بوجودهم في حضن أهم الخلافات ونزعتهم من (حكرها) الصراعات.. وكان علي طالب الله أول من أسس للحركة الإسلامية وجوداً في السودان من خلال الطلاب الذين درسوا في مصر ونهلوا من منابع فكر السلفي والأصولية الحركية وأفكار حسن البنا ولغة الإمام الشاطبي الأصولية ومضامينها العملية حتى انعقد أول مؤتمر لتجميع روافد الفكر الإسلامي من المدارس الثانوية والمعاهد العلمية وانعقد أول مؤتمر في عيد الأضحى عام 1954م وتم فيه انتخاب محمد خير عبد القادر رئيساً والرشيد الطاهر بكر مراقباً عاماً للأخوان ومن المفارقات في تاريخ الحركة الإسلامية التي وصلت إلى السلطة في 30 يونيو 1989م من خلال جناحها العسكري في الجيش قد (ضحت) بالمراقب العام لها مولانا (الرشيد الطاهر بكر) ودفعته لتقديم استقالته بل التحلل من (البيعة) الصغرى والانضمام إلى حزب طائفي (رجعي) الحزب الاتحادي الديمقراطي بسبب تبني الرشيد الطاهر بكر لانقلاب عسكري في عام 1958م ومن ذلك الانقلاب كبيدة والصادق محمد حسن وعبد البديع علي كرار وعبد الحميد عبد الماجد وتمت محاكمة الرشيد الطاهر بالسجن لمدة (5) سنوات وأثناء وجوده في السجن جعل الرشيد الطاهر من صادق عبد الله عبد الماجد ومحمد يوسف محمد نواباً له .. وبعد خروجه من السجن بفضل ثورة أكتوبر تعرض لانتقادات حادة لدعمه للانقلاب وقد نص دستور الحركة الإسلامية على اعتبار دولة الشريعة مبتغى تسعى إليه الحركة بالوسائل السلمية، وبعد أكتوبر وخروج الرشيد الطاهر من السجن بدأ نجم الترابي في الصعود وانعقد مؤتمر للحركة الإسلامية وكانت تسمى جبهة الميثاق الإسلامي وتنافس الترابي والرشيد الطاهر وألقى سلوك الرشيد الانقلابي بظلال سالبة على موقفه داخل الجماعة فاختار المؤتمرون الترابي أميناً عاماً لجبهة الميثاق الإسلامي ومراقباً عاماً للأخوان المسلمين في السودان فأصدرت جبهة صحيفة الميثاق.. وأصبحت جبهة الميثاق هي الحاضن لجماعة الأخوان المسلمين وفي عام 1968م بدأت الخلافات تطل برأسها في صفوف جبهة الميثاق فتقدم الترابي باستقالته من منصب المرشد العام للأخوان المسلمين وتولى الشهيد محمد صالح عمر المنصب حتى انعقاد مؤتمر 20/4/1969م في النادي الثقافي ببحري لتبلغ الخلافات ذروتها بين جناح يقوده د. حسن الترابي وجناح آخر من قادته صادق عبد الله عبد الماجد ود. جعفر شيخ إدريس، ومن المفارقات أن الشيخ إبراهيم السنوسي أقرب القيادات مودة للترابي فيما بعد كان مع الجناح المناوئ للترابي ومن المقربين لصادق عبد الله عبد الماجد وفي مؤتمر بحري تولى مولانا دفع الله الحاج يوسف رئاسة المؤتمر وفاز الترابي على صادق وجعفر شيخ إدريس وقد بدأت قياداتها من بينها إبراهيم السنوسي في التخطيط لقيام حزب إسلامي جديد.. وبين يدي المؤتمر الثامن المقرر عقده في نوفمبر القادم أوردت صحيفة الأهرام اليوم عدد الخميس نبأً عن عزم قيادات من المجاهدين تشكيل حزب سياسي جديد لتجاوز خلافات اليوم.
وقد حسم إبراهيم احمد عمر وضعية فرقاء الرابع من رمضان بوصف الإسلاميين في المؤتمر الشعبي بأن (هؤلاء لا يعتبرون إسلاميين) في منظور البروفيسور أحمد عمر ولكن الرجل قال عبارة (مناقضة) لحكمه الصادر بلا إسلامية هؤلاء، حينما ترك الباب مفتوحاً للإسلاميين القادمين من الخارج لحضور المؤتمر وعددهم نحو (150) من المفكرين وزعماء الحركات الإسلامية للتوسط بين الحركة الإسلامية التي تعقد مؤتمرها الثامن والحركة الإسلامية الأخرى التي تتربص بها وتسعى لإزاحتها من الوجود وبلغ عدد المدعوِّين من السودانيين في الداخل (50) من الرموز والقيادات أي ثلث القادمين من وراء الحدود؟! من العرب والعجم، وبعيداً عن أوصاف المؤتمر وترتيبات انعقاده فإن الحركة الإسلامية قد حافظت على وجودها رغم الظروف شديدة التعقيد والتي عصفت بمثيلاتها من الحركات الإسلامية وبالأحزاب العقائدية كالشيوعي وحزب البعث العربي الاشتراكي.. ولكن الحركة الإسلامية ظلت تاريخياً تنشط تحت عباءة تنظيم سياسي فضفاض يعبر عنها ولا تعبر عنه وفي حقبة جبهة الميثاق الإسلامي احتفظ مرشد الأخوان بوضعيته قريباً من الأب وبعيداً عن الرعاية كزعماء الطوائف وفي حقبة الجبهة الإسلامية جمع أمين الجبهة الإسلامية كتنظيم سياسي انفتح على التكوينات الثقافية والجهوية والسياسية والحركة الإسلامية فأمسك الترابي (بضفتي) الحركة والحزب، وما بعد إقصاء الترابي من الحزب والحركة الإسلامية أصبح أمين عام الحركة الإسلامية يفصل بينه وأمين عام المؤتمر الوطني ثم رئيس المؤتمر الوطني فاصل مداري لا يُرى بالعين المجردة ولكنه موجود.. فهل تقود تراتيب المؤتمر القادم لتوحيد قيادة الدولة والحزب والحركة في قبضة رجل واحد والحال كذلك يصبح المشير البشير أميناً عاماً للحركة الإسلامية ورئيساً لحزب المؤتمر الوطني ورئيساً للجمهورية؟
أم تمثل صيغة التوافق والمنطقة الوسطى التي تراضى على ضفافها قيادات الحزب الحركة والدولة هل الحل لتبقى الحركة في حالها الراهن بلا عنوان معلوم ودار (يغشاها) الإسلاميين بكرة وعشية يتسامرون تحت ظلالها ويعيدون صياغة فكرهم والتخطيط لشيوع مشروعهم وسط القواعد بعد أن أخذت الدولة من الحزب رموزه ومن الحركة قلبها النابض!
أي مشروع يرتجى!
استبقت الحركة الإسلامية الحزب والدولة وهي تعلن عن ورقة تدفع بها للمؤتمر القادم عن تداعيات انفصال الجنوب يقدمها البروفيسور حسن حاج علي، وورقة أخرى عن صعود التيارات الإسلامية في المنطقة يقدمها د. مصطفى عثمان إسماعيل وزير الخارجية السابق!! وورقة ثالثة لا تقل أهمية عن الأولى والثانية وهي الأوضاع الاقتصادية في البلاد وهي على صلة بالورقة الأولى باعتبار تداعيات انفصال الجنوب على الأوضاع الاقتصادية هي الأكثر وطأة على عامة الشعب..ولكن جرح الحركة الإسلامية (الجنوبي) يثير الأحزان وتفيض له دموع من قلبه الرحمة وقد خلف انقسام الجنوب مأساة حقيقية يعيشها المسلمون في الدولة الوليدة عامة والإسلاميون خاصة ودفع هؤلاء ثمن انشطار الوطن في أموالهم ومواقعهم وأصبحوا اليوم مطرودين وغير مرغوب في وجودهم بالوطن الأصلي و(مبعدين) من الدولة الأم حالهم كالفلسطينيين الذين أبعدتهم السلطات الإسرائيلية من ديارهم بغير حق.. والحركة الإسلامية ومشروعها يتحمل جزءاً من مسؤولية انقسام الوطن لدولتين فهل تعترف الورقة بتلك الحقيقة وتعمل على تحصين ما تبقى من الوطن (بالمضادات) الواقية من شر الانقسام.. أم يظل الجدل مشتجراً في مفاصل وأجهزة الحكم والبرلمان عن مشروعية استخدام (الواقي الذكري) لمكافحة الإيدز واستباق الحركة الإسلامية للدولة والحزب في اجتراح مراجعة أسباب الانفصال وتداعياته التي وصفها كاتب مثل د. منصور خالد بزلزال الشرق الأوسط وأفريقيا في كتابه الأخير تمثل إيجابية كبيرة تضفي على المؤتمر حيوية وتعيد الجدل الفكري والثقافي لساحات الإسلاميين التي أصابها الجدب والجفاف بعد أن انصرف قادتها لتأمينها من الخوف وأهملوا إطعامها من الجوع الفكري الذي تعانيه الآن!
وحرياً بحركة إسلامية وصلت إلى السلطة قبل 23 عاماً كأول حركة إسلامية (سنية) تبلغ السلطة في المنطقة البحث الدؤوب عن مشروع كبير يقود الدولة والمجتمع ويقدم نفسه للعالم بدلاً عن المشروعات الصغيرة والانكفاء على الذات واجترار الأحزان و(ملاعنة) الذين خرجوا من مفاصل التنظيم مفتونين بعصبية قبيلة أو حمية جهة أو سلطة إلى زوال مهما طال الأمد.
وأمام الحركة الإسلامية فرصة تاريخية لتبني مشروع كبير على غرار مشروعات التقدم التكنولوجي المعرفي والحضاري كالمشروع النووي الهندي أو الباكستاني او الإيراني مع أن العالم لن يدع حركة إسلامية تقترب من مثل هذه المشروعات أو حتى أن تحدث نفسها بها .. وقد أنفق العالم الغربي المال وأعيته الحيلة في القضاء على المشروع الإيراني!!
أو أن تتجه الحركة الإسلامية لتأسيس دولة الرفاه الاقتصادية والعمرانية مثل التجربة الماليزية والتي يحج إليها الإسلاميون كأنها مكة أو المدينة بعد أن استحال الوصول للقدس واستيئاس المسلمين من نصر موعود في المسجد الأقصى..
وثالث الخيارات تبني دولة المشروع الإصلاحي الاجتماعي الداخلي لتنكفئ الدولة والحركة الإسلامية على نفسها تهذب ما بالداخل وتجعل السودان نموذجاً يُحتذى في عدل السلطة ورفاهية الشعب وتقديم تجربة تجعل شعوب العام تمد أعناقها للسودان تأسياً به، فهل تملك الحركة الرغبة والإرادة في اختيار أي من مثل هذه المشروعات؟؟ أم (تستلذ) السير إلى جوار الحكومة حتى تنهض أو تهوي إلى غار سحيق إذا هوت ولنا عودة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية