مساعد رئيس حزب الأمة القومي للشؤون الاقتصادية "صديق الصادق المهدي" في حوار خاص مع (المجهر)
* “ترمب” دخيل على النظام الأمريكي ويصعب التكهن بقراراته
* الإدارة الأمريكية أصدرت الأمر التنفيذي لأسباب تخصها هي وليس من بينها مصلحة السودان
* بعض المسؤولين ظنوا أن أمريكا لن تسألهم عن حقوق الإنسان، وهذه غفلة
مع بدء العد التنازلي ليوم 12 يوليو المقبل والمحدد لإعادة النظر في الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية “باراك أوباما” ،برفع الحظر الاقتصادي جزئياً عن السودان، ولتقييم فترة الستة أشهر السابقة، للتقرير بشأن رفعه نهائياً، والأثر الذي يمكن أن يحدثه مثل هذا القرار المتوقع، والذي تنتظره الساحة السياسية بفراغ صبر ، ترقباً لما يمكن أن يحدثه من آثار غيجابية على الاقتصاد السوداني ، خاصة ، جلست (المجهر) إلى مساعد رئيس حزب الأمة القومي للشؤون الاقتصادية، واجرت معه حواراً،حول الموضوع، تناول قراءته وتوقعاته حول احتمالات رفع الحظر نهائياً ،وما يمكن أن يحدثه من أثر على الاقتصاد حال رفعه نهائياً، خاصة في ظل وجود عقوبات أخرى مفروضة من قبل الكونجرس الأمريكي على السودان، والسجال الجاري بشأن حل المشكلة الاقتصادية، والذي يربط حلها، بعيداً عن العقوبات الامريكية ، بحل الخلافات السياسية وإنهاء الحرب الدائرة في البلاد وزيادة الإنتاج، وتقليل الصرف على الأجهزة السياسية وتوسيع المواعين الإنتاجية .فإلى مضابط الحوار.
حوار- وليد النور
{ما هو تقييمكم لفترة الستة أشهر ،منذ رفع الحظر الجزئي للعقوبات الأمريكية، وما تحقق فيها ، بمايمكن من توقع رفعها نهائياً في الأسبوع المقبل.
– للكلام عن تقييم العقوبات الأمريكية وما سيحدث فيها وأثرها على الاقتصاد السوداني، لابد أن نبدأ بتشريح مشكلة الاقتصاد السوداني لأن الاطلاع على المشكلة يكشف لنا الحلول، وبعد ذلك نرى هل سيحل انهاء العقوبات المشكلة .
{ما هو الأثر الذي سيحدث للاقتصاد حال رفع العقوبات نهائياً ،الأسبوع المقبل.
– للحديث عن الأثر حال رفع الحظر في 12 يوليو القادم يجب أن نتحدث عن العقوبات الأمريكية المفروضة على البلاد، وهي ثلاث حلقات . عقوبات من الإدارة الأمريكية وهذه مسؤول منها الرئيس الأمريكي ،وهي متعلقة بالأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس السابق “أوباما”، ويفترض أن ينظر فيها “ترمب” وإدارته في 12 يوليو القادم، وعقوبات من الكونغرس الأمريكي ،وهذه صادرة بقانون من الكونغرس، وهي التي أدخلتنا في قائمة الإرهاب، وهذه لن تزول إلا برفع اسم السودان من قائمة الإرهاب بقرار من الكونغرس الأمريكي، الحلقة الثالثة من العقوبات هي عقوبات أممية من مجلس الأمن الدولي ، وهي أكثر من 60 قراراً معظمها تحت الفصل السابع . والفصل السابع يعني، أن الدولة الصادر ضدها القرار يتم تصنيفها بأنها خطرة على السلم والأمن الدوليين ومهددة لهما.
{ إذن رفع العقوبات لن يكون بمستوى التفاؤل الحاصل حالياً؟
-هذه الحلقات الثلاث من العقوبات تكبل اقتصاد البلاد ، وإذا تحدثنا عن استفادة البلاد من رفع الحظر، لازم تزول الحلقات الثلاث، لأنها كلها مؤثرة . بالتالي نحن الآن نتكلم عن حلقة واحدة من العقوبات من حلقاتها الثلاث. أي أن الاثنتين يمكن أن تؤثرا على التحويلات المصرفية والتعاملات البنكية ،وتوقف الاستثمار الأجنبي وتوقف الحصول على قروض تنموية ميسرة من الأسرة الدولية، بنوك، دول، منظمات. بجانب البنوك المعنية بتقديم العون للدول النامية ،وتوقف الاستفادة من مبادرة إعفاء الديون والسودان واحد من 38 دولة مستحقة لإعفاء الديون ،من الواقع الاقتصادي فيها، وقد استفادت الآن 36 دولة ،وما زال السودان ومعه الصومال ،لم يستفد من مبادرة إعفاء الديون بسبب سلسلة العقوبات الثلاثية، هذه هي العقبة أمام كل الميزات والامتيازات المحروم منها السودان بسبب العقوبات .
{إذن لماذا أصدرت الإدارة الأمريكية الأمر التنفيذي؟
-الأمر التنفيذي الذي أصدرته الإدارة الأمريكية ،لا يعني أن السودان وصل إلى مرحلة زالت فيها المشاكل والعقبات بينه والأسرة الدولية والمجتمع الدولي، ولكن الولايات المتحدة تريد تطبيع العلاقات لأسباب تخصها هي، وليس من بينها مصلحة السودان.
{ ما هي تلك الأسباب؟
-أن يكف السودان عن التدخل في شؤون دول الجوار وفي ما تسميه أمريكا ، الكف عن دعم ومساندة الإرهاب بالتعريف الأمريكي للإرهاب، هذا هو السبب، والدليل على هذا الكلام، أن الرئيس “أوباما” قبل شهرين ونصف الشهر من مغادرته البيت الابيض، واكتمال دورته الرئاسية، جدد العقوبات على السودان، وذكر عند حادثة التجديد أن السودان ما زالت فيه الظروف التي دعت امريكا لفرض العقوبات، وبالتالي جدد تلك العقوبات، وقبل ثلاثة أيام من خروجه أصدر الأمر التنفيذي.
{ خلال الشهرين ونصف الشهر، هل حصلت تحولات أساسية من جانب السودان جعلت “أوباما” يصدر الأمر التنفيذي .. ؟
-لا .الحصل هو التزام من السودان بكف يده عن المناطق التي لا تريد أمريكا أن يتدخل فيها، وتحديداً دولة الجنوب وليبيا. دولة الجنوب لأنها دولة وليدة ودخلت في اضطرابات وأصبحت دولة مهددة وفاشلة، بالتالي فان الإدارة الأمريكية تعتبر أن دولة الجنوب تكونت وأتت للوجود برعايتها ،ولذلك هي مهتمة بأنها يتحقق الاستقرار فيها، وكذلك الاضطراب في المنطقة يؤثر سلباً على الأمن القومي الأمريكي ومصالح واشنطن. لذلك فهي حريصة على الاستقرار في المنطقة.
{وما هي علاقة ليبيا بالامر ؟
-الجانب المتعلق بليبيا مربوط بالدعم الذي تجده الجماعات الإسلامية في ليبيا. وأمريكا تتخوف من تمكن الجماعات الإسلامية في ليبيا من أن تضع يدها على البترول الليبي، وهذا يعطيها موارد تمويلية ضخمة ، ويجعلها تشعل نار الإرهاب، ولذلك ، وحتى يتحقق الاستقرار في هاتين المنطقتين ، فان الإدارة الأمريكية دخلت في اتفاق مع الحكومة السودانية، بأن ترفع يدها من التدخل في هاتين المنطقتين، وان لا تدعم الإرهاب بشكل عام . وهذا ما يراقبونه الآن. هل هناك تدخل أم لا؟ في هاتين المنطقتين ومناطق أخرى، أمريكا تعتبرها مهمة ،في رعاية مصالحها وسلامة أمنها القومي.
{ الا يبدو أن الموضوع لازال يكتنفه شيء الغموض في رأيك؟
-أنا أفتكر ان هناك مشكلة كبيرة في بعض المسؤولين في النظام، فهم يعتبرون أن هذه فرصة طيبة، وأن الإدارة الأمريكية لن تسألهم عن معان متعلقة بحقوق الإنسان والشفافية، ولجأت لأشياء أخرى .وهذه المسألة فيها غفلة كبيرة جداً . أولاً لمحدودية أثر الإجراء الخاص بالأمر التنفيذي حتى لو أصبح دائماً سنرى محدودية أثره، ولكن المشكلة الأكبر في أن الأمر مرتبط بمصالح تحددها أمريكا ،ومربوطة أكثر بالمصالح الأمريكية ،وليس بأوضاع الاقتصاد السوداني. أمريكا مدخلها في هذه المسألة مصالحها ولدينا نموذج واضح ولم نستفد ،منه وهو اتفاقية السلام التي حصلت برعاية أمريكا وتم توقيعها في 2005.
{إذن ما هو الأثر المتوقع حال رفع الحظر النهائي في 12 يوليو الجاري؟
-السيد “ترمب” هو رئيس دخيل على النظام الأمريكي ،لأنه يتعامل بطريقة مختلفة .ويتكلم بطريقة مختلفة، وهذا جعل كثيراً من الناس يصعب عليهم التكهن بما سيفعله، ولكن مع ذلك توجد مؤشرات، وهي أن الأوضاع التي حول الإدارة الأمريكية ، والتي لديها درجة من التأثير على القرار ، هي الآن في حالة انقسام، فهنالك من يرى أن الأمر التنفيذي فتح باب تعاون مع السودان، وبالتالي يجب ان لا تحصل فيه ردة .والأفضل أن يستمر ويتواصل الحديث مع السودان هذا رأي، وهناك رأي آخر يرى أن سجل السودان في حقوق الإنسان سيئ ،وأن الإدارة الأمريكية إذا ذهبت في هذا الطريق فانها تعرض نفسها لمشاكل وضغوط من أنها رفعت العقوبات عن نظام لا يستحق ذلك. وهذان الرأيان موجودان .
{ كيف تقرأ رأي “ترمب” في ظل وجود مجموعتين متنافرتين من حوله؟
-الرئيس الأمريكي عندما تضيق الحلقة، فان موقفه ينحصر بين دائرتين . الدائرة الأولى تمثل مجموعة اليمين البديل، وهذه مجموعة متشددة جداً ضد المسلمين والأفارقة، وبالتالي إذا انساق “ترمب” لهذه المجموعة سيكون متشدداً تجاه السودان، وسيكون موقفه هنا أن يتراجع ويلغي الأمر التنفيذي، ولكني لا أتوقعه لأن هنالك الدائرة الأخرى ، والتي ترى أن الإدارة الأمريكية الآن مشغولة بمشاكل كثيرة داخلية وخارجية، وبالتالي فان السودان ليس من الأولويات ،الآن ، للإدارة الأمريكية، للنظر تدقيقاً في موضوعه وحسمه . ولذلك وبأخذ هذه العوامل في الحسبان، فان أغلب الظن ان تتجه الادارة الامريكية لتمديد الفترة، لتكون هنالك فترة أخرى ،للمتابعة والتقييم هذا غالباً ما سيحصل ..
{إذن رفع الحظر سيفتح الباب أمام التعاملات البنكية الأجنبية؟
-البنوك لم تفتح باباً للتعامل، إلا إذا أزيل السودان من قائمة الإرهاب ، لذلك أقول إن الأثر سيكون محدوداً، وهنالك نموذج سنقيس عليه حتى لا يكون الكلام بدون أسس ،وهو نموذج إيران .. فإدارة “أوباما” في يناير 2016 رفع عنها العقوبات ،بقرار دائم وليس تنفيذياً وهناك اقتصاديون إيرانيون قيموا أثر رفع العقوبات بعد فترة عام ، وذلك في 2017، وقالوا إن الانفراج نسبي في التعاملات المصرفية، ولكن الاستثمارات الأجنبية لم تأتِ، لأن إيران ما زالت لديها مشاكل مع المجتمع الدولي.
{لماذا رفعوا عنها العقوبات؟
-ورفعوا عنها العقوبات من منطلق كف الأذى ،مثل الوضع في السودان، وليس لأنها انسجمت مع المجتمع الدولي، لكن يريدون إيقاف تطويرها القنبلة النووية، وألا تصبح جزءاً من المحور الروسي –الصيني- الكوري الشمالي، لذلك قرروا رفع العقوبات وهذا الإجراء الذي حصل لإيران هو بمثابة كف الأذى .وكذلك ما حدث معنا. لذلك فان التقييم رفع العقوبات في إيران أثره كان محدوداً، ولم يعد باستثمارات، لأن الوضع في إيران ما زالت فيه إشكالية بالتالي نحن إذا رفعت العقوبات في يوليو سيكون الأثر محدوداً جداً جداً، ايضاً. والمشوار أمامنا سيكون طويلاً حتى نتحدث عن الاستفادة من رفع العقوبات ،مثل عقوبات الكونغرس والأمم المتحدة، وهذه تتطلب إجراءً جذرياً وتحولاً كاملاً في سياسات النظام.
{إذن مشكلة الاقتصاد السوداني ستظل قائمة؟
-المشكلة كبيرة جداً، والعقوبات جزء منها، لأنها تصعب عملية التحويلات والاستثمارات والتمويل وإعفاء الديون، كل هذه القضايا مربوطة بالعقوبات ،وهي مهمة لانطلاق الاقتصاد.
{وهل توجد مشاكل أخرى ،يعاني منها الاقتصاد السوداني؟
-توجد مشكلة كبيرة غير تأثير العقوبات الأمريكية ، وهي متمثلة في محدودية الإنتاج وهو نتيجة لسياسة خاطئة اتبعتها الدولة في الاعتماد على الدخل (الريعي)، عندما كان لدينا بترول ،ومؤخراً تم الاعتماد على الذهب.
{ما هو الدخل الريعي؟
-الدخل الريعي هو دخل من موارد حقيقية، لكن مشكلتها أنها موارد غير متجددة .والأولى الاعتماد على الإنتاج الحقيقي من الموارد المتجددة، ونحن للأسف ولعلة كبيرة في التخطيط ليس لدينا تخطيط في الاقتصاد، وعندما جاء البترول تركنا كل شئ ، مع أنه مورد غير متجدد ،ومربوط بإشكالات، خصوصاً بعد توقيع اتفاقية السلام، وكان فيها بند تقرير المصير، ويتضمن احتمال الانفصال، كان على الأقل نكون عملنا اتفاقاً داخلياً للبترول بنسبة (50%) يذهب للجنوب و(50%) تبقى للدولة الأم ، ولكننا فرطنا في مورد ضخم.
{ولكن الدولة جاءت بالبرنامج الثلاثي؟
-البرنامج الثلاثي استحدث كبديل لبترول الجنوب ،وجاء في الفترة من 2012 -2014 يعني بعد وقوع الانفصال، وهذه علة التخطيط التي أتحدث عنها . لذلك أدخلت اقتصاد البلاد في صدمة والوقوف المفاجئ ،وهو فقدان نسبة كبيرة من الموارد.
{ولكن رغم ذلك الحكومة تجاوزت مرحلة الصدمة؟
-نعم تجاوزت احتمال الانهيار، نتيجة للصدمة ولكن بأشياء مكلفة للاقتصاد .وهي جزء منها موارد غير متجددة ،وجزء منها بيع الأصول والأراضي والقروض، وهذه أشياء ذات أثر سلبي على اقتصاد البلاد .وليست طويلة المدى ولن تستمر لأنها موارد غير متجددة، لذلك وبهذا الوصف فان الاقتصاد ما زال مهدداً بشبح الانهيار نتيجة لانفصال الجنوب، الذي أحدث العجز في الميزان التجاري، لأننا عندما جاء البترول توسعنا في الصرف، عند تشييد المباني والصرف السياسي والسيادي .وتوسعت أبواب الفساد . وتوسعنا في الحكم الاتحادي الذي ضاعف الصرف (181%)، وانسحب البترول بانفصال الجنوب ، ودخلنا في العجز الذي وقع منذ انفصال الجنوب. المشكلة الثانية التي يعاني منها الاقتصاد هي مشكلة الحرب .ونحن للأسف وقعنا اتفاقية السلام 2005 التي قسمت البلد.
{ولكنها لم توقف الحرب؟
-حقيقة .واستمرت الحرب فيما يسمى الجنوب الجديد ودارفور . وهذا وجه من أوجه المعاناة التي تستنزف موارد البلاد .وهنا أستشهد بحديث أحد وزراء المالية السابقين، فقد قال أن الحرب تصرف إيراد شهر في يوم . وهي مشكلة لأنها تصرف موارد البلاد .وكثير من المواقع التى تدور فيها الحرب هي مواقع غنية بالإمكانات الإنتاجية ، وفيها ثروات ضخمة والحرب تخرجها من دائرة الاستغلال.
{ هل أثر مشروع التمكين على الاقتصاد؟
-التمكين والفساد ،”وديل ماشين مع بعض” ، “التمكين بتاع الحزب الحاكم وجماعته” التي وضعت سياسات كلها مرسومة لانتفاعها والاضرار بالمواطن وباقتصاد البلاد، ولكن انتفاع الفئة والطبقة الحاكمة .والتمكين مربوط بالفساد. وفي الحقيقة فان الفساد الذي حصل في هذه الفترة غير مسبوق في السودان، واستحققنا تصنيف الشفافية ، بأن نكون واحدة من أفسد دول العالم.
{إذن كيف يتعافى الاقتصاد حال رفع العقوبات نهائياً؟
-حل مشكلة اقتصاد البلاد مربوطة بحل كل الإشكالات .ولازم يحصل سلام .وتوافق سياسي يزيل حدة الاستقطاب ،وتوسيع المشاركة بين أبناء الوطن الواحد، والاتفاق على برنامج تنموي اقتصادي، يفجر طاقات البلاد الإنتاجية ، بالتعاون مع الأسرة الدولية، هذا هو المخرج للبلاد الذي يقودها للتوازن ،ويحسن أحوال الناس ويزيل الفقر . وأي كلام آخر هو من قبيل الزوبعة الإعلامية.