خلافات الشعبية..مسمار في نعش ثورة الهامش!!
أعلنت القيادتان عن وفدين تفاوضيين..
تقرير- رشان أوشي
بقلق وتوجس.. مرت عاصفة الخلافات داخل الحركة الشعبية لتحرير السودان (شمالاً)، ولكنها أطاحت ببعض الرؤوس التي لم تنحن لها، خاصة بعد انحياز مجلس تحرير النوبة لصالح تيار القائد العسكري ونائب رئيس الحركة الجنرال “عبد العزيز آدم الحلو”، وانحازت الجبهة الشرقية في مناطق النيل الأزرق وغيرها لتيار رئيس الحركة “مالك عقار”، والأمين العام “ياسر سعيد عرمان، ومضت الأمور إلى أن تصبح الحركة الشعبية حركتين وجيشين وقيادتين منفصلتين، إلى حد الاشتباك عسكرياً على الأرض، كما حدث في محور النيل الأزرق ، قبل أيام.
بداية النهاية:
بالرغم من أن خلافات الشعبية لم تك الأولى منذ اندلاع العمل المسلح منتصف القرن الماضي، فقد خرج جنرالات كثر من جلباب الانيانيا2، وشهدت منطقة جبال النوبة صراعات متكررة بين قيادات الجبهة، وآخرها عندما غادر الجنرالان “تلفون كوكو”، و”إسماعيل خميس جلاب”، وشهدت الشعبية انشقاقاً كبيراً في العام 2011م عندما كون القياديان “تابيتا بطرس شوكاي”، والجنرال “دانيال كودي” جسماً آخر من الحركة، إلا أنها لم تحظ بالاهتمام الحالي، ولم تؤثر في مجرى الأحداث، ومضت الأمور في تصاعد داخل الشعبية ، بعد أن سمى الفريق “عبد العزيز الحلو” وفداً تفاوضياً جديداً، وسمت الحركة الشعبية بقيادة “مالك عقار”، وفداً تفاوضياً يمثلها، مما أربك المشهد السياسي، وأدخل عملية السلام في مأزق، وباتت جولات المفاوضات القادمة على كف عفريت.
وتوقع مراقبون، أن تكون الخلافات الحالية هي آخر مسمار في نعش الحركة الشعبية قطاع الشمال، وأنها ربما تؤدي إلى نهايات غير سارة، بينما اعتبرها آخرون مجرد سحابة صيف، لا أكثر ، وان المياه ستعبر من تحت الجسر، ويلتئم شمل الطرفين ،وتمضي الأمور إلى ما يرام، وما يتناسب مع مسيرة التفاوض للوصول إلى اتفاق سلام فيما بعد، خاصة بعد أن طلبت الحركة الشعبية من الوسيط الأفريقي للسلام في السودان “ثابو أمبيكي” ، تأجيل المفاوضات مع الحكومة السودانية، حتى يوليو الحالي، وكشف الناطق الرسمي “مبارك أردول” أن حركته أبلغت الوسطاء رفضها حوار الوثبة الذي جرى في الخرطوم خلال الفترة الماضية، وما يترتب عليه من نتائج.
بينما أبدت الحكومة استياءها من تدهور الأوضاع داخل الحركة الشعبية، واعتبرته معرقلاً لعملية السلام، وفي أول تعليق رسمي على تلك الخلافات، أكد وزير الخارجية “إبراهيم غندور” ، أن الانشقاقات داخل الحركة الشعبية ستكون سالبة على عملية السلام :(لأن التفاوض مع حركة موحدة أفضل من التفاوض مع حركة منقسمة)، مشيراً إلى أن الانقسام جاء تحت عبارات عنصرية ،ولا يشير إلى عمل إيجابي تجاه السلام.
مواقف متغيرة:
من جانبه ،أفاد الناطق الرسمي باسم الحركة الشعبية بقيادة “مالك عقار”، “مبارك أردول” ، بأن حركته ملتزمة فقط بمناقشة القضايا الإنسانية ، ولن تدخل في حوار سياسي، وهو الأمر الذي اعتبره المراقبون ، تغييراً في مواقف الحركة الشعبية، التي كانت إلى وقت قريب لا ترفض التفاوض من أجل الوصول إلى اتفاق سلام.
وفي ذات السياق ، أشار “أردول”،إلى لقاء عقد أمس الأول، بين وفد من الحركة الشعبية ، مكون من الرئيس “مالك عقار” والأمين العام “ياسر عرمان” والناطق الرسمي “مبارك أردول” بأطراف أفريقية ودولية، على هامش قمة الإتحاد الإفريقي، المنعقدة بأديس أبابا، وما زالت اجتماعاتها متواصلة، وقد التقى بالرئيسين “ثابو أمبيكي” و”عبد السلام أبو بكر” من الآلية الرفيعة، بحضور ممثل الأمين العام للأمم المتحدة ، “فينك هايثوم” ، الذي عقد بدوره اجتماعاً آخر مع الوفد، كما التقى المبعوث النرويجي وممثلين من ألمانيا، ووفداً من لجنة خبراء الأمم المتحدة ، وأعضاء من مجلس السلم والأمن الإفريقي وسيواصل الوفد لقاءاته.
وشدد “أردول” على التزام الحركة الشعبية بالحل الشامل في السودان، مردفاً:( لن نتراجع إلى حركة إقليمية .ونعطي أولوية قصوى لمعالجة الوضع الإنساني)، موضحاً بأنها عقدت في هذا الصدد ورشة عمل بالعاصمة التنزانية، “دار السلام” ، في أواخر مايو الماضي، قامت فيه بمراجعة شاملة للقضايا الإنسانية والعملية السياسية والمقترح الأمريكي ، وتوصلت لمواقف جديدة :(منها وثيقة الإتحاد الإفريقي حول وقف العدائيات الإنساني ، وصممت من عنصرين رئيسيين هما، إجراءات العملية الإنسانية، ووقف العدائيات من جهة، ومن جهة أخرى ، ربطت ذلك بعملية سياسية على أساس خارطة الطريق التي وقعتها قوى نداء السودان ، في أغسطس ٢٠١٦م. وأكدت الحركة للآلية الرفيعة أن النظام قد تنصل عن خريطة الطريق ، وعقد على نحو منفرد حواره الوطني، الذي لم يكن شفافاً أو شاملاً، ولم يفضِ إلى حلول، ولذا فإن العملية السياسية اللازمة لوقف العدائيات لم تعد موجودة، ولابد من عملية سياسية جديدة والتي لا تستطيع خارطة الطريق الحالية تلبيتها، كما أن الحركة الشعبية ملتزمة فقط بحل القضية الإنسانية، ولن تشارك في أي مفاوضات سياسية، إلا على أسس جديدة، منها أن تعترف الحكومة بالأزمة السياسية العميقة ، وبوقف الحرب عبر عملية سياسية شاملة، والتي يجب أن تعالج جذور قضايا الحرب وخصوصيات مناطقها، وضرورة اتفاق المعارضة والحكومة على إعلان مبادئ كأساس للحل الشامل يحوي ترتيبات انتقالية سياسية جديدة.
انحياز:
وقد أشار المحلل السياسي والباحث الأكاديمي “النور آدم”، في حديثه لـ(المجهر السياسي)، إلى أن الخلافات الحالية في الحركة الشعبية ربما تعجل عملية السلام، وتجلى الأمر في أن مجموعة “عبد العزيز الحلو” ربما تتجه لتوقيع اتفاق سلام خاصة بعد كثرة الأصوات المطالبة بإيقاف الحرب في جنوب كردفان، بينما ستظل مجموعه”عقار”، و”عرمان”، متمسكة بموقفها الرافض للسلام تحت مبررات “أسس جديدة”، موضحاً بأن الخلافات الحالية ،ستنعكس سلباً على وجود الحركة الشعبية على الأرض، وربما دقت المسمار الأخير في نعشها.