بعد ومسافة
مرسوم رئاسي جدير بالمساندة..
مصطفى أبو العزائم
المرسوم الجمهوري الذي أصدره السيد رئيس الجمهورية المشير “عمر حسن أحمد البشير” يوم (الأحد) الماضي، والقاضي بتمديد وقف إطلاق النار حتى نهاية أكتوبر المقبل، يأتي استجابة لمطالب شعبية خالصة، ويعبِّر بكل صدق عن رغبة الأغلبية الصامتة التي لا تجد منفذاً يوصل صوتها أو رغبتها في أن ينعم الله عليها وعلى الوطن بالسلام المستدام، بعيداً عن مزايدات سماسرة الحرب الذين يتاجرون بقضايا الهامش وأهلهم هناك.
هذا المرسوم يؤكد على جدية الحكومة وسعيها الدائم نحو السلام، حتى تضع الحرب أوزارها ويزرع أهل الهامش ويحصدون وهم ينعمون بالسلام والطمأنينة، ويعيشون حياتهم مثل بقية خلق الله في أمن وسلام، لا ترعبهم أصوات الدانات والمدافع والطلقات، ولا تخيفهم هجمات المليشيات المسلحة التي تفتك بهم وبأرضهم وزرعهم وماشيتهم ليل نهار، بزعم الدفاع عنهم وعن قضاياهم في النيل الأزرق وجنوب كردفان.
المرسوم لا يؤكد على جدية الحكومة وسعيها الدائم للسلام فقط، بل يؤكد على التزام الحكومة، بل الدولة بكامل مؤسساتها السيادية والرسمية والشعبية والمجتمعية بوثيقة الحوار الوطني ونتائج ذلك الحوار لإلحاق الممانعين للحوار الوطني بقاطرة السلام، كما أنه يؤكد على عدم تصيّد الفرص واقتناصها لضرب الحركات المسلحة، وفي مقدمتها الحركة الشعبية لتحرير السودان في مقتل، استغلالاً لما تعانيه من ضعف وانشقاقات وانقسامات ربما تقود إلى أن يوجه الحلفاء داخل تلك الحركات بنادقهم إلى صدور بعضهم البعض، وما ذلك ببعيد في ظل اتهامات متبادلة بالخيانة أو تصفية الخصوم، وفي ظل انقطاع تام للدعم العسكري والمادي والغذائي عن الحركة الشعبية (شمال) وعن بقية الحركات المسلحة بسبب الانهيارات المتتالية التي تعاني منها دولة جنوب السودان، الداعم الرئيسي لكل هذه الحركات.
المرسوم الرئاسي بوقف إطلاق النار، يجب أن يجد الدعم والمساندة من قبل كل القوى السياسية والحزبية والشعبية، وحسناً فعل الحزب الشيوعي السوداني ممثلاً في عضو لجنته المركزية الأستاذ “صديق يوسف”، عندما أشاد بالمرسوم ووصفه بـ(الفأل الحسن) من قبل الحكومة، على اعتبار أنه يصب في اتجاه تعزيز المساعي الإنسانية ودعم الملف التفاوضي لإنهاء الحرب في البلاد.
قطعاً التأييد والمساندة مطلوبان، لكن الضغط على الحركة الشعبية (قطاع الشمال) وبقية ما تبقى من حركات دارفور يبقى مهماً أيضاً لتضع السلاح وتأتي إلى طاولات التفاوض معززة مكرمة في سعيها للخير من أجل الذين تدعي أنها تحارب من أجلهم.
نعم.. التأييد وحده لن يكفي، لا بد من أن يصحب ذلك تحرك من قبل القوى السياسية للضغط على هذه الحركات وحثها على الالتحاق بالسلام، لا من أجل رفع العقوبات الأمريكية عن السودان، والالتزام بخارطة الطريق الخاصة برفع تلك العقوبات والتي وضعتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق “باراك أوباما”، بل من أجل هذا الوطن الذي أثخنته الجراح، وضعضعته الإحن والمصائب وأضعفته الأزمات.. ومن أجل إنسان هذا الوطن الذي دفع ثمناً غالياً بسبب الصراعات السياسية والعسكرية وبسبب الطموحات الشخصية لبعض الذين يحلمون بحمل صفة القائد مقترنة بأسمائهم وهم كثر للأسف الشديد، وأكثرهم لا يعلم أنه لا يستحق ذلك، لكنها أطماع البشر وضعف النفس البشرية.
المرسوم الرئاسي بوقف إطلاق النار لم يكن هو الأول فقد سبقته عدة قرارات تتابعت وتجددت كل ستة أشهر، وسبق أن استجابت بعض تلك الحركات المسلحة لتلك القرارات مع الالتزام التام بوقف الأعمال العدائية، لكن سرعان ما يمتد أصبع لزناد بندقية لينسف كل النوايا الطيبة والآمال الكبيرة في بناء الثقة بين الحكومة وخصومها المسلحين، ونحمد للدكتور “جبريل إبراهيم” رئيس حركة العدل والمساواة ما قاله من قبل.. “إن الحرب ليست هي الحل.. وإننا لسنا هواة حرب”.
ليت هذه اللغة تتجدد، وليت الأشقاء الذين يقودون تلك الحركات استجابوا لصوت العقل والحكمة والوطن الذي يقول “أرضاً سلاح” وليس أدلّ على تجاوب الكثيرين من منسوبي الحركات المسلحة لصوت العقل والحكمة والوطن أكثر من الانسلاخات المستمرة من قبل قيادات أو من قبل عضوية تلك الحركات للالتحاق بقطار السلام.
الله أكبر.. والعزة للسودان