بعد ومسافة
بداية مسلسل الاغتيالات بين الثوار!
مصطفى أبو العزائم
اللهم إني صائم.. ينشغل بعض الناس – عادة – في شهر رمضان المعظم بالدراما التلفزيونية، والمسلسلات (المخدوعة) التي تجذب أكبر عدد من المشاهدين، وترفع من مستوى المتابعة في القنوات الفضائية التي تعرض تلك المسلسلات بما يضمن لها عائداً إعلانياً فوق المستوى المعتاد، ويتم عرض البرامج الجاذبة لذات الغرض، ونجد أن لكل بلد نوعية متميزة من البرامج التي تشد انتباه أهله للشاشة السحرية الصغيرة.
على مستوى الفعل السياسي والحراك داخل خلايا التمرد أو الثورة على الحكومة السودانية الآن بدأت أولى حلقات مسلسل دموي جديد، تقوم عقدته الأساسية على الاغتيالات والتصفيات، إذ أشارت أصابع الاتهام إلى رئيس الحركة الشعبية (شمال) المعزول “مالك عقار” في قضية مقتل عضو الحركة والقيادي بها “علي بندر السيسي” على خلفية خلافات وصراعات بينه وبين رئيس الحركة “مالك عقار” أودت به إلى القبر.
يتمتع “مالك عقار” بحس عالٍ أشعره بجدية الاتهامات المساقة نحوه، وعرف أن حدود الدم هي الدم، لذلك أتى بما يمكن أن نسميه (تمثيلية) سيئة الإخراج من خلال ابتعاده والأمين العام للحركة “ياسر عرمان” عن المواقع القيادية، وعدم ترشحهما لأي موقع قيادي في المستقبل من داخل المؤتمر العام للحركة.
لماذا فعل “عقار” ذلك؟.. هذا هو السؤال والإجابة عنده، وهي قطعاً تختلف تماماً عما جاء في بيانه الذي عممه على قيادات الحركة ومنسوبيها، لكن دعونا نبحث عن الإجابة على هذا السؤال. من خلال الوقائع والأحداث التي شهدتها الحركة الشعبية (شمال) في سوحها وميادينها المختلفة.. وهذا يتطلب منا أن نقف أولاً عند محطة الثأرات القديمة بين “عقار” و”عرمان” من جهة وبين عناصر قيادة أخرى داخل الحركة الشعبية من جهة أخرى أبرزها القائد “عبد العزيز الحلو” هذا غير الشعور بالظلم والتهميش لدى مجموعة كبيرة من أبناء النوبة داخل الحركة الشعبية، الذين يشعرون بأنهم يقومون بالفعل الميداني والحربي، ولا يجنون إلا الموت في ميادين القتال أو الأسر، وإن نجوا من ذلك واجهوا أشباح الجوع داخل المعسكرات، مما ألجأ بعضهم إلى الاعتداء على القرى و(الحلال) والاستيلاء على الماشية و(ما تيسر) من طعام لسد وإطفاء نار الجوع التي تأكل الدواخل ولا ترحم.
ثم.. هناك حوادث الموت الناجمة عن الاغتيالات أو التصفيات أو نتيجة محاكمات عسكرية ميدانية لا يجد فيها المتهم فرصة للدفاع عن نفسه، وهذا أدى إلى إيجاد ضغائن وأحقاد كبيرة لدى العديدين المجبرين على البقاء في تلك المعسكرات في انتظار الفرج.
التراكمات المستمرة والإحساس المتنامي بالظلم قاد في نهاية الأمر إلى ما نراه الآن على مسرح الأحداث في جبال النوبة والنيل الأزرق وأصبح شبح الموت يطارد ويهدد الجميع بلا استثناء، لذلك برز اسم “الحلو” بين أعضاء ومجندي الحركة الشعبية كخيار بديل أفضل للقيادة الحالية المتهمة دوماً بالفساد والبعد عن قضايا أهالي ومواطني المنطقتين، لكن اختيار “الحلو” لن يصبح هو الحل لدى البعض، فهناك من يرى ضرورة محاسبة ومحاكمة “عقار” و”عرمان” على ما ارتكباه ومن معهما من جرائم في حق الأهالي والمجندين في الحركة الشعبية.. وهناك من يرى ضرورة تطبيق مبدأ.. الجزاء من نفس العمل، أي الإعدام والتصفية مثلما جاء في بيان المجلس العسكري المكلف التابع للحركة الشعبية، بالنيل الأزرق، مع مطالبته بإرجاء ملف التفاوض إلى حين انعقاد المؤتمر وانتخابات الهياكل التنظيمية لتحديد قضايا التفاوض بما فيها حق تقرير المصير.
أخطر ما في الأمر هو ما ورد في نتائج اجتماعات مجلس تحرير الذي انعقد مؤخراً في “يابوس” وهو التأكيد على الاقتصاص من “عقار” ومن “أحمد العمدة” للجرائم المرتكبة بحق شعب النيل الأزرق؟
توقعوا مسلسلاً جديداً دامياً من الاغتيالات داخل الحركة الشعبية وتصفية الحسابات بالرصاص وكل سلاح متاح.. وهو ما قرأه “مالك عقار” بحسه العالي والذي قد يقوده إلى الخروج من المنطقة (فجأة) ودون سابق تنبيه إلى (جهة ما) يفصل بينها وبين النيل الأزرق أو جبال النوبة آلاف الأميال!