6/6
صادف يوم أمس (6/6) من العام 2011م، أي قبل ست سنوات تجددت الحرب المدمرة في إقليم جبال النوبة والنيل الأزرق وتوقفت التنمية وتعطلت المشروعات التي كانت تنفذ.. وصرخت الجبال وجعاً وألماً على هلاك الآلاف من الأنفس في حرب عبثية لا طائل من ورائها حصدت الحرب حتى اليوم عدداً يصعب تقديره.. نظراً لأن مهام إحصاء الموتى وعد الضحايا لست من مهام واختصاص المؤسسات الوطنية وحينما تنازع أهل الحكم والمعارضة في عدد ضحايا النزاع في دارفور قالت المعارضة، إن الضحايا مليون وقالت الحكومة عشرة آلاف فقط.. وعشرة آلاف رقم يعادل ضحايا الصراع العربي الإسرائيلي منذ عام 1948م، وحتى اتفاقية أوسلو.. وتقديرات ضحايا الحرب التي اندلعت في 6/6 بجبال النوبة وحدها متروكة للتاريخ الذي لا يهمل التاريخ.. ولكن الخسائر المادية والمعنوية شملت إغلاق (100) مدرسة أساس و(68) مدرسة ثانوية.. وتشريد (10) آلاف طالب من مدارسهم وأغلقت الحكومة أبواب معسكرات ضحايا الحرب.. لكن فتحت دولة الجنوب مخيمات للاجئين في بحيرة أبيض وبانتيو.. ومزقت الحرب أحشاء الأمهات وزرعت الأحقاد في النفوس وباعدت بين أبناء الوطن الواحد.. حتى أخذ البعض يردد جهراً المطالبة بالانفصال لجبال هي أصل السودان وقبلته.. ولسكان هم أهل البلد وبناة جيشها.. وحماة حدودها.. وقارعو طبلها ولاعبو كرة قدمها.. والحرب حينما تتطاول ويتسرب اليأس للنفوس يختار المقاتلون المرهقون التعايش مع الحرب أو الانتحار بالحلول الغبية، كما حدث إزاء جنوب السودان الذي لم يعتبر أهل الحكم من دروس انفصال ولا أسبابها وبعد هذه السنوات الستة ودخول الحرب العام السابع لا يبدو أن هناك درباً يفضي إلى حل في الوقت الراهن.. وباتت الحرب في جبال النوبة أقرب للحرب المنسية ولاذت النخب والقيادات بالصمت وهم حيارى في جسد الإقليم تصدع بنيانها.. وأصبح صعباً التمييز بين الأصل والفرع.. ومن يملك القوة ومن معه الحق المقدس.. ما بين صراع ديوك الحركة الشعبية وطموحات “عرمان” ونزوات “الحلو”.. انقضت فترة الهدنة التي أعلنها الرئيس “البشير” وأصبح الخيار العودة للحرب في الصيف القادم الذي يبدأ بعد فصل الخريف الحالي، ولكن الحرب إذا اندلعت مجدداً تتوحد أطراف الحركة المتصارعة.. وإذا تحقق السلام بالتفاوض فإن الحركة الشعبية مستقبلها السياسي لا يتعدى الدوائر الجغرافية لمنطقتي النيل الأزرق وجبال النوبة.. لن تحصد الحركة أكثر من خمس عشرة دائرة جغرافية في كل السودان، فلماذا الخوف من السلام.
حتى تتوقف الحرب ويعود السلام إلى جبال النوبة ينتظر أن تدفع الحكومة ثمناً للسلام.. وثمناً للاستقرار وثمناً لعيش مواطنيها الكرماء.. السنوات الماضية أورثت جبال النوبة تخلفاً عن بقية السودان الذي يزرع أرضه ويستثمر في معادنه.. ويبني مدارسه.. ويتوافد عليه المستثمرون عرباً وعجماً.. وجبال النوبة تتوافد عليها حشود المقاتلين وتتوقف مشروعات الطرق التي كانت تشق الجبال وتتعطل المدارس ويصبح مستشفى كادقلي المرجعي كتلة من البناية الخرصانية التي تتخذها حمير المدينة ملاذاً من مطر الخريف وهجير الصيف.. وطريق شريان الاقتصادي السوداني أم روابة -العباسية -رشاد -أبو جبيهة.. يغادره الحديد الأصفر.. وتتوقف الشركة المنفذة عن أعمال الردميات ويصبح كل شيء في انتظار أن تتوقف الحرب ويعود السلام.. والمفاوضات تتعثر.. و”أمبيكي” يفشل في إعادة الفرقاء لطاولة التفاوض.. ويبقى كل شيء في انتظار المجهول.