ليل رمضان… (معاكسات) تتجاوز الخطوط الحمراء
رغم حرمة الشهر الفضيل
مشهد أول
كانت الساعة (تجر) ثوانيها على (مهل) مساء أمس، الأول في حوالي الساعة الحادية عشرة مساءً بشارع النيل بالخرطوم الذي بدأت تنشط فيه حركة لعدد غير قليل من شباب الخرطوم الذين كانوا يأتون إليه راكبين أو راجلين من المناطق المتاخمة للشارع الذي أصبح قبلة الشباب الأولى خلال فترة ما بعد التراويح، وعند الرصيف الجنوبي و كانت فتاتان تسيران (الهوينا) بعد أن خلعن الوقار الذي تدثرن به خلال النهار، وتعالت أصوات ضحكاتهن بشكل لفت إليه أغلب رواد الشارع، ولم تطل ردة فعل البعض كثيراً وسرعان ما توقفت أمامهن سيارة من نوع (التوسان) بداخلها اثنان من الشباب أطلقا رجاءاتهما بأعين (والهة) للفتيات اللاتي كن يتبخترن بدلال لم تخطئه (أنفس الشباب الأمَّارة بالسوء ) خلال مساء الشهر الكريم، إلا أن ردة فعل الفتيات كانت (التجاهل) التام الذي لم يفت في عضد (همة) المتربصين بهم، وعندما رأيا تمنع الفتيات مضيا إلى اتخاذ خطوة أكثر جرأة وترجلا من السيارة بهدف إقناع الفتيات بالركوب معهما، إلا أن الفتيات تمادين في (تمنعهن) وأسرعن بخطوات مسرعة إلى الجهة المقابلة للشارع، ورغم أن أضواء الشارع كانت قوية وكثيفة (تستطيع أن تلمح فيها جناح بعوضة) إلا أن جرأة الشباب لم تنقص مقدار (عزم) وأسرعا (لاهثين) خلف الفتيات إلى الجهة الأخرى من الشارع حتى لا يفوتهما ما يعتقدونه (صيداً سميناً) وسط أنظار رواد الشارع الخرطومي الكبير وتعليقاتهم الساخرة والساخطة على الفتيان والفتيات على السواء…انتهى مشهد (المطاردة) الغرامية الرمضانية بإيقاف الفتيات سيارة أمجاد (انحشرن) فيها على عجل وبنظرات زائغة وخجولة ومضت بهن السيارة الصغيرة تنهب بهن الأرض لا تلوي على شيء، فيما قلب الشابان كفيهما وهي (خاوية) يعتصر قلبيهما حزن وقتي على ما فرطا فيه وأسرعا بخطوات (غير خجولة) إلى سيارتهما ربما بحثاً عن (صيد ربما يكون أسهل من سابقه).
ما سبق رأيته بعيني أمسية أمس الأول، في شارع النيل بالخرطوم، وهو ما يمثل (تعدياً سافراً) على حرمة الشهر الفضيل سواء ممن الفتيات أو الفتيان على السواء، وهو الأمر الذي وافقني فيه المهندس “محمد الدسوقي” أحد رواد شارع النيل الذي أعرض عن امتعاضه من الحادثة، مضيفاً أن شهر رمضان لا ينفصل ليله عن نهاره، وما يبتعد عنه المسلم نهاراً يجب أن يكون بعيداً عنه أيضاً أثناء الليل، منتقداً في ذات سلوك الفتيات الذي أجبر الشباب على التمادي و(ملاحقتهن) حتى يرضخن لرغباتهم، وختم حديثه قائلاً: (ربنا يهدى الناس للطاعات في هذا الشهر المبارك).
تناقض ظاهر
ويعلق الدكتور “محمد بولو”، الاختصاصي في العلوم الاجتماعية، على هذه الظواهر بأن الأصل في الشهر المبارك هو ازدياد مظاهر التدين من امتلاء المساجد وإقبال على الصلوات والتراويح، وانتشار اللباس المحافظ، وتوسع مظاهر الجود والإنفاق.
وتابع “بولو”، بأنه للأسف تنتشر مظاهر أخرى سلبية تكاد تضيع مقاصد هذا الشهر الفضيل، من قبيل السهر الكثير بالليل من دون فائدة، وملء الوقت بتوافه الأمور، مثل لعب الورق أو وأخطر ما فيه عندما يتحوَّل ذلك إلى ميسر وقمار.
كما أشار إلى انتشار ظاهرة (التسكع) مباشرة بعد تناول وجبة الإفطار، عند فئات كثيرة في الشوارع العامة، وعلى شارع النيل، وغالباً ما يكون التساهل في الملابس والعلاقات وتنشط المعاكسات والمظاهر المخزية في الأماكن المعتمة.
والغريب، أن العديد من الأسر يتساهلون في خروج المرأة ليلاً في رمضان ما لا يسمحون به كثيراً في غير رمضان، كأن الناس يتخففون من التكاليف وينفلتون من صرامة الانضباط في نهار رمضان، الأمر الذي يفيد أن رمضان قد انقلب عند البعض مجرد عادة يقلب فيها الليل إلى نهار ويقلب فيها النهار إلى ليل.
واستطرد الباحث بأن ليالي رمضان صارت عند البعض فرصة للتنفيس والتعويض عن “الحرمان”، وذلك في غفلة تامة عن مقاصد الصيام وأهداف هذه العبادة من التقوى والصلاح، والتخفف من الذنوب والمعاصي، والإكثار من أنواع البر والحسنات، مشيراً إلى أن البعض يزدادون فسقاً وفجوراً في رمضان، غافلين عن حرمة الزمان وقداسة الموسم وعظم الإثم فيه كعظم الثواب في رحابه.