اللواء "حسن صالح" محطم عملية الذراع الطويل يحكي في الذكرى الـ(9) لغزو أم درمان
(العدل والمساواة) عسكرياً انتحرت على أسوار سلاح المهندسين لكن سياسياً انتصرت!!
“القذافي” كان الداعم العسكري والسياسي الحقيقي للعملية والحكومة تحفظت لهذه الأسباب
خطة الحركة كانت تعتمد بنسبة (95%) على تحريك الطابور الخامس
حوار – هبة محمود
اليوم تمر علينا الذكرى الـ(9) لغزو أم درمان بواسطة حركة العدل المساواة، (المجهر) جلست إلى اللواء “حسن صالح” والذي كان يشغل وقتها قائد سلاح المهندسين، وهو يتولى أمر المعركة بقواته، وينهي حلم الحركة في التوغل إلى داخل العاصمة. مشاهدات وتفاصيل دقيقة حكاها سعادة اللواء وأخرى يفصح عنها لأول مرة فإلى مضابط الحوار.
حوار ـ هبة محمود
{سعادة اللواء كيف استطاعت قوات العدل والمساواة الوصول إلى أم درمان؟
-المعلومات المتعلقة بتحرك هذه القوات نحونا كانت موجودة ومتوفرة لدينا، لكن تقييمها وتقديرها من قبل الحكومة لم يكن دقيقاً، المعلومة شيء والتعامل معاها شيء تاني. قواتنا كانت تتابع حركة العدل منذ لحظة تحركهم من إنجمينا التشادية لكن لأنهم أي ـ الحركة ـ كانوا يعتمدون على المساعدات الخارجية المقدمة لهم، فكانت كل تحركات قواتنا معروفة ومكشوفة لديهم عبر الأقمار الصناعية مما مكنهم من تحاشي أي صدام لهم مع جيشنا، حتى طائراتنا عندما كانت تقوم بضربهم من على البعد، كانوا يتشكلون في شكل قرى بالنهار ويتحركون ليلاً كي لا يتم ضربهم حسب التوجيهات الموجهة لهم.
{تقديرات غير دقيقة أم تهاون؟
-هو ليس تهاوناً ولكنها تقديرات غير دقيقة كما ذكرت لك في كيفية التعامل مع المعلومة. المعلومات كانت متوفرة وفي ذات الوقت متضاربة مرات يقولون حنضرب سد مروي وقواتنا تتحرك إلى هناك ومرات تانية دايرين نضرب الأبيض وهكذا، والقيادة داخل الخرطوم كانت ترى أنه من الصعوبة بمكان لهذه القوات الوصول إلى العاصمة لعدم تملكها خط إمداد.
{المعلومات المغلوطة تبرر برأيك وصولهم إلى العاصمة؟
-الخدعة الإستراتيجية لحركة العدل والمساواة كانت تستهدف القيادات وصناع القرار في داخل الحكومة، وقد عمدوا إلى إحداث حرب نفسية وإرباكاً في المشهد، وقواتنا دخلت معهم في مناورات على الحدود الشرقية التشادية ومنهم من تراجع، ونحن لما كنا بنستجوب في الناس ديل بعد القبض عليهم كانوا بقولوا في كتيبة (قبلت) يعني رجعت عندما استهدفها طيرانا، أما الباقون واصلوا مسيرتهم وهؤلاء طبعاً كان بحوزتهم صور لفنانات، لأن ما قيل لهم وما صور هو أن المهمة ساهلة للغاية وبمجرد وصولهم سوف يستلموا العمارات ويعرسوا البنات ويركبوا السيارات، وتنتهي المهمة بمجرد الوصول لأم درمان بعد أن يتسلم الطابور الخامس منهم.
{الهدف إشعال الطابور الخامس؟
-أيوة .. الخطة بنسبة (95%) كانت تعتمد على الداخل، كانوا قاصدين يشعلوا شرارة هنا عشان يحركوا الطابور الخامس، ودي التقديرات الصحيحة، مش لأنهم جايين عشان يحتلوا الخرطوم، هؤلاء المقاتلون ليس لديهم خبرة بالقتال داخل المناطق المبنية وليس لديهم خبرة بالعاصمة أصلاً، كانوا يسألون عن مباني الإذاعة وبيت فلان لأن الناس المفترض تقابلهم من الطابور الخامس خذلوهم، كانوا يحملون معهم سلاحاً يفوق عددهم وعند استجوابهم أكدوا أنهم جايبين السلاح لأتباعهم داخل العاصمة، والدليل على ذلك إنو هذه القوات تحاشت الاشتباك مع قواتنا في أي مكان حتى يحققوا أهدافهم من خلال الحرب النفسية والتمويه، لدينا فصيل في حمرة الشيخ تحاشت الحركة الاشتباك معه لتحقيق أهدافها السياسية وقد حققوا ذلك.
{المشهد بالنسبة لك سعادة اللواء وأنت قائد سلاح المهندسين حينها والمعركة في قلب مدينتك؟
-سلاح المهندسين على الرغم من أنه قوة ضاربة، إلا أننا ما كنا عارفين أي حاجة، بنسمع زي الناس ما بتسمع.
كانت لدينا معلومات عن تقدم الحركة، لكن ما كان في حاجة واضحة بالنسبة لنا، ما كان عندي توجيهات ولا خطة، لكن براي اجتهدت ورسلت ملازم أول عشان يعرف الحاصل شنو وشاف وفي خلال خمسة وأربعين دقيقة من إرساله كانت القوات دخلت المدينة.
{كيف تعاملت مع الوضع وأنت بدون خطة وتوجيه؟
-عملت احتياطاتي في أن الحركة ما تعبر إلى الخرطوم، وخليني أقول ليك أنو حركة العدل والمساواة من ناحية عسكرية انتحرت على أسوار سلاح المهندسين، لكن من ناحية سياسية انتصرت وحققت أهدافاً سياسية كبيرة جداً، وخلتكم رغم مرور تسعة أعوام تعيدون السؤال نفسه وتقولون كيف استطاعوا الوصول إلى هنا.
{السؤال يظل متكرراً ومتجدداً لأن ما حدث يعد كسراً للطوق الأمني للبلاد؟
-المعلومات موجودة كما ذكرت لكن التقدير الخاطئ هو الذي قاد إلى ما حدث، وعلى فكرة هذه المعلومات ساعدت في عدم تحرك الطابور الخامس.
{كيف؟
-حديث الحكومة قبل أيام عن دحر الحركة وعدم تمكينها من الوصول للعاصمة جعل الطابور الخامس يشك في كشف خطته، ولذلك لم يحرك ساكناً وتخاذل عن الاتفاق المبرم.
{حجم الخسائر كان كبيراً؟
-خسائرنا ما كانت كتيرة، ما كان في خسائر مادية بالنسبة لنا، لكن بالنسبة لهم كانت كبيرة جداً فضلاً على أنهم انتحروا عسكرياً أنا ربنا ألهمني انو أفضي الكبري الساعة 4 عصراً وعملتوا زي الخط الثابت، وقمت باستخدام مدفعية مع شارع الظلط وإلا كان ستكون الخسائر في أرواح المدنيين كبيرة، رغم أني ما عندي خطة أو أي حاجة، ولما يضربوا كنت بقول انو سلاح المهندسين مافي زول قدر يدخلوا قبل كدا حتى الإنقاذ نفسها عندما جاءت وكنت أردد لازم الناس ديل ينتحروا على أسوار سلاح المهندسين، وأقوم بعملية شحن لي ناسي والحمد لله انتصرنا والإعلام أفادنا للمدى البعيد.
{كيف؟
-أفادنا في تفنيد الشائعات التي أطلقتها حركة العدل والمساواة عندما خرجت إشاعة بوفاتي أو احتلال وادي سيدنا، وكل ما يشحذ من همم الطابور الخامس المعنوية، إلا أن الإعلام من خلال وقوفه على التفاصيل بنفسه استطاع تكذيب كل ما أشيع.
{هل كان هناك أي اتصال بينك وبين القيادة عقب دخول المتمردين أرض أم درمان؟
-أنا للتاريخ ناس القيادة لم يتصلوا بي إلا أثناء الاشتباك مع المتمردين، اتصلوا وطلبوا منا عدم تمكين الحركة من عبور الكبري والوصول للخرطوم، فقلت لهم لن يصلوا الخرطوم إلا على أسوارنا.
{تم مدك بقوة من القيادة العامة؟
-أيوه .. لكن في بادئ الأمر لم يتم تنورينا بما يحدث رتبوا أمورهم براهم وقالوا ما بنخليهم يدخلوا العاصمة.
{ما الذي استفادته الحكومة من هذه الحادثة؟
-ما استفادته هو عمل السد الترابي من جهة أم درمان، طبعاً الخرطوم كمدينة فهي مؤمنة بموانع طبيعية وهي (النيل ـ النيل الأزرق ـ النيل الأبيض) لا يوجد سوى فتحة بحدود مدينة سوبا، ويؤمنها عند مدينة جبل أولياء السد الذي لو تم فتحه تكون الخرطوم آمنة تماماً، فيما يتعلق من جهة بحري فهناك مانع صناعي وهو ترعة السليت، أما أم درمان فحدودها مفتوحة على دارفور وكردفان، والسد الترابي الذي أقيم يشكل حماية للمنطقة.
{بالإمكان تكرار سيناريو ما حدث مرة أخرى؟
-مستبعد.
{أخيراً وعقب تسعة أعوام كيف تقرأ معركة أم درمان أو عملية الذراع الطويل؟
-هذه العملية كانت الداعم العسكري والسياسي الحقيقي لها هو الرئيس الليبي الراحل “معمر القذافي”، بجانب أنه الممول الرئيسي لها وقد قام بتوفير كل احتياجاتها، ولكن لاعتبارات كثيرة ظلت حكومتنا تتحفظ على هذا الحديث في وقته.
وتقييمي لهذه العملية يكمن في أن الخرطوم منطقة ذات ثقل ووزن سياسي كما أن العمق الذي تقع فيه يجعلها عصية الدخول على أي شخص كان، هذا من جانب أما الجانب الآخر فالعملية برأيي كانت تحدياً من دولة تشاد وكأنها تقول لنا مثلما استطاعت معارضتنا الوصول لانجمينا بمساعدتكم، نحن أيضاً نستطيع دخول الخرطوم، وهذا هو الهدف السياسي الذي جاءت من أجله حركة العدل والمساواة وهو تحقيق هدفها السياسي.