بعد ومسافة
أهلية أم درمان الثانوية تناشد “البشير”
مصطفى أبوالعزائم
في يناير 1969 زار السيد “إسماعيل الأزهري” رئيس مجلس السيادة، المعرض السنوي نهاية العام الدراسي للمدرسة الأهلية الثانوية بأم درمان، وكتب عبارته الخالدة في سجل الزوار.. “هذه المدرسة إرث الأجداد والآباء حافظوا عليها وعضوا عليها بالنواجذ”.
والسيد “الأزهري” الأستاذ الكبير الذي يعلم ويعرف تطور التعليم من زمن الاستعمار، حيث كان التعليم محصوراً على المدارس الأميرية الحكومية ومدارس التبشير رغم وجود المعهد العلمي الديني الذي أسسه العلامة الشيخ “أبو القاسم أحمد هاشم”.. ويعني هذا أن العدد الذي ينال حظاً من التعليم لا يتناسب والأعداد الهائلة من الطلاب الذين لا يجدون فرصة للتعليم.
وقد شعر الأجداد والآباء بهذه المشكلة واجتمع نفر كريم وعلى رأسهم الشيخ “إسماعيل الأزهري” مفتي الديار، والشيخ “أبو القاسم أحمد هاشم” شيخ علماء السودان، والمحسن السيد “عبد المنعم محمد، والسيد “البرير” والسيد “الشفيع” والشيخ “عمر إسحق” والبكباشي “نور” تحت رعاية كريمة من السادة “علي الميرغني” زعيم الختمية، و”عبد الرحمن المهدي” زعيم الأنصار لتأسيس مدرسة أهلية متوسطة تجمع التلاميذ الذين يرغبون في تعليم حديث، وجمعت التبرعات وكتب المحسن السيد “عبد المنعم محمد” (شيك على بياض) للإنجليز لضمان استمرارية المدرسة، وانهالت التبرعات وتبرعت حرم البكباشي “نور” بـ”سوار من الذهب”.
وبرز الأساتذة الأجلاء للتدريس في المدرسة الأهلية المتوسطة التي تأسست 1927م رغم ضعف المرتبات خدمة للوطن الغالي.. وتولى الإدارة والتدريس منهم على سبيل المثال الشيخ “عمر إسحق” و”محمد حمزة” و”عز الدين أبو القاسم” و”هاشم الكمالي” و”عبد الله الطيّب” و”محمد خليل جبارة” و”محمود الفضلي”، وانتشرت المدارس المتوسطة الأهلية في المدن كسلا ومدني وشندي وأبوعشر وعطبرة.
وعند قيام مؤتمر الخريجين 1938ن اهتم بالتعليم الأهلي وتوفير مرتبات الأساتذة الأجلاء.
وبعد نجاح الأهلية المتوسطة أسست المدرسة الأهلية الثانوية عام 1945م في حوش المدرسة الأهلية المتوسطة حتى انتقلت المدرسة الأهلية الثانوية إلى المبنى الجديد عام 1955م، ونذكر من الذين تولوا الإدارة للمدرسة الثانوية النظار: “حسن فريجون” و”محمد أحمد عبد القادر” وخالد موسى” و”النور إبراهيم”، وتشرفت بالعمل منذ 1969 تحت إدارة النظار الكرام “الطيّب شبيكة” و”حسين الغول” و”محمد عبد الله العوض” و”محمد عبد الرحيم” و”ونجت برسوم” و”أحمد إسماعيل النضيف” و”مصطفى حسن أمين” و”عبد اللطيف السيد كامل” و”محمد عبد الله الترابي” و”محمد التلب”.
ومن الأساتذة الأجلاء “محمد عبد القادر كرف” ودكتور “أبكر دوشين” و”محيي الدين فارس” و”عبد الرحمن شداد” و”عثمان نورين” و”مبارك يحيى” و”النور عثمان أبكر” و”تاج السر حمزة” و”خليل عبد القادر” و”حمزة مدثر” و”عمر نورين” و”صلاح عوض” و”عبد المنعم إبراهيم” و”كمال حسن شمينا” و”إبراهيم العاقب” و”عبد الرحيم إمام” و”محمد إدريس” و”عوض الصاوي” و”عبد الرحمن حسن شعراوي” و”التوم فوزي” و”قباني” و”العزيب أحمد سعيد”، على سبيل المثال.
واستمر سيل نجاح المدرسة الأهلية والتحق طلابها بالجامعات وخاصة الخرطوم، وبعد التخرج أثروا الخدمة المدنية في شتى الوظائف، ثم التحق البعض بالجيش والبوليس والسجون واتجه البعض للأعمال الحرة.
وفي عام 1996م حضر الدكتور “معتصم عبد الرحيم” مدير عام التعليم لولاية الخرطوم، لزيارة المدرسة الأهلية بصحبة مدير تعليم المرحلة الثانوية لمحلية أم درمان الأستاذ “محمود المرضي” والمدير الفني الأستاذ “عمر حسن الطيّب هاشم”.
وفي طابور الصباح أعلن دكتور “معتصم عبد الرحيم” أنه سيقوم بتقليص المدرسة الأهلية العظيمة من سبعة أنهر (21 فصلاً)، إلى ثلاثة أنهر (9 فصول).
وفي الحين ردد طلاب الأهلية العظيمة النغمة الشهيرة الخالدة (الأهلية منار لن تنهار).
وهنا تناولتُ المايكروفون من دكتور “معتصم” وتحدثت عن قيام المدرسة والنظار والأساتذة العظام والطلاب الذين تخرجوا وأصبحوا نجوم المجتمع.. وللأمانة طلب مني دكتور “معتصم عبد الرحيم” أن أكتب ما ذكرته في الصحف وكان مقال “وقفة إجلال لأهلية أم درمان العظيمة” بجريدة (ألوان) وصاحبها الأستاذ “حسين خوجلي” أحد طلاب أهلية أم درمان، وكان المقال عام 1996م.
وكان نتيجة التقليص تحول العديد من الطلاب النجباء إلى المدارس الخاصة وأصبحت أهلية أم درمان العظيمة أثراً بعد عين، لأن المدير والمعلم الذي ينقل للأهلية والطالب الذي يقبل بها يعتبر نفسه نقل وقبل بالمنفى، لأن الأهلية أصبحت جغرافية وليست نموذجية.
وفي عام 1997م جاء القرار الثاني الذي حطم الآمال بالارتقاء بالمدرسة الأهلية إلى مدرسة نموذجية، ألا وهو اقتطاع الجزء الشرقي من المدرسة ليصبح تحت إدارة جامعة الزعيم الأزهري لفترة خمس سنوات تنتهي عام 2002م ليعود الجزء بعد ذلك لأهلية أم درمان.
وقد ضم الجزء الشرقي الجامع العتيق والمعامل الحديثة الضخمة هدية من اليونسكو لأهلية أم درمان معامل لا مثيل لها في المدارس الثانوية بالعاصمة، وشعبة التاريخ ومعامل الفنون وشعبة الجغرافيا وعدداً من الفصول والبوفيه والميادين الخضراء، وعند ذلك سجلت موضوع “أهلية أم درمان تنادي خريجها” بجريدة (آخر لحظة) على يد خريج المدرسة الأستاذ “مصطفى محمود أبو العزائم”.
ثم سجلت موضوعاً بجريدة (الأيام) على يد خريج المدرسة الأستاذ “محمد موسى حريكة” بعنوان “أهلية أم درمان هل سينهار ذلك الصرح العظيم”، ودعوت الخريجين لتكوين رابطة لإنقاذ الأهلية العظيمة وقد ساعدتني الظروف حين قابلت ابن الأهلية البار الدكتور/ السيد “الصادق الهادي المهدي” وكان وزيراً لصحة الولاية ونائباً لوالي الخرطوم، في حفل افتتاح مدرسة الخرطوم القديمة بالمقر الجديد وتكريم السيد الرئيس المشير “عمر حسن أحمد البشير” والسيد “أبو القاسم محمد إبراهيم” رموز خالدة تخرجت في المدرسة، وهنا عرضت على الدكتور السيد “الصادق الهادي المهدي” ما آلت ووصلت إليه المدرسة الأهلية العظيمة من تدهور وطلبت إنقاذها بأن تصبح مدرسة نموذجية، وقد أثمرت جهود الدكتور “الصادق الهادي المهدي” وأصبحت المدرسة الأهلية العظيمة نموذجية “وقد كانت نموذجية بحق”، وكان ذلك عام 2004م وأصبح الدكتور/ السيد “الصادق الهادي المهدي” راعياً للمدرسة الأهلية العظيمة.
وتكونت رابطة الخريجين بعد اجتماع ناجح حضره العديد من الخريجين من مختلف دفعات المدرسة برئاسة الدكتور”سيف الإسلام سعد عمر” – عليه الرحمة – وسكرتارية “محمد موسى حريكة” وخلفه الدكتور العالم الجليل “عبد الرحيم خبير”، وأمانة الشؤون المالية “المنتصر أبارو” مدير بنك الخرطوم فرع المحطة الوسطى – عليه الرحمة – والشؤون الهندسية “حسام أحمد الوداعة” والدكتور”أحمد قاسم” وزير البنية التحتية الأسبق، والشؤون القانونية المحامي “محمد صديق الإمام” والمحامي “معاوية عابدين”، والشؤون الاجتماعية “الصادق يحيى” و”صديق حسن عبد الله الترابي”، والشؤون الزراعية/ الخبير الدكتور “بابكر الوسيلة” كلية الزراعة شمبات، والأستاذ “عمر حسن الطيّب هاشم” منسق الرابطة.
ولرفع شأن الأهلية سعت اللجنة هذه لتأهيل المدرسة والاهتمام بالمعلم والطالب مع السعي الجاد لإعادة ما استولت عليه جامعة الزعيم الأزهري، ورفعت المطالبة للسيد “محمد أحمد حميدة” والدكتور “مكوار” وزراء التعليم بولاية الخرطوم، وحدد المصدر القانوني مواعيد للإخلاء “الوثائق موجودة لدى الشؤون القانونية للرابطة”، ولكن التماطل والوساطة حالت دون تطبيق القانون.
وتكونت في يونيو 2013م لجنة من رابطة الخريجين برئاسة الدكتور “عبد الرحيم خير” والدكتور “أحمد قاسم” والمحامي “محمد صديق” – عليه الرحمة – و”صديق حسن عبد الله الترابي”، وقابلت دكتور “معتصم عبد الرحيم” وزير التربية – عليه الرحمة – ووعدهم خيراً بإعادة الأمور إلى مسارها الطبيعي، ولكن الأمور سارت كما هي حتى الآن أبريل 2017م.
سيدي الرئيس “عمر حسن البشير” أرجو صادقاً أن تحقق عبارة الرئيس “الأزهري” الخالدة بالمحافظة على إرث الأجداد والآباء ولا يستغل اسم “الأزهري” الخالد بالسيطرة على إرث الأجداد والآباء.
وجميع أهالي أم درمان وخريجي الأهلية وطلابها الآن ينظرون إلى حكمة “عمر حسن أحمد البشير” في إعادة مباني أهلية أمدر للأهلية، حتى تعود الأهلية العظيمة إلى سيرتها الأولى والنغمة الخالدة (الأهلية منار لن تنهار).
عمر حسن الطيّب هاشم
معلم تاريخ
منسق رابطة خريجي الأهلية من 1969 حتى 1982م