تقارير

على مضمار مذكرة (مريم – مناوي): المؤتمر الوطني والأمة القومي… محاولات تسجيل نقاط.. !!


تفجرت الأوضاع على نحو بائن بين حزبي المؤتمر الوطني والأمة القومي مؤخراً على خلفية تسارع الأحداث، ووصولها عند حد إعلان (الأمة) بوضوح، وعلى لسان رئيسه “الصادق المهدي” تبنيه ومساندته للمذكرة التي وقعتها ابنته مساعد الأمين العام للحزب لشؤون الاتصالات د. “مريم الصادق” مع حركة “مني أركو مناوي” المتمردة بالعاصمة اليوغندية كمبالا مطلع أغسطس الجاري. وكان أبرز بنودها الاتفاق على فترة انتقالية بإقرار خصوصيات الأقاليم التي تأثرت بالحروب، بما فيها دارفور، جبال النوبة، النيل الأزرق، شرق السودان، بجانب إجراء انتخابات عامة على المستويات كافة في نهاية فترة الانتقالية.
وكان المؤتمر الوطني قد طالب حزب الأمة القومي بحسم موقفه من المذكرة إما قبولاً وإما رفضاً، ووصف رئيس القطاع السياسي للحزب، نائب رئيس الجمهورية، د. “الحاج آدم” قد وصف “مريم الصادق” بـ(المتمردة) في مؤتمر صحفي الأربعاء 15/ 8/ 2012م خصصه للهجوم عليها وعلى المذكرة، مؤكداً أن حزب الأمة حر في أن يتبنى أو يرفض المذكرة، لكنه أشار إلى أنه وبناء على موقفه ستترتب مسيرة العلاقة معه، وتوعد بتحريك قواعد الحزب وأهل دارفور كافة ضد المذكرة وضد حزب الأمة حال عدم تبرؤه منها. وأوضح أنهم سيتصدون بقوة سياسية شديدة لمحتويات المذكرة وسياسات حزب الأمة، إذا لم يتبرأ منها وينسبها لـ”مريم” ويحاسبها، لافتاً إلى أن المذكرة تعني أن حزب الأمة راضٍ عمّا تمارسه حركة “مني” في دارفور من تقتيل وتشريد ونهب لممتلكات أهل دارفور.
و بدا واضحاً أن غضبة الحزب الحاكم على مذكرة (مريم ومناوي) قد جاءت متأخرة بعض الشيء بالنظر إلى تاريخ إعلان التوقيع على المذكرة بنحو أكثر من عشرة أيام، تناقلت فيها وسائل الإعلام عدداً من التصريحات الفردية من قيادات الحزب المؤتمر الوطني اكتفت بالتقليل من الاتفاق وقدرته على تشكيل أي خطورة على وضعية النظام القائم، ويتسق مع ذلك تأكيدات “الحاج آدم” نفسه بأن المذكرة تمثل خطراً على حزب الأمة، وأنها لا تشكل أي تهديد على الحكومة.
تقليل المؤتمر الوطني من أثر مذكرة التفاهم يتبعه تساؤل عن السبب المباشر الذي دفع القطاع السياسي لتخصيص مؤتمر صحفي للهجوم على “مريم” والمذكرة التي وقعتها إنابة عن حزبها بعد نحو عشرة أيام من إعلان التوقيع عليها.
وبدا أن المؤتمر الصحفي كان مفاجئاً للكثيرين من مراسلي وكالات الأنباء والقنوات الفضائية والصحف الذين اكتظ بهم المكان المخصص للفعالية على نحو دفع بعض منهم للجلوس على الأرض إلى جانب الدهشة التي غطت وجوههم بعد أن تبين لهم السبب الرئيس للدعوة المفاجئة.
ولعل الإجابة على التساؤل تحملها مجريات الأحداث التي أشارت إلى أن المؤتمر الصحفي للمؤتمر الوطني، ربما كان احتجاجاً عنيفاً على تصريحات أعنف من رئيس حزب الأمة “الصادق المهدي” والأمين العام للحزب “إبراهيم الأمين” أطلقاها قبل أقل من (48) ساعة في لقاء جامع لحزب الأمة القومي في إفطار أمانته العامة مساء الاثنين 13 أغسطس الجاري، شنّ فيه رئيس الحزب وأمينه العام هجوماً غير مسبوق على الحزب الحاكم غطت عليه دعوة صريحة للخروج للشارع لاقتلاعه، دعا فيه “الصادق المهدي” السودانيين للاتفاق على يوم أطلق عليه (يوم مولد السودان الجديد)، وطالب بالخروج للساحات العامة للاعتصام والتظاهر عبر الإضراب العام والاعتصام وعبر ما أسماها بـ(القوة الناعمة) لإحداث التغيير في البلاد .
وأمام دهشة الكثيرين من شباب حزب الأمة القومي أعلن “الصادق المهدي” رفضه بشدة أي تقارب بين حزبه والمؤتمر الوطني الحاكم. وقال موجهاً نداءً للشباب: (من أراد التغيير فليأت إلينا، نجمع صفوفنا، يربطن خيط ويقطعنا سيف، ودريبات القش ما معانا). ونبه إلى أن السودان أمام خيارين، إما اتفاق سلام شامل وتحول ديمقراطي وإما استقطاب حاد بين الشعب وجلاديه – على حد تعبيره – عبر الإضراب العام والاعتصام والقوة الناعمة، حسب وصفه.
كما رفض “المهدي” دعوة حزب المؤتمر الوطني، للحوار والمشاركة في السلطة، وقال: (دعونا للمشاركة ومن يستطيع الركوب في مركب غرقانة)، وأكد أن مشاركة حزبه للوطني مستحيلة، مطالباً بتجديد العزيمة لمشروع الخلاص الوطني، الذي دعا له حزبه للتغيير كما حدث في عدد من البلدان، داعياً جميع القوى السودانية المسلحة وغير المسلحة للاتفاف حول المشروع وطالب المجتمع الدولي بدعمه.
غضبة رئيس حزب الأمة وانقلابه المفاجئ على الحزب الحاكم على نحو ما تفجر في إفطار الأمانة العامة، كان محل تساؤل للكثيرين من المراقبين وحتى قطاعات واسعة داخل الحزب العجوز نظراً لحالة المرونة التي طغت على سطح العلاقة بين الحزبين بعيد انهيار اتفاق التراضي الوطني الذي وقعاه 20 مايو 2008، وربما تجلت تلك الحالة في مذكرة التفاهم التي خرجت بها اللجنة المشتركة للحزبين ظهر الرابع من أكتوبر الماضي بالمركز العام للمؤتمر الوطني، والتي وإن فشلت في إدخال حزب الأمة في الحكومة الحالية علي نحو بائن إلا أنها نجحت في مشاركة رمزية تمثلت في قبول نجل “الصادق المهدي” العقيد “عبدالرحمن” لمنصب مساعد رئيس الجمهورية، واتفاق الطرفين على أهمية الوفاق الوطني، خاصة في الظروف الحرجة التي تمر بها البلاد والاستهداف الخارجي ضد وحدة السودان، يضاف إلى ذلك، أن بعض القوة السياسية المعارضة والمراقبين رأوا أن موقف حزب الأمة من محاولات البعض الخروج للشارع مؤخراً من بوابة مسجد السيد “عبدالرحمن” بأمدرمان لم يكن ايجابياً ولا يتناغم مع دعوات إسقاط النظام التي رفعتها القوة المعارضة، على رأسها الحزب الشيوعي والمؤتمر الشعبي شعاراً لعمل المرحلة الآنية، وأنه آثر أن (يمسك العصا من نصفها) قبل أن تعلن هيئة شؤون الأنصار براءتها من كل المحاولات السابقة ومنعها تسيير التظاهرات الاحتجاجية ضد النظام القائم، وتأكيد أمينها العام “عبدالمحمود أبو” في خطبة الجمعة 3/8/2012م انه ليس لهيئته أي صلة بالدعوة التي أطلقتها جهات ذات أهداف سياسية للخروج في ما سمي بجمعة (شهداء نيالا) من مسجد الأنصار، وإشاراته إلى أن هيئة شؤون الأنصار غير معنية بالنشاط السياسي، وأنها مؤسسة دينية.
وذهب مراقبون أن بيان هيئة شؤون الأنصار ليس بمعزل عن موقف الحزب، وإن بدا غير ذلك، وأشاروا إلى أن “عبدالمحمود أبو” مع كونه الأمين العام للهيئة أحد قيادات حزب الأمة القومي، وربما يعضد ذلك مطالبة الأمين العام لحزب الأمة “إبراهيم الأمين” في إفطار أمانته الاثنين 13 أغسطس الجاري، هيئة شؤون الأنصار التي سبق وأن منعت التظاهر من مسجد ود نوباوي بالالتزام بمواقف الحزب.
وبحسب مصادر مقربة، فإن حزب الأمة في تعامله مع المؤتمر الوطني مقسم إلى ثلاثة تيارات، وأن “الصادق المهدي” ومن خلفه تيار واسع يؤيدون التقارب مع الحزب الحاكم، فيما انحاز التيار وفي مقدمته الأمين العام للحزب “إبراهيم الأمين” للخط الرافض للتقارب، وبقي التيار الثالث في المنطقة الوسطى متماهياً مع حالة الصعود والهبوط في موقف التيارين من الحزب الحاكم.
وطبقاً لذات المصادر، فإنه لم يكن أمام رئيس حزب الأمة في إفطار الأمانة العامة إلا أن يلقي بخطاب حماسي يعيد به الود الذي أفسدته حالة التماهي البائنة مع الحزب الحاكم ومشاركة نجله “عبدالرحمن” في الحكومة العريضة؛ ذلك الأمر الذي رفضته قطاعات واسعة في الحزب، في مقدمتها شريحة الشباب، جملة وتفصيلاً، وقابلوا ذلك بمذكرة سلموها رئيس الحزب تطالب بأحد (الحلين)، إما فصل نجل الإمام من الحزب وإما خروجه من الحكومة، إضافة إلى أن كثيراً من الشباب الحزب كانوا غير راضين عن موقف “الصادق المهدي” تجاه المحاولات العديدة للخروج للشارع عبر بوابة مسجد السيد “عبدالرحمن” بود نوباوي بأمدرمان في ظل حالة الاصطفاف التي بدأت تتبلور من شباب الحزب حول الأمين العام “إبراهيم الأمين” الذي يري البعض أنه حقق نجاحاً معقولاً في إنفاذ برنامجه المعلن في توحيد حزب الأمة القومي وإدخاله لمجموعات التيار العام و”مبارك الفاضل” في أمانته، بالإضافة إلى بعض ممثلي الشباب.
وربما كان للموقف الحاد لحزب الأمة الذي سبق (معايدة الفطر)، علاقة برفض المؤتمر الوطني دعوته للمشاركة في مؤتمر السلام والتحول الديمقراطي الذي انتوي (الأمة) عقده بمشاركة كل القوى السياسية والمجتمع المدني والحركات مسلحة والأسرة الدولية، خلافاً لإشارات سابقة بالموافقة غير الرسمية من الحزب الحاكم سبقت النتائج الايجابية للعملية التفاوضية بين حكومتي (جوبا) و(الخرطوم) بالعاصمة الأثيوبية أديس أبابا، التي تمخضت عن الاتفاق على رسوم عبور نفط جنوب السودان عبر الأراضي السودانية.
ولكن المحلل السياسي “عبدالله آدم خاطر” قال إنه لا يستشعر وجود تحول في موقف حزب الأمة القومي ورئيسه “الصادق المهدي”، في التعامل مع الحزب الحاكم، مشيراً إلى أنه كحزب سياسي انتهج منهجاً سلمياً في مواجهة الإنقاذ وتبنى مشروع الجهاد المدني والحوار، وأنه بتوقيعه على اتفاق التراضي الوطني أقدم على خطوة أضعفت موقفه مع المعارضة، مشيراً إلى أنه وبعكس توقعات (الأمة) فإن (الوطني) تجاوز (التراضي الوطني)، بينما ظل الأمة في موقفه من المقاومة السلمية وتوسيع دائرة الحوار وصولاً لتبادل سلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع. ونبه في الوقت ذاته إلى أن جوهر التوقيع مع حركة “مني أركو مناوي” عودتها والتخلي عن السلاح والانخراط في العمل السياسي، مشيراً إلى أنه رغم مشاركة بعض الأشخاص في الحكومة، إلا أن حزب الأمة القومي لم يشارك .
رئيس القطاع السياسي للمؤتمر الوطن رفض الربط بين دعوة “الصادق المهدي” الأخيرة لإسقاط النظام والدعوة المفاجئة للمؤتمر الصحفي الذي أكد فيه أنه غير معني بعمل الأجهزة الحكومية، وأن موقفهم من المذكرة فرضته ظروف وطبيعة مواقف حزب الأمة القومي من القضايا الوطنية، مشيراً إلى أن المذكرة تمثل خطراً على حزب الأمة نفسه. وقوله: (نحن زعلانين لحزب الأمة كيف يرضى لنفسه أن يكون كذلك). وأضاف: (بالله عليكم حزب الأمة المشبع بالروح بالوطنية والجهادية تدنسه “مريم الصادق” عشان يوقع مع حركة “مناوي” الحركة القاتلة، حزب الأمة يكون صنو لحركة “مناوي” ليوقع معها مذكرة تفاهم).
ولكن المحلل السياسي “عبدالله خاطر”، رأى أن رد فعل المؤتمر الوطني تجاه مذكرة “مناوي” كان محسوباً مرده رغبته في إبعاد التيار الداعي للتقارب مع حزب الأمة من ذاك المنحى، مشيراً إلى أن شكل العلاقة بين الطرفين غلب عليه طابعي محاولة (الوطني) المستمرة في إدماج الأمة وسعي الأخير إلى (ديمقرطة) الأول. وقال لـ(المجهر) أن المؤتمر الوطني الآن يرى أن حزب الأمة بدا في كسب أراضٍ جديدة وتوسيع قواعده وسط جماهيره، وله قبول وسط مجموعات داخل الحزب الحاكم. وأوضح أن التصعيد الأخير كان القصد منه قطع العلاقة مع حزب الأمة والمجموعات السلمية داخل الوطني.
دفاع رئيس حزب الأمة القومي، عن مذكرة (مريم ومناوي) بعد ساعات من مطالبة الحزب الحاكم له بحسم موقفه منها، وإشاراته في حديث خاص لقناة الشروق الجمعة 17 أغسطس 2012 إلى أن الحكومة نفسها سبق وأن وقعت اتفاقاً مع حركة “مناوي”، وضع فيه (إمام الأنصار) العربة أمام الحصان، وترك للحزب الحاكم حرية اختيار الخطوة القادمة وهو يضع الكرة في ملعبه.
موقف إمام الأنصار من مذكرة التفاهم، وردة فعل الحزب الحاكم، أما أنها شكلت في – مستقبل الأيام – وجه جديد لملامح العلاقة بين الطرفين تخلو من الكلمات الفضفاضة والمرنة وصناعة المصطلحات، أو أنها أفضت إلى تفاهمات حول قضايا يجد كل طرف منهما صعوبة في (مضغها)، وبذلك تفسر بوضوح ما تعجز عنه التصريحات الإعلامية.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية