إجازة الدفعة الثانية من التعديلات الدستورية في مرحلة السمات العامة بالأغلبية
رغم الجدل.. اللجنة البرلمانية الطارئة ترفض تقليص صلاحيات جهاز الأمن قبل اعتماد تقريرها
البرلمان – يوسف بشير
أخيراً وبعد أن شهدت جدلاً كثيفاً أثناء دراسة اللجنة الطارئة لموادها وتعرضها لضغط مكثف أجبرها على إسقاط بند الزواج بالتراضي، إضافة لعدم أخذها تقليص صلاحيات جهاز الأمن، عرضت اللجنة الطارئة الدفعة الثانية من التعديلات الدستورية الخاصة بالحريات على الهيئة التشريعية في مرحلة السمات العامة – في مرحلة العرض الثاني، حيث أجيزت بالأغلبية أمس (الاثنين)، وخلافاً للمتوقع من قبل مراقبي الساحة السياسية، بأن تشهد مداولات الهيئة شداً وجذباً، أمَّن الكثير من النواب على مسلك اللجنة الطارئة في عدم أخذها بتقليص صلاحيات الجهاز لحد وصل بعضو الهيئة التشريعية “سعاد الفاتح” إلى إطلاق وصف: (الجهاز عايزنو يبقى جمعية خيرية)، للراغبين بتقليص صلاحيات الجهاز أيضاً، بارك النواب إسقاط اللجنة الطارئة لبند الزواج بالتراضي. ولكن، ثمة صوتان غردا خارج السرب، هما: النائب “أمين حسن عمر”، الذي عاب على اللجنة أخذ آراء بعض الكيانات التي تتمسك بخلفياتها الإيديولوجية والدينية في آرائها. والآخر، “عبد الباسط سبدرات”، الذي طالب بإلغاء البند (13) كلياً، من مرحلة السمات العامة، لتعارضه مع الحرية.
}أصل المسألة
قبل أن نمضي قدماً، في استعراض تقرير اللجنة الطارئة وآراء النواب حوله، نشير إلى أن رئاسة الجمهورية، أودعت تعديلات دستورية على دستور السودان الانتقالي لعام 2005م، منضدة الهيئة التشريعية، قبل أكثر من شهرين، ليوكل رئيس الهيئة إلى لجنة طارئة أمر دراستها وإعطائها صلاحية الاستعانة بمن تراه مناسباً في عملها. وبعد أن بدأت اللجنة الطارئة في دارسة مقترح التعديلات من الناحية الفقهية والقانونية والصياغية، كما قالت رئيس اللجنة “بدرية سليمان”، في تقريرها الذي قدمته للهيئة التشريعية، أبدت ملاحظات، أهمها: صياغة التعديلات بلغة غير مفهومة قانونياً ودستورياً، نقل بنود في بعض البنود المقترح تعديلها، كما جاءت في الدستور دون تعديل، وسمت هذا عيباً شكلياً، بعض مقترحات التعديل جاءت مختلفة، عما ورد في مخرجات الحوار، والبند (13) مخالف، لما ورد في توصيات الحوار.
}بداية الجدل
وورد إلى اللجنة رأي فقهي، بخصوص إلغاء البند (1)، من المادة (15)، والاستعاضة عنه بـ(الأسرة هي الوحدة الطبيعية والأساسية للمجتمع ولها الحق في حماية القانون، وعند بلوغ سن الرشد المقررة قانوناً، يجوز التزاوج بين ذكر وأنثى بالتراضي، وبالتعاقد مباشرة أو وكالة). تلخص في: مخالفته للعرف المستقر في البلاد القائم على الشرع، ويخالف نصوص الولاية، إلغاء الولي لم يقله أحد العلماء، اعتماده يؤدي إلى هدم العرف، واشتراط الولي لا يقيد حرية المرأة.
أيضاً، وردها رأي فقهي، حول مقترح المادة (38)، التي نص تعديلها على: (لكل إنسان الحرية في اختيار رؤى يتخذها عقيدة دينية أو رؤية مذهبية وله أن يمارس أيما شعائر دينية أو احتفالات تذكر بها، ويتخذ مواقع لعبادته، ولا يكره أحد على دين عيني أو مذهب معيَّن، ولا يحظر عليه الحوار والجدال، فيما هو حق حسب إيمانه ورأيه). جاء فيه إنه يخالف نص المادة (5/1) من الدستور، التي تنص على أن الشريعة الإسلامية والإجماع مصدر للتشريعات، بجانب إباحتها للكفر صراحة والتحلل من سائر الأديان وتقنينه دستورياً، مما يؤدي إلى فوضى دينية تقود إلى مزيد من الاقتتال، ويجعل المرجع في اختيار الدين الأهواء، فضلاً عن أن المقترح لا يتطابق والتوصية (27) من مقررات الحوار. وأفادت اللجنة أن آرائها تطابقت مع الرأي الفقهي حول مقترح التعديل الوارد في المادة (38).
}تطابق آخر
أما بشأن إلغاء مقترح التعديل للمادة (28) والاستعاضة عنها بـ(لكل شخص الحق في أمان روحه وسلامة نفسه وطلاقة مساعيه في الحياة ولا يحق حرمان أحد من هذا الحق، إلا وفق قانون ماضٍ وقضاء فيه فاصل يُجيز العقاب لمتهم ثبتت له جنايته في: (أ): انتهاك حرمة حياة آخر إلا أن فعل ذلك مدافعة كانت لازمة عن نفسه وما يليه من حرمة. (ب): بغي عام. (ج): قتل نفس أخرى عدواناً وقضى عليه الإعدام قصاصاً دون العفو عنه من أولياء الدم.
قالت اللجنة، بشأن إلغاء المادة (28)، إن آراءها تطابقت مع الرأي الفقهي، الذي جاء فيه: يتعارض النص المقترح مع المادة (36/1) من الدستور، حصر عقوبة القتل في البغي وقتل النفس عدواناً، ألغي عقوبة الإعدام الواردة في كثير من الأحكام الشرعية والقانونية كالردة والحرابة والخيانة العظمى والاغتصاب، عبارات (طلاقة، قانون ماضٍ، لمتهم) غير مألوفة في الصياغة القانونية، والفقرات (أ، ب، ج) مكانها القانون وليس الدستور.
}اتفاق.. ولكن!
وبخصوص، إلغاء المادة (29)، واستبدالها بـ(لا يجوز القبض على شخص واحتجازه دون حق في طلاقته وحرية مسعاه حيثما يرى: (1): إلا إذا قبض عليه بشبهة ارتكاب جريمة. (2): ينبغي أن يُبلغ فوراً بالشبهة. (3): إذا تولت سلطة الإدعاء أمر التحري في شبهته قد يمضي في حبسه لثلاثة أيام ويجوز للقاضي حفظه محبوساً لشهر واحد. (4): في حالة الشبهة بجريمة قد تؤدي عن ثبات البينة على التهمة عند القضاء الحكم بالإعدام أو للسجن لسنة أو أكثر أو الحبس حتى يؤدي ديناً حاقاً عليه عندئذ يجوز للقاضي تجديد حبسه للتحري لثلاثة أشهر. (5): يجوز للمشتبه فيه بأمر القاضي الاستئناف لقاضٍ أعلى. (6): إذا استدعى التحري طول الحبس لأكثر مما يحق يطلق المتهم بالضمان. (7): إذا تطاولت المحاكمة لأكثر من سنة قبل القضاء الحاسم يجوز له الاستئناف لاستعجال إجراءات المحاكمة.
بخصوص تلك المادة لاحظت اللجنة إن آراءها متفقة حول المقترح على النحو التالي: كلمة (الطلاقة) ويقصد بها (الحرية) غير مألوفة في الصياغة الدستورية، كلمة الحرية هي الكلمة المتعارف عليها عالمياً في المواثيق الدولية، والبنود (1-7) مكانها القانون.
أما، مقترح تعديل (31)، الناص على البندين: (1): (شتى الناس سواء فيما يحق لهم من ولاية في الوظائف الانتخابية أو الخدمية العامة دون تمايز). (2): (الناس سوى أمام القانون). ارتأت اللجنة أن المساواة المطلوبة هي العادلة وليس المطلقة.
}دخل الكلام الحوش
واقترح التعديل في المادة (39) على الآتي: (39) (1): لكل شخص حق التعبير الحر عبر وسائل الخطاب المعلن والنشر المكتوب والمسموع والمرئي، والتظاهر في موكب لبسط دعاويه). (2): (تكفل الدولة حرية الصحافة ووسائل الإعلام). (3) (تلتزم كافة وسائل الإعلام بأخلاق المهنة وبعدم إثارة الكراهية الدينية والعرقية والدينية والثقافية أو الدعوة للعنف أو الحرب). قالت اللجنة إنها لاحظت أن مقترح التعديل يحتاج إلى ضبط في الصياغة.
وجاء مقترح المادة (40) على النحو التالي: (تباح لأفراد المجتمع بسط علاقات الموالاة والتجميع والتنظيم في المنظومات والطوائف الدينية والأحزاب السياسية والنقابات المهنية والعمالية: (1): (على أن ترعى الأحزاب انبساط العضوية دون تمايز). (2): (تراعي في أيما منظومة تصوب على جمع المال الالتزام بالقوانين العادلة المسنونة لإدارتها ومراجعتها). (3): (يكفل الحق في التجمع السلمي). ولاحظت اللجنة أن اللغة غير مألوفة في الصياغة، مقترح البنود (1-3) مكانها القانون، البند (3) غير وارد في توصيات الحوار الوطني.
}تعارض مع توصيات الحوار
وبشأن، إلغاء مقترح المادة (151)، الخاصة بجهاز الأمن، والاستعاضة عنها بـ( (151) (1) يُنشأ جهاز للأمن يختص بالأمن الداخلي والخارجي ويحدد القانون مهامه). (2): (تكون خدمته ممثلة لكل أهل السودان)، (3): (تكون خدمته مهنية ويركز على جمع المعلومات وتحليلها). (4): (تنشأ مكاتب للأمن في كل أنحاء السودان). (5): (يكون تحت إشراف رئيس الجمهورية ويقدم تقارير أمام لجان مختصة بالمجلس الوطني).
قالت اللجنة بشأن هذا المقترح إن مفهوم الأمن تطور من تقليد حفظ المعلومات ومن إجراءات بسيطة إلى وسائل معقدة لتحقيق الأمن الداخلي واستدامته، بجانب أن تطور صراع المصالح أدى إلى تطور الأجهزة الأمنية وتعاونها، إضافة إلى مواجهة البلاد لتحديات داخلية وصفتها بالمعقدة لوقوعه وسط دول تعاني من عدم الاستقرار وتحديات خارجية وسمتها ببالغة التعقيد لاتساع حدوده مما يجعله معبراً للجرائم العابرة للحدود كالإرهاب والاتجار بالبشر وتهريب السلاح والمخدرات وتمركز الحركات المسلحة في بعض دول الجوار لتعد نفسها للعودة للداخل، فضلاً عن الاتجاه العالمي الذي يسعى للتوسع في صلاحيات الأجهزة الأمنية، وقيام الجهاز بدور فاعل وبتعاون دولي لاستكمال رفع العقوبات المفروضة من قبل أمريكا على السودان ودوره في تصحيح المعلومات المشبوهة عن البلاد. وقالت: إن مقترح التعديل يخرجه من المنظومة الأمنية الإقليمية والدولية وطالبت بتعزيز قدراته وتطوير قانونه، وشددت على معالجة التخوف من تجاوزات منسوبيه تضبطها أحكام قانونه ولوائحه، بجانب الرقابة القضائية عليه ومحاسبة أفراده.
وقطعت اللجنة بأن المقترح لم يتطابق مع التوصية رقم (78) المتوافق عليها في قرارات الحوار الوطني، وعدم اتساقها مع توصيات الحوار، خاصة رقم (24) التي أمنت على أن الجهاز ضمن القوات النظامية، إضافة لإلغاء التعديل الدستوري الذي تم في 2015م، والذي اقتضته، بحسب رأي اللجنة، الظروف الاستثنائية التي لا زالت تمر بها البلاد.
}اعتراض القضاة
وقالت اللجنة: إن مقترح تعديل المادة (121) الخاصة بتعيين وعزل رئيس الجمهورية قضاة المحكمة الدستورية بتوصية من كلية انتخابية توافق عليهم الهيئة التشريعية، متوافق مع مخرجات الحوار، بيد أن قضاة المحكمة الدستورية اعترضوا عليها بحجة ضرورة النأي بالقضاة عن أيّ عملية انتخابية ضماناً لحيادية القضاء، فضلاً عن الابتعاد من أيّ صراعات سياسية، وطالبوا بأن يكون تعيينهم بترشيح من رئيس الجمهورية بتوصية من جهة قضائية كمجلس القضاء العالي الذي كان معمولاً به في دستور 1998م.
فيما ألغت المادة (129) المفوضية القومية للخدمة القضائية واستبدالها بمجلس القضاء العالي الذي يقف على رأسه رئيس الجمهورية وينظم العلاقة بين السلطة القضائية القومية والأجهزة القضائية في الولايات. وتركت اللجنة حرية إضافة تعيين قضاة المحكمة الدستورية، باعتبارهم كلية انتخابية، إلى سلطاته.
}استبعاد ومطالبة
وارتأت اللجنة استبعاد مقترح التعديل (13) الخاص بأحكام انتقالية، والذي نص على تعيين رئيس الجمهورية كافة مستويات الحكم لحين قيام انتخابات 2020م، لمستويات رئيس الجمهورية وولاة الولايات والمجلس الوطني والمجالس التشريعية الولائية، عدا انتخاب الوالي، للأسباب التالية: عدم تطابقه مع التوصية رقم (79)، بجانب توضيح اللجنة أن القصد منها أن تجري الانتخابات القادمة في 2020م، على كل المستويات، وهذه مضمنة في دستور 2016م، عدا المتعلقة بانتخاب الوالي، فضلاً عن أن التعديل يُلغي كل الأجهزة الدستورية بما فيها رئيس الجمهورية الذي يعطيه التعديل سلطة تعيين نفسه.
وطالب عضو البرلمان، “عبد الباسط سبدرات”، خلال مداولات الهيئة، على التعديلات، بإخراج تلك المادة من مرحلة السمات العامة، لتقييدها الحرية، وقد وصفها بالخطيرة لعدم اتفاقها مع الحرية والمساواة.
}مداولات الهيئة
فيما شن زميله “أمين حسن عمر”، هجوماً عنيفاً على اللجنة الطارئة بشأن اللغة، قائلاً: (اللغة كائن متطور حسب المفاهيم والاستعمال، والقول بأن اللغة غريبة هذا ليس صحيحاً). مؤكداً اتفاقه مع توسيع الحريات، وطالب اللجنة بسؤال نفسها عن النص، هل يوسع الحرية بالقدر المطلوب الذي نريده، ملقياً لومه على الجهات التي استعانت اللجنة الطارئة بآرائها، موضحاً أن لتلك الجهات دوافع أيديولوجية وسياسية انعكست على التغييرات التي أدخلتها اللجنة. واستدل في ذلك بحكاية الولي، التي قال إنها لم ترد في مشروع التعديلات، وأضاف إن اللجنة عندما ذكرت الرأي والرأي الآخر اختصر الأخير، بيد أنه عاد وقطع بعدم اتهامه في أمانتها. وذهب إلى أن الفكرة الجوهرية في مسألة الولي، هي: (أن لا يعطى هذا الولي إذناً لمنع الإرادة الحقيقية للمرأة التي تريد أن تتزوج).
واتفق رئيس كتلة نواب المؤتمر الوطني بالبرلمان “عبد الرحمن محمد سعيد”، ورئيس حزب الأمة الوطني، رئيس لجنة الزراعة “عبد الله مسار”، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان “محمد المصطفى”، ورئيس لجنة الأمن والدفاع، اللواء “أحمد التهامي”، على ضرورة تقوية جهاز الأمن بدلاً عن حصر دوره في جمع المعلومات، وأيدتهم في ذلك عضو مجلس الولايات، القيادية بـ(الوطني) “سعاد الفاتح”، التي مضت إلى القول إن من يرغب في حصر مهام الجهاز في جمع المعلومات يريدونه (جمعية خيرية)، مبدية استغرابها من عرض تلك المادة، إضافة للمادة (38) الخاصة بحرية الاعتقاد، على الهيئة التشريعية، قائلة: إن الأخيرة مدعاة للفوضى.