عز الكلام
صدفة غريبة
أم وضاح
لم أكن أتخيل ولو في الأحلام أن بضع خطوات إلى داخل المستشفى الأنيق الفخيم ستتحول إلى أسوأ كابوس جاثم على صدري لأكثر من عشرة أيام بدأت صباح الأحد الماضي وزوجي الأستاذ “صلاح دهب” يحدثني أنه شعر بالتهاب بوادره شعور بضيق في التنفس لم يمنعه النوم ولا الحركة، لكن من باب الحيطة والحذر اقترحت عليه أن نعاود طبيباً مختصاً بالصدر والجهاز التنفسي، والصدفة وحدها وضعتنا أمام ذاك المستشفى لندخل للعيادة الخارجية حيث طمأننا الطبيب بعد الكشف بالسماعة كما هو معتاد أن الصدر نظيف، لكن وللاطمئنان طلب منا إجراء بعض الفحوصات في الطوارئ ومن هنا بدأ فلم الرعب إذ أن طبيب الطوارئ أخبرنا أن هناك ارتفاعاً في معدل نبضات القلب ولا بد من أخذ حقنة ستستغرق ساعة لضبط النبض وبعدها نعود لمنزلنا، لكن الساعة تحولت إلى أيام إذ قرر طبيب القلب الذي جيء به إلى الطوارئ أن يبقي الأستاذ “صلاح” بغرفة العناية المكثفة لأنه (شاكي) أن هناك شيئاً في (القلب الأبيض) الذي لم يحمل سواداً ولا كرهاً ولا حقداً ولو أن النبل والوفاء والعطاء والطيبة هي من إنزيماته لوجدوه كما الزهرة اليانعة ينبض عطراً ومحبة وجمالاً، المهم تصاعد الأمر فجأة إلى شكوك جعلتني وأبنائي الذين ظلوا طوال تلك الأيام يفترشون الأرض ويلتحفون السماء ورفضوا مغادرة باب المستشفى جعلتنا أضعف خلق أمام توقعات لم ترحم حزننا ودموعنا من شاكلة أعملوا صورة مقطعية للرئة لأنه شاكين في جلطة في الرئة، وبعد (48) ساعة عذاب يجيء الاختصاصي بكل برود أعصاب ويقول لينا: والله ما في جلطة في الرئة لكن (شاكي) في جلطة في شرايين القلب، أعملوا قسطرة وننصاع لأمره ونعمل قسطرة ويخرج بعدها ويقول والله الشرايين نظيفة، لكن (شاكي) في ضعف في عضلة القلب هكذا بكل بساطة تتوالى الشكوك التي تتساقط حقيقتها أمام التشخيص الذي بيتنا (نشك) نحن إن كان صحيحاً أو مجرد شكوك لنخرج من ذاك المستشفى (الفندقي) ونحزم أمرنا بالتوجه خارج السودان لنضع حداً لهذا التخبُّط وهذه العشوائية والازدواجية في الآراء في أمر طبي لا يحتمل الخطأ والصواب خاصة إن تعلّق بجزء حساس ومهم كقلب البني آدم، لكن كمان دايرة أقول وبعيداً عن الأموال التي أهدرناها في شكوك نحن محتاجين نراجع علاقة الأطباء بالمرضى وذويهم ما قادرة أتخيل أن الطبيب الذي يفترض أنه ملاك الرحمة يفتقد لأبجديات الإنسانية للتعامل مع المريض أو ذويه خصوصاً ذويه الذين تقتلهم الشفقة وتتنازعهم الأوهام ويصطدمون بشخص جاف لا يرحم ضعفهم ولا حزنهم ولا ألمهم، ويصبح عنوانه في التعامل معهم السخف والبرود (والخلع) التي كادت تلزمني أنا أيضاً سرير العناية المكثفة، لكن رغم المحنة خرجت منها أن أفضل ما ينعم به الله على الإنسان بعد الصحة أهل وعشيرة وجيران يسندونه في أصعب اللحظات أكثر ما خرجت به من المحنة وخفف علي قتامة سواد تلك الأيام وقفة زملاء أعزاء في هذه الصحيفة شعرت أنهم سندي وأخوتي وأصدقائي!! أكثر ما سندني اتصالات من قرّاء أحبّاء جمعت بيننا هذه الزاوية بعضهم وصلني حتى منزلي مجاملاً بالدعوات والأكف المرفوعة للمولى عز وجل، أكثر ما سندني في محنتي اتصالات هاتفية لم تتوقف ولو لحظة من مسؤولين على أعلى درجات المسؤولية ناكفهم وشاكسهم هذا القلم كثيراً لكنهم (فصلوا) تماماً بين مطلوبات العمل العام ونخوة ورجالة أبناء السودان الذين ينسون وقت الحارة إلى شيء وكل شيء ولا يتذكرون إلا أن معاودة المريض أمر واجب ورفع روحه المعنوية واجب وفرض عين.
في كل الأحوال لم يكن أصعب عليَّ من مرض رفيقي وشريكي في الحياة إلا توقفي عن الكتابة أو كما سألني الأخ والصديق الدكتور “الكاروري” وزير المعادن وين (نبض الشارع) لم يكن صعباً عليَّ ألا توقف هذا النبض الذي ظل جسراً بيني وبين قراء أعزاء أصبحت بيننا علاقة وثقة وأمنيات نتمناها للوطن الكبير، لذلك فإنني أعد القراء الكرام بمواصلة الكتابة حتى وأنا خارج البلاد في الأيام القادمات والتقنية الحديثة جعلت الأمر ميسراً وهيناً ولا يستغرق سوى دقائق لتصبح الزاوية في معمل الصحيفة وبين يدي القراء.
{ كلمة عزيزة
مرت أحداث كثيرة في الأيام الماضيات ما كان ليفوتها هذا القلم، لكن ما راحت حاجة وماكينة الأحداث في بلادنا تصنع كل صباح حدثاً جديداً يستحق الوقوف والتأمل والرصد.
{ كلمة أعز
التهنئة لكل الزملاء في صحيفة (المجهر) بدءاً من الأخ الصديق رئيس مجلس الإدارة الأستاذ “الهندي عز الدين” والأخ رئيس التحرير الأستاذ “صلاح حبيب” وكل العاملين بها على إحراز المركز الثالث في تصنيف المجلس القومي للصحافة والمطبوعات وسيكون شعارنا العام القادم لن نرضى إلا بالأولى إن شاء الله.