تقارير

(6) أبريل وقائع ربيع عربي متقدم أطاح بالرئيس "نميري" وأعاد السلطة للشعب

في الذكرى الـ(32) للانتفاضة
“الجزولي دفع الله” لـ(المجهر) : لم يكن أمام القوات المسلحة سوى إطاحة النظام”
 إسماعيل الحاج موسى : فقدان مايو للإسلاميين كقوة مساندة واحدة من أسباب الانتفاضة
إعداد ـ هبة محمود
مارس ماسك كتف أبريل * أعظم شعب وأعظم جيل
شعبا صمم فردا فرد * هب وهدم حكم الفرد
عَصينا عَصينا وشلنا عِصينا * على الحرية منو بوصينا
تظل هذه المفردات ملحمة تاريخية جسد فيها الفنان “ود الأمين” انتفاضة (6أبريل) أو (انتفاضة مارس – أبريل) كما يحلو للبعض تسميتها، ولكن بالرغم من اختلاف المسمى إلا أنها ـ أي الانتفاضة ـ تظل صفحة بيضاء وناصعة من صفحات تاريخ النضال السوداني الذي تحوي مجلداته كثيراً من تلك الملاحم التي كنا روادا لها يوما ما، وكانت ربيعاً عربياً متقدماً.
لم تكن انتفاضة (6أبريل)  عام (1985) م ضد نظام الرئيس السابق “جعفر محمد نميري” عقب ستة عشر عاما من الحكم قضاها، سوى تعبير صادق من الشارع  الذي توحد حينها لأكثر من عشرة أيام كاملة أعلن خلالها رفضه التام  للنظام الحاكم عبر إضرابات بدأت عشية (27مارس) كانت شرارتها جامعة أم درمان الإسلامية، ومن قبلها  إعلان نقابة عمال السكة الحديد بعطبرة، الإضراب المفتوح عن العمل في السابع من مارس وخروج مواكب وتظاهرات شبه يومية بعطبرة احتجاجاً على الضائقة المعيشية، ثم تلتها تظاهرات شعبية عفوية وأخرى منظمة بجانب عصيان مدني دعت إليه النقابات ولم ينتهِ الأمر إلا بإعلان المجلس العسكري بقيادة وزير الدفاع وقتها الفريق “عبد الرحمن سوار الدهب” تسلم السلطة من نظام الرئيس “جعفر نميري” وقيام مرحلة انتقالية. (المجهر) في الذكرى الـ (32)، لـ(6أبريل) تقلِّب الأوراق وتسترجع بعض الملامح والصور.
الطلاب والعمال في قلب الحدث ..
لم يكن هناك هدف للطلاب والعمال وجميع فئات الشعب التي خرجت في أواخر شهر مارس وأوائل أبريل (1985) م، سوى إطاحة نظام الرئيس الراحل “جعفر نميري”، خاصة في ظل الأوضاع التي كانت تعيشها البلاد حينها من ضائقة اقتصادية ومعيشية قاسية دفعتهم للخروج منددين ومرددين للشعارات التي تنادي برحيل النظام. وعلى الرغم من الإنجازات التي سجلها التاريخ لثورة مايو (1969) التي تحدث عن نفسها بحد تعبير المايويين أنفسهم كلما جاء ذكر حقبتهم، خاصة أن حكومة “نميري” أنجزت عدداً من المشروعات وتبنت الكثير من السياسيات أبرزها  في المجال الاقتصادي حيث تبنت سياسة تأميم البنوك والشركات التجارية الكبيرة في البلاد وتحويلها إلى القطاع العام بجانب تشييد شبكة الطرق بين المدن وتعاقد الحكومة مع شركة شيفرون الأمريكية للتنقيب عن النفط فضلا عن التغييرات التي أحدثتها وشملت قطاعات التعليم والخدمة المدنية وغيرها، إلا أن ذات التاريخ الذي سجل هذه الإنجازات هو نفسه من دون عدداً من الأحداث والمقاومات والانقلابات والحركات المناوئة للنظام التي ظلت تمني نفسها برحيله وتفعل ما في استطاعتها وفقا لا تأتى لها، ويتضح ذلك جليا في الانقلابات المتمثلة في انقلاب هاشم العطا وأحداث الجزيرة أبا بجانب انقلاب “حسن حسين” وهجوم المرتزقة وغيرها من محاولات لم تؤت أكلها وقتها إلا أن تراكم الأحداث لاحقا أسفر عن انتفاضة (6أبريل).
الجزولي دفع الله: تخبط نظام نميري وراء الإطاحة به
الكثير من التحولات السياسية والفكرية والعقائدية تضمنتها فترة حكم نظام “جعفر نميري”، فقد شهدت سنوات حكمه (16) عاما أحداث كبيرة ومهمة وهي وفقا للكثيرين كانت كفيلة بخروج شعبه عليه أهمها تأزم الأوضاع الاقتصادية في أواخر الفترة المايوية، والتخبط في النظام الذي اعتبره الدكتور “الجزولي دفع الله ” رئيس التجمع النقابي آنذاك كفيلا بقيام الانتفاضة، مؤكدا لـ (المجهر) أن عدم استقرار النظام الذي بدأ يسارياً ثم قومياً عربياً ثم يمينياً هو أيضا أحد الأسباب، وقال: أي زول عاش الفترة الأخيرة للنظام كان سيشهد صفوف البنزين والخبز وانقطاع الكهرباء والماء بجانب المجاعة التي حدثت بدارفور تناول على إثرها المواطنون ورق الأشجار، أضف إلى ذلك التضخم الذي كان بأرقام فلكية فقد المواطنون معه الأمل، وأضاف: النظام في بدايته كان جادا لكن تخبطه أفقده الكثير وكان الشعب مهيئاً وقتها للتغيير، ولم يكن بالإمكان إحداث إصلاحات تغير رأي الشعب، حتى القوة النظامية نفسها لم تكن مقتنعة بالنظام ولذلك لم يكن في إمكان القوات المسلحة شيء سوى إطاحة النظام، وزاد: أنا في اعتقادي أن الانقلاب العسكري مهما كانت النوايا فإنه لايؤدي إلى نتيجة مرضية وطويلة المدى.
تغير النميري على ناسه واحد من أسباب انتفاضة أبريل!!
وفي السياق اعتبر البروفسير “إسماعيل الحاج موسى” أن “نميري” نفسه كان أحد الأسباب التي أدت لقيام الانتفاضة بعد أن (عزل نفسه حتى عن ناسه) بحد تعبيره، مؤكدا لـ (المجهر) فقدان الرئيس الراحل لـ (الإسلاميين) كقوة كانت مساندة له سببا آخر يضاف إلى الأسباب عقب تخلصه منهم والزج بهم في السجون الأمر الذي أفقده دعماً جماهيرياً، وقال: الرئيس “نميري” في اجتماع اللجنة المركزية قبل سفره إلى أمريكا بلحظات رد على “محاسن جيلاني” بموجة غضب لا تشبهه وذلك عندما تحدثت عن الغلاء فأجابها (إنتو لسة شفتو غلاء حيجي يوم الناس تدخل السوق بشوال قروش وتمرق بي كيس)، وأضاف: كما ذكرت لك فإن تغير الرئيس نميري على ناسه واحد من أسباب انتفاضة أبريل. 
النقابات تحتشد والشارع يغلي !!
وبحسب الوثائق فإن الضائقة الاقتصادية وفقد الجنيه السوداني في الفترة ما بين 1980 الي 1985 لـ 80% من قيمته بتأثير عودة الحرب الأهلية والسياسة الاقتصادية كان أيضا خرق “نميري” لاتفاقية أديس أبابا وانفجار التمرد وقوانين سبتمبر من أهم الأسباب التي قادت إلى تأزم الوضع الذي تصاعدت على إثره الأحداث عقب تطبيقها في البلاد، مما دفع المواطنين للخروج للشارع وكان ذلك عندما خرج طلاب جامعة أم درمان الإسلامية في مسيرة جابوا بها المدينة وانتهت بحرق مكاتب جمعية ود النميري التعاونية بأم دمان في يوم 27 مارس، أعقبها في اليوم الثاني إعلان الهيئة النقابية للأطباء الإضراب عن العمل وأصدرت على إثره الحكومة بياناً وصفت فيه التظاهرات بالشغب والتخريب أعلنت فيها القبض على (2642) شخصاً.
في يوم  (31) مارس قامت الشرطة باعتقال(13) طالباً من جامعة الخرطوم، وفي الأول من أبريل إلى الثالث منه ازداد صمود الشعب حيث انضمت أكثر من(30) نقابة عامة تدعو للعصيان المدني والإضراب السياسي العام، لتمتد عقب ذلك التظاهرات الشعبية العفوية من وسط الأحياء، وفي مساء الأربعاء (3 أبريل) أصدرت الحكومة قرارا بتخفيض أسعار الخبز والزيوت والصابون للحد من تصاعد الأحداث، وذكرت من خلال البيان عودة النميري ومعه ملايين الدولارات، ولكن رغم البيان فقد تم صباح الخميس (4أبريل) تنفيذ إضراب سياسي استمرت على إثره التظاهرات وشهدت البلاد انقطاع الكهرباء وتعطلت خطوط الهاتف والاتصالات والمواصلات وتوقفت حركة الملاحة الجوية، وفي يوم (5 أبريل) استعدت النقابات لمسيرة حاشدة حيث تم التوقيع على ميثاق تجمع القوى الوطنية لإنقاذ الوطن وقعت عليه ثلاثة أحزاب هي (الأمة ـ الاتحادي ـ الشيوعي) بجانب النقابات المختلفة.  
تعطيل الدستور وإعلان حالة الطوارئ
 في صبيحة السبت (6 أبريل) الساعة التاسعة والنصف صباحا أنهت القوات المسلحة النظام المايوي عقب الانتفاضات والمسيرات الهادرة التي قام بها الشعب بمختلف فئاته وذلك عندما أعلن الفريق سوار الذهب وقتذاك توليه السلطة عبر بيانه الذي أصدر عبره حزمة من القرارات تمثلت في (تعطيل الدستور وإعلان حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد وإغلاق الحدود والأجواء السودانية اعتباراً من اليوم 6 أبريل 1985. ـ إعفاء رئيس الجمهورية ونوابه ومساعديه ومستشاريه ووزرائه المركزيين ووزراء الدولة ـ حل الاتحاد الاشتراكي وجميع تنظيمات روافده ـ حل مجلس الشعب القومي ومجالس الشعب الإقليمية ـ إعفاء حكام الأقاليم ومجالس الشعب الإقليمية ـ تولي قادة المناطق العسكرية في جميع أقاليم السودان سلطات حكام الأقاليم ـ تولي وكلاء الوزارات المركزية ورصفاؤهم في الأقاليم تسيير دفة العمل التنفيذي في العاصمة القومية والأقاليم حتى إشعار آخر).
بهذه القرارات أنهى “سوار الدهب” حكم “نميري” حقنا للدماء وفقا لتصريحات صحفية سابقة، أكد خلالها أن القرار الذي اتخذه وقتها، بإقصاء الرئيس الراحل وإعلانه انحياز الجيش للشعب  توصل إليه بعد أن تأكد له كوزير للدفاع وقائد عام للقوات المسلحة، بأن نميري “بات لا يملك شعبية”، لافتا إلى أن قرار إقصاء “نميري”، الذي كان في رحلة علاجية في الولايات المتحدة، من أجل”حقن دماء السودانيين”.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية