تهريب وتجارة (البشر)…عندما يتحول الإنسان إلى (بضاعة)
تنامت الظاهرة خلال الفترة السابقة
الخرطوم – محمد إبراهيم الحاج
لم تعد حواجب الدهشة أو الاستنكار ترتفع مع تواتر الأنباء التي تحملها الصحف اليومية عن (ضبطيات شرطية) لبعض (أباطرة) مهربي البشر أو الاتجار بهم -لا فرق- فقد أصبح الأمر يندرج في إطار الأخبار غير المستغربة وهو ما يعد اختراقاً خطيراً في منظومة القيم التي تنادي بها الأديان السماوية والمنظمات التي تعمل على رفع قيمة الإنسان.
الحروب المتناسلة وما يستتبعها من هجرات ونزوح، بالإضافة إلى الفقر وندرة فرص العمل في أفريقيا فرض جعل ذروة سنام أحلام بعض الشباب الهجرة إلى بلدان أوروبية أو آسيوية لتحقيق أبسط مطلوبات حياتهم، وهو ما جعلهم (فريسة سهلة) لبعض المجرمين الذين لا يتورعون على فعل أي شيء يمكن أن يغذي خزائنهم بالمال، ولهذا فإن (البشر) صار في عرف بعض التجار مجرد (سلع) و(رؤوس) و(بضاعة) تزيد قيمتها وتنقص بحسب مقتضيات سوق البشر.
ولذا لم يكن مستغرباً أن تكون عمليتا إحباط تهريب البشر التي نشرتها صحف الأمس تحمل أمراً جديداً سوى الإشارة إلى المجهودات التي تقوم بها الشرطة، لكبح جماح الظاهرة التي باتت صداعاً دائماً في رأس الحكومة السودانية والمنظمات الدولية.
(رق) القرن الواحد والعشرين
قال محدثي من بعض الذين يعملون في محاربة هذه التجارة أو التهريب إن البضاعة (البشرية) يتم تخزينها في بيوت داخل إحدى الأحياء، وأغلبهم من دول الجوار (اريتريا وإثيوبيا) الذين يتم جلبهم عن طريق التهريب بالحدود الممتدة ويصعب بالتالي السيطرة على حركة الدخول والخروج منها، ويتم من خلالها الاتفاق مع الضحية البشرية أو مع أهله لإيصاله إلى الشواطئ الأوربية التي ينشدون فيها العمل المجزي ويدفعون لأجل هذا الهدف آلاف الدولارات التي قد تصل إلى خمسة، يتخلون في سبيل الحصول عليها عن مقتنياتهم الثمينة أو بيع ما يملكون من متاع الحياة، وأطياف الحياة الأوربية تداعب مخيلتهم. ويتابع محدثي أن كثيراً من تلك الجماعات التي يقوم على تهريبهم تجار معروفون يتم تخزينهم داخل أحياء الخرطوم لفترات قد تستمر شهوراً عدة، في غرف تفتقر لأبسط مقومات الكرامة الإنسانية وتعوذها أسباب الحياة البسيطة بالإضافة إلى حشرهم داخل غرف صغيرة يصل عددهم في بعض الأحيان إلى (15) شخصاً داخل الغرفة الواحدة. ولفت المصدر إلى أن تلك الحالة التي يعيشون فيها قد يكونون من خلالها عرضة للأمراض سريعة الانتشار والعدوى مثل وباء الكبد الفيروسي والايدز والكوليرا وغيرها من الأمراض المنقولة، مبيناً أن كثيرين أتوا من تلك الجهات وبعض الكشف عليهم طبياً ثبتت إصابتهم ببعض تلك الأمراض، ثم تأتي بعد ذلك رحلة المجهول الكبرى من الخرطوم إلى أوروبا عن طريق بعض دول الجوار وفيها يكون الضحايا معرضين لأخطار الغرق في البحر أو القبض عليهم واحتجازهم في الشواطئ الأوربية أو الموت مرضاً في الطريق، ويسطر ذلك نهاية لأحلامهم التي غذوها طويلاً، ثم أن بعضهم قد يتحول من باحث إلى الهجرة إلى مجرد (رقيق) بعد تعرضهم لابتزاز من قبل التجار، فحين يفشل بعضهم في توفير ما يطلبه منهم التجار من أموال لمقابلة مصروفات الرحلة المرهقة من بلادهم مروراً بالسودان وليبيا وانتهاءً بأوروبا يلجأون إلى بيعهم كـ(رقيق).
يمثل الإريتريون والإثيوبيون الفارون باتجاه السودان، المورد الأساسي لتلك التجارة حيث تجري عمليات خطف منظمة في المخيمات التي تضمهم داخل السودان. وقد أكدت إحصائية رسمية ارتفاع عدد اللاجئين المخطوفين منذ عام 2008 وحتى 2014 إلى نحو (500) في المخيمات الثلاثة المنتشرة في الولايات السودانية، ويعتبر السودان منطقة عبور لهذه التجارة التي تجري عبر مهربين أجانب وسودانيين. وعادة ما يطلب المهربون مبالغ مالية تتراوح بين (2500) دولار و(5) آلاف.
واتساع رقعة الاتجار بالبشر حدا بالمجتمع الدولي إلى السعي لوضع قوانين لمكافحتها من بينها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة ديسمبر 2000، إضافة إلى بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص وخاصة النساء والأطفال، وبروتوكول مكافحة تهريب المهاجرين عبر البر أو البحر. وفي العام 2015م أبرم اتفاق بين السودان والاتحاد الأوربي على زيادة التعاون في مجال مكافحة الاتجار بالبشر والهجرة غير الرسمية، إثر تنامي عمليات الاتجار بالبشر في شرق السودان.
وأصدرت الحكومة قانوناً يقضي بإنزال عقوبة الإعدام أو السجن لمدة لا تقل عن خمس سنوات، ولا تتجاوز (20) عاماً على مرتكبي جريمة الاتجار بالبشر. كما أنشأت نيابات ومحاكم خاصة للنظر في قضايا الاتجار بالبشر.
القبض على (الجنرال)
تعددت ضبطيات الشرطة للمهربين طوال السنوات السابقة ولعل من أشهرها ضبط “ميريد ميضاني” (اريتري الجنسية) من أخطر مهربي البشر الذي ألقت الشرطة القبض عليه العام الماضي وتم تسليمه إلى الشرطة الايطالية، وكان “ميريد ميضاني” الملقب بـ”الجنرال” والبالغ من العمر (35) عاماً قد نظم عملية نقل “الآلاف” منذ عام 2012، طبقاً لما ذكرته السلطات.
ويواجه “الجنرال” اتهامات في إيطاليا بالانتماء إلى جماعة إجرامية دولية ومساعدة المهاجرين في الدخول بشكل غير شرعي للبلاد والإقامة فيها. وذكرت الشرطة الايطالية في بيان “يعتقد أن “ميريد” واحد من مهربي المهاجرين الأساسيين الذين يعملون على طريق “جنوب الصحراء الكبرى- ليبيا” واصفة اعتقاله ونقله إلى إيطاليا بأنه “نقطة تحول مهمة في المعركة ضد تهريب البشر”.
ووصفت الهيئة الوطنية لمكافحة الجريمة في بريطانيا التي ساعدت في اعتقال الهارب، “ميريد” في مذكرة منفصلة بأنه “واحد من أكثر مهربي البشر المطلوبين في العالم”، وربطته بالحادث المروع لغرق إحدى السفن قبالة سواحل جزيرة لامبيدوزا الايطالية. وكان هذا الحادث قد وقع في الثالث من تشرين أول/أكتوبر عام 2013 وأسفر عن مقتل (366) شخصاً، وكان ذلك أكثر الحوادث دموية في تاريخ حوادث البحر المتوسط الحديثة.
برأي مراقبين أن الاتجار بالبشر من الجرائم المستحدثة والعابرة للقارات والدول ويلفتون إلى أهمية وجود دراسة كاملة لكيفية نشأتها وخطوطها ومعرفة طرقها “الواضحة”، فالآليات التي تٌيسر نشوء هذه الظاهرة موجودة وتطبيق القوانين وحده لا يكفي، لأن الآليات التي تقوم بها الجهات المختصة للمحاربة غير كافية، وهو الأمر الذي ربما يمثل تحدياً قانونياً وإنسانياً كبيراً للحكومة السودانية خلال الأيام القادمة.