كارثة بيئية ومأساة حقيقية تحاصر سكان حي "ود دفيعة" بشرق النيل
لحوم أبقار نافقة تجد طريقها للأسواق وسلخانة تزكم الأنوف بالروائح
المزرعة السمكية خطر جاثم ومخلفات مصنع الشفاء تحاصر المنطقة
المدير التنفيذي يتهرَّب من الرد والمعتمد لا يمكن الوصول إليه
تحقيق: آمال حسن
حي “ود دفيعة” من الأحياء العريقة بمنطقة شرق النيل، ويقع شمال شرق حلة كوكو، ويحده من الجنوب حي المزدلفة ومن الشمال الطريق السريع المسمي بشارع “الهواء” ومن الشرق المركز، حي الشقلة شمال، ويتميز حي “ود دفيعة” عن كثير من أحياء شرق النيل بأنه خاضع للتخطيط، ويمكن لأي مواطن يسكن بالحي ويمتلك منزلاً أن يستخرج شهادة بحث بكل سهولة، كما أن شوارع الحي واسعة ومستقيمة، ويتميز الحي أيضاً بتجانس سكانه وبعلاقاتهم الحميمة في الأفراح والأتراح وتعاونهم الملحوظ، كما أن الأمن بالحي مستتب إلى جانب نظافة شوارعه بفضل مجهودات لجنتي التطوير واللجنة الشعبية، ولكن ورغم كل ذلك الجمال والروعة، إلا أن سكان الحي يندبون حظهم الذي أتى بهم ليقطنوا تلك المنطقة، بعد أن أحاطت بهم المشاكل من كل جانب، وأولها مشكلة الصرف الصحي التي أقلقت مضاجع السكان لسنوات طويلة واضطرت بعضهم لمغادرة الحي جراء ما أصاب بعض أفراد الأسر من أمراض، لكن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة بتحويل أنبوب الصرف الصحي إلى منطقة “حطاب” أسهم كثيراً في تخفيف وطأة الروائح الكريهة التي كانت تدخل البيوت دون استئذان، وقبل أن يحتفي السكان بما تحقق من خطوات إيجابية في هذا المنحى، إذا بالمشاكل تحيط بالحي من كل جانب بسبب قيام مسلخ لا يبعد كثيراً عن المساكن، لتبدأ فصول جديدة من المعاناة بسبب الروائح الكريهة التي تنتج من مخلفات الذبيح وخطر اللحوم الناتجة عن الأبقار النافقة، ووصول تلك اللحوم إلى الأسواق لتباع “مسكول” بمبلغ (2) جنيه، بجانب مشكلة أخرى تتمثل في تحويل الجزء الشمالي من المنطقة والذي يجاور المسلخ إلى مكب لمخلفات مصنع “الشفاء” للأدوية، الذي تم استهدافه بصواريخ أمريكية ، مما يضع سكان الحي تحت احتمال خطر النفايات الكيماوية أوالمشعة..وأن كانت تلك المشاكل تعتبر بمثابة صورة صادمة لمن يقف على معاناة سكان هذا الحي، فإن هنالك مشكلة جديدة لا يتوقف أثرها السلبي على سكان الحي، وإنما يمتد لكل قاطني ولاية الخرطوم، وربما ولايات السودان المختلفة بتحويل أحواض الصرف الصحي لمحطة “ود دفيعة” إلى مزرعة سمكية، تعيش وتتنفس داخل تلك الأحواض التي كانت تخصص لمياه الصرف الصحي وتغذيتها على مخلفات المسلخ المجاور.
“المجهر” سجلت زيارة ميدانية لحي “ود دفيعة”، ووثقت بالصورة والقلم ما لا يخطر على قلب بشر، وخرجت بالخطير المثير، ومن ثم استطلعت بعض المسؤولين من لجنة تطوير الحي واللجنة الشعبية وبعض الأهالي. فمعاً نتابع:
رئيس اللجنة الشعبية يوضح
استهلت “المجهر” استطلاعاتها بالاستماع إلى إفادة رئيس اللجنة الشعبية بحي “ود دفيعة” غرب، والذي كان متردداً في الحديث إلى الصحيفة أول الأمر، لكنه أمام إصرارنا وإلحاحنا عليه في التعليق على المشاكل التي تحيط بالحي الذي يرأس لجنته الشعبية، أكد تضرر الأهالي من المسلخ الذي يتم التخلص من مخلفات الذبيح فيه عشوائياً دون إتباع الأسس المحددة، وأشار للمشاكل الأخرى، مثل: تضرر السكان من مخلفات مصنع الشفاء للأدوية وتحركاتهم لوضع حد للأزمة بمقابلة المسؤولين في الترقية الحضرية ومحلية شرق النيل، ونوَّه كذلك للأضرار الناجمة عن البهائم النافقة والتي تزيد من معاناة السكان، كما أشار للمزرعة السمكية بأحواض الصرف الصحي، منوَّهاً لخطورة هذا الأمر، ومطالباً الجهات المسؤولة بالتحرك الفوري لإنهاء الخطر الذي يهدد المواطنين، كاشفاً عن استخدام مخلفات المسلخ بعد تخميرها غذاءً لتلك الأسماك. وكشف الأستاذ “أيمن” رئيس اللجنة الشعبية بحي “ود دفيعة” غرب، عن وجود مشكلة الجلود الناتجة عن المسلخ، والتي تترك لفترة طويلة قبل تعبئتها في جوالات لتصدَّر إلى الدول الأفريقية، فهي كذلك تزيد من معاناة المواطنين، بجانب وجود مصنع للزيوت الحمراء لا يعرف أي شخص حقيقته، وبسؤالنا لرئيس اللجنة الشعبية عن مالك المسلخ أو المزرعة السمكية أو مصنع الزيوت أجاب قائلاً: هذا المكان اشتراه مستثمر ويدعي “عبد الكافي”، وهو مهندس مدني.
لجنة التطوير تطالب بالحسم
أحد أعضاء لجنة التطوير بحي “ود دفيعة” غرب، أكد أن الوضع المأساوي للسكان لا يحتاج للحديث، خاصة وأن الصور تتحدث عن نفسها، مشيراً لمحاولاتهم، ومن قبل محاولات الإخوة في اللجنة الشعبية لعكس المشاهد للمسؤولين، لكنهم لم يشعروا بتحركات جادة لإنهاء الأزمات. وقال: ليت المسؤولين يأتون إلى المنطقة ولو عشر دقائق، فلو استطاعوا الانتظار هذا الوقت دون كمامات، فإن ذلك يعني عدم وجود أي مشاكل بالحي. وفي ختام حديثه لـ(المجهر) طالب المسؤولين ضرورة سرعة التحرك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
رئيس لجنة صحة البيئة بالحي يفنِّد
الدكتور “بابكر الفكي” رئيس لجنة صحة البيئة بحي “ود دفيعة”، قال: إن اللجنة توصي بالرجوع للائحة والضوابط والمواصفات الفنية والهندسية لسلخانات ولاية الخرطوم الصادرة من وزارة الزراعة والثروة الحيوانية والموارد الطبيعية سبتمبر 1977م، والتي نصت في الفصل الثاني المادة(1) أن اختيار الموقع من أهم الشروط اللازمة لإنشاء السلخانات، ويقصد به اختيار الموقع الذي يجب أن تتوفر فيه الشروط الجغرافية والبيئية، ولكن ما يراه الجميع يؤكد أن الشروط لا تنطبق على هذا المسلخ باعتباره أقيم داخل الحي، فلماذا تصمت الجهات المسؤولة وترفض إغلاقه؟.
أنقاض مصنع الشفاء خطر داهم على صحة الإنسان
مشكلة أنقاض مصنع الشفاء للأدوية ترويها إحدى المواطنات، قائلة: تم الاتفاق مع أحد المقاولين لنقل مخلفات مصنع الشفاء إلى خارج ولاية الخرطوم، تفادياً لخطورة المخلفات، والتي ربما بها مواد مشعة بجانب المخلفات الكيميائية أو غيرها، لكن المقاول لم يكن حريصاً على متابعة عمله أو ربما ليقلل تكلفة ترحيل تلك المخلفات، فلم يجد سوى تفريغها في حيَّنا دون غيره من الأحياء، وكأن حي “ود دفيعة” صار المكان الأنسب، لتزداد معاناة سكانه الذين تضرروا من الصرف الصحي لعشرات السنوات، وأيضاً المسلخ ومخلفاته التي لا يتم التعامل معها بصورة سليمة، إضافة لمزرعة الأسماك التي تتغذى على بقايا ومخلفات المسلخ، فإن كانت كل هذه الأشياء لم تقتل مواطني الحي، فإن مخلفات مصنع الشفاء قادرة على الإجهاز عليهم. وأضافت: قمنا بمقابلة اللواء “نمر” والمدير التنفيذي لمحلية شرق النيل، وحصلنا على وعد بوضع حد للأزمة، ولكن دون جدوى.
الأمراض تمشي بين السكان
قال أحد المواطنين إنهم متضررون من فترة ليست بالقصيرة برائحة الصرف الصحي القذرة ومن نفايات ومخلفات المستشفيات، وأنهم حاولوا مراراً وتكراراً مقابلة المسؤولين، لكن دون جدوى، كاشفاً عن إسهام تلك الروائح في إصابة عدد كبير من المواطنين بأمراض الربو والحساسية وغيرها من الأمراض التي تمشي بين السكان.
مواطنة تحكي مشاهد السلخانة
قالت إحدى المواطنات: إن السلخانة التي تهدد صحتهم لا تلتزم بالإجراءات السليمة في التعامل مع مخلفات الذبيح، بل لا توجد أي متابعة صحية من قبل السلطات لهذا المسلخ الذي يقوم بذبح بهائم غير لائقة طبياً، وقد رأينا بأعيننا أن بطون كثير من تلك البهائم تحمل أجنة يتم التخلص منها بوضعها في منهولات الصرف الصحي، فيتسبب ذلك في إغلاق الأنابيب، كما أن مالك المسلخ يقول إنه غير قادر على تحمل نفقات نقل المخلفات يومياً، مقابل ألف وخمسمائة جنيه، وبالتالي فهو يتعامل مع تلك المخلفات بصورة عشوائية مما يتسبب في زيادة الروائح الكريهة.
الأبقار النافقة تباع لحوماً في الأسواق
كشفت ذات المواطنة والتي تعمل بلجنة تطوير الحي، أن هنالك مشكلة الأبقار الميتة، حيث يجئ أشخاص من دولة مجاورة بسيارات خاصة ويحملونها ويبيعونها لحوماً بأبخس الأثمان لبعض الجزارين الذين يبيعونها في الأسواق، مثل: ” لحمة مسكول” وتضيف: الغريب في الأمر أن هذا الشيء يتم أمام أعين ونظر كثير من المواطنين، ولا يجرؤ أحد على منعهم، فيما قال أحد المواطنين: إن السلخانة لا يأتيها أي طبيب بيطري للإشراف على الذبيح، والتأكد من سلامة البهائم، مما يفتح الباب أمام ذبح بهائم غير لائقة طبياً.
المدير التنفيذي يفضِّل الصمت
سعت (المجهر) لسماع صوت المسؤولين بمحلية شرق النيل، فأجرت اتصالاً بالمدير التنفيذي للوحدة الغربية “إبراهيم عيسى” الذي وعد بالرد على التساؤلات والتعليق عليها، لكنه تراجع عن ذلك وآثر الصمت، وهو يرفض الرد على اتصالاتنا، ونحسب أنه اتخذ القرار الصحيح لصعوبة موقفه المحرج تجاه ما وثقنا له بالقلم والصورة.
المعتمد لا يمكن الوصول إليه
أجرت الصحيفة اتصالاً بمدير الإعلام بمحلية شرق النيل، وشرحت له المشاكل التي وقفت عليها، وطلبت مقابلة معتمد المحلية الأستاذ “عبدالله الجيلي”، وقد وعدنا الدكتور “عبدالله” بمقابلة المعتمد، لكن تلك الوعود ذهبت أدراج الرياح.